بابكر فيصل: في ظلال السلطان – الإسلام السياسي بين الفكر والممارسة.. (قراءة جديدة)
بقلم: طارق فرح
“هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”
تشرفت بأن أهداني المؤلف هذا الكتاب، وقد خطّ على صفحاته الأولى كلمات رقيقة تحمل كثيرًا من التقدير. جعلني الإهداء أقترب أكثر من روح العمل، وأقرأ صفحاته بوعي مزدوج: وعي القارئ المتتبع، ووعي الصديق الذي ينصت إلى تجربة فكرية وإنسانية صادقة.
يُعد بابكر فيصل واحدًا من أبرز المفكرين والسياسيين السودانيين في العقدين الأخيرين. عُرف بمواقفه الصريحة المناهضة للإسلاميين، وبخطابه الداعي إلى الديمقراطية المدنية، وحل النزاعات عبر الحوار والتفاوض. وإلى جانب نشاطه السياسي، برز كباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ومحللٍ بارزٍ لقضايا الفكر الديني والسياسة السودانية، يجمع بين شخصية السياسي الفاعل في المشهد السوداني، والمفكر الناقد للمشروعات الدينية، والباحث الأكاديمي الساعي لفهم تعقيدات المجتمع والدولة في السودان والعالم العربي. فضلاً عن إسهاماته الصحفية والفكرية.
حاصل على درجتي ماجستير من جامعتي الخرطوم بالسودان ودنفر بالولايات المتحدة الأميركية، وأصدر عددًا من الكتب، من أبرزها:
* ضباب المدينة: في أزمة الطبقة الوسطى السودانية (عن مشروع الفكر الديمقراطي 2017)
* في شأن النصوص والوقائع: حوارات مع شاكر النابلسي وسيد القمني وخليل عبد الكريم (2023)
* رسائل الدنيا الجديدة (2025)
بانوراما الإسلام السياسي:
العمل الذي بين أيدينا ليس خطابًا دعويًا ولا دراسة تقليدية، بل مشروع فكري واسع، سعى فيه المؤلف إلى تقديم بانوراما لظاهرة الإسلام السياسي من خلال أربعة أبعاد مترابطة: العنف، السياسة، المجتمع، والآخر. وقد صدرت الطبعة بإخراج أنيق يليق بقيمته الفكرية، لتضيف إلى المكتبة العربية مرجعًا نوعيًا في هذا الحقل الحساس.
قسم المؤلف كتابه إلى أربعة أبواب مترابطة:
* الباب الأول: في ظلال العنف
يتناول بدايات خطاب التكفير والعنف منذ كتاب معالم في الطريق لسيد قطب وصولًا إلى الجماعات الجهادية المعاصرة.
* الباب الثاني: في ظلال السياسة
وهو الأوسع، يدرس علاقة الدين بالسلطة من الخلافة العثمانية وحزب التحرير إلى تجربة الترابي في السودان، مرورًا بالنموذج التركي ووثيقة الأزهر. وهنا يشير المؤلف إلى أن الخلط بين الدين والسياسة كان أصلًا للأزمات.
* الباب الثالث: في ظلال المجتمع
يناقش أثر الإسلام السياسي في تفاصيل الحياة اليومية ووهم المشروع الحضاري، قضايا المرأة، التعليم، الفنون، التدين الشكلي، والفتاوى المتعلقة بالجسد. وهنا يجد القارئ تفصيل علاقة الدين بالهيمنة الاجتماعية.
* الباب الرابع: في ظلال الآخر
يطرح علاقة الإسلاميين بالغرب والمختلف فكريًا ودينيًا. فكما صوّر الغرب الشرق عبر قوالب جاهزة، تعامل الإسلاميون مع الغرب بذات النمط من التصورات المسبقة.
إضافة نوعية:
يمتاز العمل بالوضوح والشجاعة الفكرية، إذ يكشف تناقضات الإسلاميين بين الشعارات والممارسة، ويمنح القارئ أدوات لفهم حاضرٍ معقد. ومع أن الكتاب يُثري المكتبة العربية بمرجع مهم، إلا أن بعض فصوله كان يمكن أن تتوسع أكثر في نقد التجارب المعاصرة.
خاتمة: أفق يتسع لـ(رؤية ورؤيا)
لا يقف بابكر فيصل عند حدود النقد وكشف التناقضات، بل يمدّ النظر إلى أبعد من اللحظة الراهنة. ففي الصفحات الأخيرة من عمله، يتبدى هاجس الإصلاح بوصفه سؤالًا وجوديًا يواجه الأمة كلها: كيف نتحرر من أسر الجمود والاستبداد ونستعيد دور العقل في التغيير بعد أن ساد النقل لقرون؟ يرى المؤلف أن الطريق يبدأ من إعادة الاعتبار للعلم كركيزة للنهضة، وهكذا يغدو الكتاب أكثر من مجرد بانوراما عن الإسلام السياسي؛ إنه نافذة على حلم حضاري مؤجل، ودعوة إلى أن نعيد صياغة علاقتنا بالمعرفة والسلطة والآخر، كي لا نظل أسرى دورة التراجع والانقسام.
اسم الكتاب: في ظلال السلطان -الإسلام السياسي بين الفكر والممارسة
المؤلــف: بابكر فيصل
الناشــر: دار المصورات (الطبعة الثانية) 2025
عدد الصفحات: 427