كيف يمكن للزراعة أن تصنع السلام في السودان 1-3

بقلم: الباشمهندس حسن علي سنهوري

تُعد الزراعة حجر الزاوية في الحياة في السودان، حيث يعتمد عليها الغالبية العظمى من السكان، خاصة في المناطق الريفية والمتأثرة بالصراعات، في بقائهم من خلال زراعة المحاصيل وتربية الماشية واستغلال الموارد الطبيعية. وعلى الرغم من ذلك، وبشكل لافت، تعاني الأسر العاملة في هذا القطاع من أعلى معدلات الفقر، مما يجعل صحة القطاع الزراعي أمرًا حيويًا لرفاهية الأمة. على مدار عقود، فضّلت السياسات الزراعية بشكل منهجي المشاريع واسعة النطاق الموجهة للتصدير، وأهملت احتياجات صغار المنتجين. أدى هذا النهج إلى تهميش واسع النطاق لمناطق بأكملها، مولدًا مظالم عميقة أسهمت بشكل مباشر في اندلاع التمردات المسلحة والحروب الأهلية في دارفور وكردفان والنيل الأزرق. وهكذا، تحول شريان الحياة للشعب إلى محرك للانقسام.

متلازمة مشروع الجزيرة  

منذ الاستقلال، هيمن نموذج مشروع الجزيرة على الفكر الزراعي في السودان، تمثّل هذا النموذج في الزراعة المروية وإنتاج القطن للتصدير. وقد تبنّت الحكومات والنخب المتعاقبة هذا النهج في تخطيطها للتنمية الزراعية (مثل مشروعات الرهد وحلفا الجديدة). لهذه “المتلازمة”، التي يمكن تسميتها “متلازمة مشروع الجزيرة”، عواقب وخيمة، أبرزها الإهمال المنهجي ونقص الاستثمار في الزراعة التقليدية المطرية. ورغم أن هذه الزراعة تمثل المصدر الأساسي لسبل عيش الفئات الأكثر فقرًا في البلاد، إلا أنها لم تحصل إلا على جزء ضئيل من الاستثمار العام. وحتى عندما تحققت تنمية في مناطق الزراعة المطرية، تركزت على المشاريع الآلية الكبيرة على حساب أراضي المزارعين التقليديين، مما زاد من ضعفهم الاقتصادي.

حقل أحلام شخص آخر: كيف شكلت المصالح الأجنبية الزراعة في السودان

نادراً ما ركزت الاستراتيجية الزراعية للسودان على تحقيق المنفعة الأساسية للفئات الأكثر ضعفاً، أو على بلوغ الأهداف الوطنية للتنمية الشاملة. بل على العكس، تشكلت تاريخياً بفعل أجندات قوى خارجية، مما حوّل أراضيها الخصبة إلى حقل لأحلام الآخرين. فالمستعمر هو من وضع الاستراتيجية الأولية، وكان هدفه الرئيسي استخلاص القطن لمصانع النسيج الخاصة به. أنه بعد الاستقلال، دفعت مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي السودان إلى التركيز على محاصيل التصدير. جاء ذلك بموجب مبدأ “الميزة النسبية”، الذي أغفل الأمن الغذائي المحلي لصالح الحصول على العملات الأجنبية.

يتبع….

 حسن علي سنهوري

مستشار التنمية الزراعية

بريد إلكتروني :  saniali2010@gmail.com

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى