“سد النهضة” الإثيوبي.. هل ألحق أضرارًا بالسودان ومصر؟

أفق جديد
مع تطاول أمد الحرب في السودان وتفاقم الأوضاع الإنسانية، جاءت كارثة فيضان النيل الأزرق وارتفاع مناسيب المياه في نهر النيل والسدود، إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت قياسات السنوات الماضية نتيجة الأمطار الغزيرة، وتدفق كميات كبيرة من سد النهضة الإثيوبي.
وطبقًا لوزارة الزراعة والري السودانية، اجتاحت الفيضانات هذا العام ست ولايات وهي النيل الأزرق، سنار، الجزيرة، الخرطوم، النيل الأبيض، والولاية الشمالية.
ونبهت الوزارة إلى أن العوامل المساهمة متعددة، منها الأمطار الغزيرة، وتغير المناخ، وإطلاق المياه من سد النهضة الإثيوبي الكبير.
وتجيء هذه الكارثة في ظل الأزمة التي يعيشها السودان نتيجة الصراع المدمر منذ أبريل 2023، الذي أدى إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين، إضافة إلى إضعاف البنية التحتية، ما جعل مواجهة الفيضانات أكثر صعوبة.
وفي 10 سبتمبر الماضي بدأت إثيوبيا في تصريف المياه بعد أن وصل خزان سد النهضة إلى سعته القصوى نتيجة موسم أمطار غزير، حيث بلغ معدل الضخ نحو 750 مليون متر مكعب يوميًا. وافتتح السد رسميًا في 9 سبتمبر، وسط استمرار الجدل بين الدول الثلاث (إثيوبيا، السودان، مصر) حول ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ينظم تشغيله.

ونوهت الإدارة العامة لشؤون مياه النيل المواطنين على ضفاف النيل بانحسار متسارع للمناسيب في قطاع الروصيرص – الخرطوم، واستمرار ارتفاع المناسيب في القطاع الخرطوم – كجبار.
وطالبت الإدارة جميع المواطنين على ضفاف النيل بإجراء ما يلزم لحماية ممتلكاتهم وأرواحهم.
وعادة ما يشهد السودان أمطارًا غزيرة تسبب سيولًا وفيضانات بين شهري مايو وأغسطس من كل عام، مما يلحق الأضرار بالبنى التحتية والمحاصيل ويشرد عائلات بكاملها، بينما ترتفع مناسيب نهر النيل وتبلغ ذروتها في أغسطس وحتى منتصف سبتمبر.
وتفقد مدير عام قوات الدفاع المدني الفريق شرطة (حقوقي) عثمان عطا مصطفى الجمعة الماضية الجسور النيلية بولاية الخرطوم، وأعلن من داخل جزيرة “توتى” انخفاض ملحوظ في مناسيب النيل بلغ 26 سم.
وأوضح مصطفى في تصريحات إعلامية، أن الانخفاض انعكس على تدني مستوى المياه وتراجعها على طول الشواطئ النيلية، وأكد استقرار الأوضاع بكافة نقاط المراقبة، وأعلن جاهزية قوات الدفاع المدني لمواجهة كل التحديات والحد من الأخطار التي يشكلها الفيضان على طول مجرى نهر النيل.

ورأى الخبير الدولي والمستشار القانوني لوزارة الري السابق أحمد المفتي، أن أحد فوائد سد النهضة، التي وعد بها السودان مواطنيه هي أنه لا فيضانات بعد سد النهضة، ولكن الآن حدث العكس تمامًا، حيث أطلقت إثيوبيا مؤخرًا مياهًا أعلى بحوالي متر ونصف من فيضان 1988، ولقد اعترفت وزارة الموارد المائية السودانية بذلك، وحذرت المواطنين، ولكن أصابهم ضرر بالغ .
وشدد المفتي في حديثه لـ”أفق جديد”، على ضرورة عدم انتهاء الأمر عند ذلك الحد بل ينبغي أن تعتذر الوزارة للمواطنين علنًا، وفتح تحقيق حول الموضوع لمساءلة من أساء التقدير أو أهمل، خاصة وأنه من بين أولئك من منح جوائز ضخمة لإجادة التفاوض حول سد النهضة، وأن تلتزم الوزارة أو تُلزم إثيوبيا بتعويض المتضررين تعويضًا عادلًا وعاجلًا .
كما أكد المفتي في حديثه لـ”أفق جديد”، على ضرورة أن يشمل التحقيق عدم إمداد السودان بالكهرباء الرخيصة التي وعد بها السودان مواطنيه، وكذلك عدم تمكينه من ثلاث دورات زراعية، وغير ذلك كثير، لأن تلك الوعود التي لم تتحقق هي التي حملت السودان على اتخاذ موقفه المؤيد لسد النهضة .
وأضاف المفتي قائلًا: “لقد أضاع مفاوضو السودان حقوقه المائية على الرغم من تنبيهنا لهم كتابة عشرات المرات منذ قبل بداية المفاوضات عام 2011، وتلك جرائم في حق الوطن ينبغي أن لا تفوت من دون مساءلة جنائية ومدنية وإدارية تطال كل من تسبب فيها”.

تصرفات متهورة
وأشارت وزارة الموارد المائية والري المصرية، في بيان، إلى ما سمتها تصرفات إثيوبية متهورة تهدد الأرواح والأراضي المصرية.
واتهمت الوزارة أديس أبابا بتصرفات متهورة وغير مسؤولة في إدارة سد النهضة، معتبرة أن هذه التصرفات ألحقت أضرارًا بالسودان، وتشكل تهديدًا مباشرًا لأراض وأرواح مصرية.
واعتبرت أن هذه التصرفات تفتقر إلى أبسط قواعد المسؤولية والشفافية، وتمثل تهديدًا مباشرًا لحياة وأمن شعوب دول المصب.
وأضافت أن هذه التصرفات تكشف أيضًا بما لا يدع مجالًا للشك زيف الادعاءات الإثيوبية المتكررة بعدم الإضرار بالآخر (عند تشغيل السد)، وتؤكد أنها لا تعدو كونها استغلالًا سياسيًا للمياه على حساب الأرواح والأمن الإقليمي”، وفق تعبير البيان المصري.
وقالت الوزارة، إنه من الناحية الفنية كان من المفترض أن تبدأ إثيوبيا في تخزين المياه بسد النهضة تدريجيًا منذ بداية يوليو وحتى نهاية أكتوبر (فترة الفيضان)، ثم تقوم بتصريف المياه بشكل منظم لتوليد الكهرباء على مدار العام، بما يتسق مع ما تدعيه مرارًا بشأن فوائد السد في تنظيم الفيضان وحماية السودان من الغرق وتوفير الكهرباء للشعب الإثيوبي.

خبرة تراكمية
لكن الحكومة الإثيوبية أعلنت رفضها الاتهامات التي ربطت بين فيضانات السودان الأخيرة وبين عمليات إدارة سد النهضة.
وقالت وزارة المياه والطاقة الإثيوبية، في بيان رسمي، إنها ترفض تحميل أديس أبابا مسؤولية كوارث طبيعية تعود أسبابها إلى عوامل مناخية وبنيوية داخل السودان نفسه.
وأضافت أن الأمطار الغزيرة على المرتفعات الإثيوبية كانت كفيلة بإحداث فيضانات مدمرة لولا الدور التوازني الذي لعبه السد عبر تنظيم تدفق المياه نحو دول المصب.
وأوضحت الوزارة أن سد النهضة لا يعمل بمعزل عن خبرة تراكمية تمتلكها إثيوبيا في إدارة السدود والموارد المائية، مؤكدة أنه جرى اعتماد سياسات تشغيلية تهدف إلى الحد من الأضرار وضمان تدفق مستقر ومتوازن للمياه نحو السودان ومصر.
تقليل الخسائر
ووفق الخبير الدولي أحمد المفتي، فإن المطلوب شروع الحكومة فورًا في تنفيذ ترتيبات هندسية تستوعب كل تدفق للمياه غير مرغوب فيه من سد النهضة.
وقال المفتي في حديثه لـ”أفق جديد”: “لا شك أن تحذير المواطنين من فيضانات سد النهضة التي تطلقها وزارة الموارد المائية تساعد المواطنين المعنيين على تقليل الخسائر، وطالبنا بإجراء ما يلزم من تحقيقات للمساءلة الجنائية والمدنية والإدارية في حالة وجود سوء تقدير أو إهمال أو ما هو أخطر من ذلك”.
وأضاف: “كما طالبنا بمطالبة إثيوبيا بتعويض المواطنين المتضررين تعويضًا عادلًا وفوريًا، وينبغي على الحكومة بالتعاون مع إثيوبيا الشروع فورًا في اتخاذ ترتيبات احترازية تستوعب كل مياه زائدة عن الحاجة يطلقها سد النهضة عن قصد أو بسبب خارج عن الإرادة”.
وتابع: “وبما أنه لا خبرة لنا في ذلك المجال الهندسي، فإننا نتخيل أن تكون تلك الترتيبات عملًا هندسيًا ضخمًا يوجه كل مياه زائدة عن الحاجة إلى مناطق مناسبة في سهل البطانة أو صحارى أم درمان أو خلافه، بحيث تتحول المياه الزائدة عن الحاجة من نقمة إلى نعمة، ويزول التهديد السنوي للفيضانات”.
ومضى المفتي قائلًا: “لا نستبعد وجود مستثمرين لديهم استعداد لتمويل تلك الترتيبات الهندسية الضخمة، مقابل جزء من الفائدة التي يمكن أن تحققها تلك الترتيبات. أما استسلام الحكومة للأمر الواقع، والاكتفاء بالتحذيرات كما تفعل حاليًا فإنه قصور تتحمل وزره، ولا يقل فداحة عن التفريط في حقوق السودان المائية الذي جعل السودان يتحمل وحده سلبيات سد النهضة”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى