السودان.. جدلية التسوية البعيدة القريبة


أفق جديد
تكشف مصادر صحفية سودانية عن اتصالات بين مجلس السيادة السوداني وقيادات سياسية في تحالفي “صمود وتأسيس”، الخبر الذي نشره رئيس تحرير صحيفة السوداني عطاف محمد مختار دفع بآخرين لنسج قصص على أساسه تقود في آخر المطاف لترجيح كفة السلام القائم على أسس التفاوض وبالطبع محاولة الربط بينه وبين ما حدث في جدة ولاحقاً المنامة وصولاً للقاء رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش مع مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي في جنيف مؤخراً.
بالتزامن مع تسريب خبر التواصل بين السلطات السيادية في بورتسودان وصمود وتأسيس كانت المدينة الساحلية العاصمة المؤقتة تشهد حراكًا سياسيًا آخر، حيث انطلقت صباح الأحد في المدينة الجلسة الافتتاحية للمشاورات السياسية التحضيرية للحوار السوداني، التي تنظمها قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية، “التحالف الداعم لانقلاب 25 أكتوبر بمشاركة عدد من القوى السياسية، وبدعم مالي من منظمة بروميديشن، وبرعاية رسمية من الاتحاد الأوروبي. وتأتي الورشة في إطار جهود الكتلة الديمقراطية لتأسيس مسار سياسي جديد يهدف إلى تجاوز الأزمة الوطنية، عبر حوار سوداني – سوداني شامل. وتستمر الورشة على مدار يومين مخصصة لأعضاء الكتلة، فيما يُخصص اليوم الثالث لعرض رؤيتها أمام القوى السياسية الأخرى، وفق ما أعلنه الدكتور محمد زكريا، الناطق باسم الكتلة، خلال الجلسة الافتتاحية.
ما يجري في الساحة من حراك يفسره البعض في سياق الاقتراب من تسوية تفاوضية للأزمة السودانية التي تطاولت أيامها وتأكيد على فرضية أنه لا يوجد حسم عسكري لأي من أطراف النزاع الموصوف بأنه الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم في الوقت الراهن، كما أنه يقرأ في سياق الحراك الدولي الشامل في السعي نحو تسوية الأزمات والصراعات في المنطقة، يعزز من ذلك ما يجري في ساحة فلسطين، حيث أعلنت حركة حماس موافقتها على الخطة الأمريكية لوقف إطلاق النار فيما يرى متابعون للمشهد في عمومياته الإقليمية “غزة ومن بعدها السودان”.
وفي سياق ذي صلة نفت مصادر وجود أي شكل من أشكال التواصل بين تحالف صمود بقيادة عبد الله حمدوك رئيس الوزراء المنقلب على حكومته المدنية بعد الثورة ومجلس السيادة، لكن التحالف وفي رؤيته يؤكد على التفاوض كآلية أساسية لإيقاف الحرب ومن ثمة استعادة الحكم المدني. في المقابل وبعد طول غياب خرج محمد حمدان حميدتي قائد قوات الدعم السريع ورئيس حكومة “تأسيس” التي تم تشكيلها في مناطق سيطرته دون أن تجد اعتراف في تسجيل موجهاً انتقاداته لقائد الجيش وأعاد الجميع لجدل من أطلق الرصاصة الأولى.
حسناً وبالتزامن مع الأحاديث حول التسوية التفاوضية للأزمة السودانية تعلن الفرقة السادسة التابعة للجيش عن نجاحها في صد هجوم جديد نفذته قوات الدعم السريع التي تحاصر المدينة لما يزيد على الـ 500 يوم يأتي ذلك متزامناً مع بيان أصدرته تنسيقية لجان المقاومة بالمدينة اتهمت فيه قوات الدعم السريع باستخدام سلاح كيماوي في هجومها الأخير على المدينة، حيث أدانت شبكة أطباء السودان قوات الدعم السريع التي حصد قصفها للمدينة أكثر من 30 شخصاً في يوم واحد هذا مع تناثر غازات سامة تنثر فوق بيوت المواطنين، وفقًا لتعبير بيان تنسيقية لجان المقاومة الأخير وهو يصف أوضاع مليون مدني يعيشون في عمق المدينة المحاصرة بترسانة من الجيوش والأسلحة الفتاكة. ما يحدث هناك جريمة حرب مكتملة الأركان.
لكن في سودان المفارقات حتى محاولات قطع الطريق على الجريمة بإيقاف الحرب تجد من يقف في مواجهتها ورفضها الحديث المتداول حول اللقاء بين مجلس السيادة والقوى المدنية الذي أثار حفيظة “البلابسة”، وابتدر بعضهم هجوماً على قائد الجيش محدداً أن قرار إيقاف الدم بالتفاوض وبيع دماء الشهداء لم يعد في يد البرهان وأن الشعب هو صاحب الكلمة العليا. في هذا السياق الهجوم بدا وكأنه امتداد للهجوم الذي قوبلت به مخرجات اجتماعات الرباعية الذي أجمع على أن الإسلاميين هم العقدة في طريق حل الأزمة السودانية وإنهم أصحاب الحرب في سبيل سعيهم للعودة من أجل التحكم في مصير البلاد عليه فإن إبعادهم من المشهد يظل أولوية وهو الموقف المفسر لحالة غضبة الإسلاميين الراهنة وتمسكهم بخيار استمرار الحرب .
في بلد “بل بس” تدفع الانتهاكات المستمرة بمجلس حقوق الإنسان باعتماد تمديد ولاية بعثته لتقصي الحقائق في السودان وهي البعثة التي سبق لوزير عدل سلطة بورتسودان المطالبة بمغادرتها القرار الصادر بأغلبية الأعضاء أشاد بدور القوة المدنية وسعيها من أجل حلحلة القضية السودانية، وسمى تحالف “تقدم”على الرغم من أن الأخير انتهى به المطاف للانقسام بين “صمود وتأسيس” على خلفية تشكيل حكومة موازية في “نيالا” تنازع بورتسودان الشرعية في وطن ينازع شعبه من أجل الحصول على لقمة طعام في المدن المحاصرة وعلى جرعة مياه صالحة في مناطق أخرى يجاهد الناس فيها للحصول على جرعة دواء تمكنهم من مقاومة حمى “الضنك”.
يبحثون من أجل الحصول على تيار كهرباء يمكنهم من متابعة محاكمة “كوشيب” في محكمة الجنائيات الدولية بلاهاي وإدانته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها حين كان تحت أمرة من يقودون الحرب الآن ويعملون على ضمان استمراريتها .
وأدانت المحكمة علي كوشيب بارتكاب 31 تهمة تشمل القتل والاغتصاب والتعذيب والإبادة الجماعية في الفترة بين عامي 2003 و2004 في دارفور وهو نفس المشهد الذي يتكرر الآن في الإقليم المنكوب.
لا يبدو الطريق نحو التسوية التفاوضية مفروشاً بالورود في ظل ارتفاع الأصوات المنادية باستمرار الموت باعتبار أن استمرار الحرب وموت أهل السودان هو الترياق الوحيد الذي يمكن الجناة من الهروب من مصيرهم ومن دفع فاتورة جرائمهم، وأن يعيشوا في سجن السؤال إلى متى؟ وفي كل الأحوال فإن مصير كوشيب ينتظر من وظفوه سابقاً وإن دماء الضحايا ستطاردهم حتى حبل الإدانة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى