الحياة أولاً.. صرخة مدنية في وجه حرب لا ترحم

بقلم : حيدر المكاشفي

في ظل حرب مدمرة تعصف بالبلاد منذ 15 أبريل 2023، لم يعد المدنيون مجرد ضحايا جانبيين لصراعٍ على السلطة، بل صاروا الهدف الأول للأطراف المتحاربة، والميدان المفتوح لانتهاكات لا حدود لبشاعتها. ومن هذا الواقع القاسي، ولدت حملة إعلامية بعنوان (الحياة أولاً)، أطلقتها مجموعة من المؤسسات الصحفية والإعلامية السودانية، محاولة أن تجعل صوت الإنسان فوق أزيز الرصاص.

لقد أشعلت فلول النظام البائد فتيل الحرب في محاولة يائسة لاستعادة نفوذها، لكن النيران اتسعت لتبتلع المدن والقرى والمخيمات والمنازل والذاكرة الوطنية. فبدلاً من أن تكون المواجهات محصورة في الثكنات أو المواقع العسكرية، تحوّلت الأحياء السكنية إلى متاريس، والشوارع إلى خطوط قتال، والبيوت إلى حصون أو أهداف مشروعة للقصف، وبذا بدأت الحرب ضد المدنيين واستمرت على أجسادهم، ولم تتوقف الانتهاكات عند القصف، بل شملت:

القتل العمد والإعدامات الميدانية

الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي

التعذيب الجسدي والنفسي بدوافع عرقية وسياسية

الاغتصاب والاستعباد الجنسي للنساء والفتيات

نهب الممتلكات وتجريم المدنيين العالقين في منازلهم 

والمأساة الأكبر أن هذه الجرائم وثقت بالهواتف، ونشرت للعامة دون خوف من محاسبة أو حياء من إنسانية.. أرقام كارثية تعكس عمق الجرح، فالحرب تركت حصيلة ثقيلة، حتى باتت الأرقام عاجزة عن احتوائها.

أكثر من 150 ألف قتيل.

عشرات الآلاف من الجرحى.

نزوح يفوق 8 ملايين داخل البلاد.

لجوء نحو 4 ملايين خارج السودان.

23 مليون إنسان مهددون بالمجاعة.

5 ملايين على شفا الجوع الشديد. 

وفي مقابل هذه الكارثة، تستمر أطراف النزاع في منع المساعدات وقصف قوافل الإغاثة ونهبها، بينما تعجز أجهزة العدالة عن التحرك أو حتى الظهور. أما اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، فقد وُوجهت بالمنع أو بالعجز أمام انهيار الأمن. ولكل هذا وانطلاقاً من مسؤولية مهنية وأخلاقية كان لابد للإعلام أن يسترد دوره، فتكاتفت مؤسسات إعلامية عديدة منها “أفق جديد”، “طيبة برس”، “خرطوم هايلايت”، “هلا 96″، “مداميك”، “سودان تربيون”، “إنفورم إنستتيوت”، و”صحيفة ديسمبر”، لإطلاق حملة (الحياة أولاً)، في محاولة لرفع الصوت فوق صمت المجتمع الدولي، وفوق ضجيج الكراهية والتضليل. وتهدف الحملة إلى:

رفع الوعي بمعاناة المدنيين في ما يتعلق بالنزوح، نقص الغذاء، انهيار النظام الصحي.

توثيق القصص الإنسانية والشهادات الميدانية وتقديمها للرأي العام بصورة مهنية.

الضغط الإعلامي محلياً وإقليمياً ودولياً لحماية المدنيين وفتح ممرات آمنة.

توحيد الصوت الإعلامي لبناء تأثير أوسع وأكثر استدامة..

إن ما يجري في السودان انتهاك فج للقانون الإنساني ولكل ما رسخته اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها، التي تلزم المتحاربين بالتفريق بين المدني والمقاتل، وتحظر استهدافهم أو عرقلة المساعدات الإنسانية. لكن الحرب تجاوزت النصوص إلى حد جعل الالتزام بالقانون استثناءً لا قاعدة، والمحاسبة ترفاً لا ضرورة. وعطفاً على ذلك توجه منظمو حملة (الحياة أولًا) بنداء صارخ وواضح للداخل والخارج:

إلى أطراف النزاع: أوقفوا استهداف المدنيين فوراً، والتزموا بالقوانين الوطنية والدولية. 

إلى المجتمعين الإقليمي والدولي بأن تدخلوا لحماية الأرواح البريئة، وافتحوا ممرات إنسانية، وأوقفوا الهجمات العشوائية على الأحياء والمرافق الحيوية.

شكراً لكل المؤسسات الإعلامية المنظمة لحملة الحياة أولاً، ففي زمنٍ تتساقط فيه المدن كما تتساقط الأرواح، يصبح الصوت الحرّ فعلاً مقاوماً، والكلمة موقفاً أخلاقياً، والإعلام حاجزاً أخيراً أمام الانهيار الكامل. فحملة الحياة أولاً ليست مجرد مبادرة إعلامية، بل محاولة لإنقاذ ما تبقى من إنسانية في وطن ينهكه الموت ولا يزال يصر على الحياة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى