الأسرى والمخفيّون قسرًا

من على الشرفة

طاهر المعتصم
منذ اندلاع الصراع السوداني في منتصف أبريل 2023، لم تكن هناك قضية تؤرق كاتب هذه السطور مثل قضية الأسرى والمخفيين قسرًا، خاصة في ظل انعدام قواعد الاشتباك المنصوص عليها في المعاهدات الدولية، وتحديدًا اتفاقيات جنيف لعام 1949.
ولعلنا جميعًا نذكر محاولة اللجنة الدولية للصليب الأحمر إجراء عملية تبادل للأسرى، وما تعرّضت له مركباتها من إطلاق نار، الأمر الذي أدى إلى تجميد عملها في السودان.
كلما انتشرت مقاطع الفيديو التي تُظهر حال الأسرى وقد خرجوا هياكل عظمية من شدة المعاناة، أو تلك التي توثّق المقابر الجماعية التي تضم رفات العشرات.
تتوالى أيضًا مشاهد الحزن حين تنعي الأسر أبناءها بعد تلقيها خبر تصفيتهم، أو حين تعلم أنهم قضوا نحبهم في أماكن احتجاز تفتقر إلى أبسط الاشتراطات الإنسانية.
ولعلّ من أبرز ما تم الاتفاق عليه في اتفاق سلام غزة في مرحلته الأولى هو تبادل الأسرى الأحياء ورفات من قضوا نحبهم، وقد شهدنا الضغوط التي مارسها ذووهم عبر التظاهرات والمخاطبات، الأمر الذي جعل قضيتهم حاضرة على طاولات التفاوض وفي المحافل الدولية.
أما في السودان، فالقضية يلفها صمت كثيف، لا يُكسره سوى بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تطلق نداءاتٍ لإطلاق سراح أبٍ أو ابنٍ أو زوجٍ أسير، أو مخفي قسرًا، أو متهم بالتعاون مع أحد أطراف الصراع.
مئات الصور تنتشر لمدنيين وعسكريين مفقودين، توثقها حسابات ومبادرات أهلية على المنصات الرقمية.
قبل أسابيع قليلة، انتدب عدد من أبناء وبنات السودان أنفسهم لخدمة هذه القضية، في مقدمتهم الأستاذ نصر الدين شلقامي صاحب المبادرة، والأستاذة القانونية سامية الهاشمي، وكاتب هذه السطور، إلى جانب عدد من الأفاضل الذين التحقوا بهذا العمل الإنساني – تضيق المساحة عن ذكر أسمائهم، وإن كان ذلك لا ينتقص من مساهمتهم القيمة شيئًا.
فكّروا وقدّروا كيف يكونون صوت من لا صوت له في غياهب السجون، فاستثمروا خبراتهم الإنسانية وصاغوا مذكرة رفيعة المستوى وُجهت إلى السلطات السودانية، ومفوضية السلام، وقوات الدعم السريع، وإلى الصليب والهلال الأحمر وكل الجهات المعنية.
انضم إلى هذه المبادرة نحو مئة شخصية سودانية من أطباء ومحامين وصحفيين وممثلين لقطاعات المجتمع المختلفة، كموقّعين على المذكرة التي طالبت بإطلاق سراح جميع الأسرى والمخفيين قسرًا، وتمكين الجهات الإنسانية المختصة من زيارة أماكن الاحتجاز وتقديم السجلات اللازمة، وضمان تواصل المحتجزين مع أسرهم، وتوفير الرعاية الطبية والعون القانوني، وتشكيل آلية مشتركة بإشراف المنظمات الإنسانية لمعالجة قضية المخفيين قسرًا.
والصراع السوداني وهو يتوغل في عامه الثالث، يجعل من حق الأطفال والنساء أن يتواصلوا مع ذويهم الأسرى، ومن حق كل أبٍ وأمٍ احترق فؤادهما أن يعرفا مصير أبنائهم، وأن ينعموا بلقاء من أُطلق سراحهم. كما أن من حق الأسرى والمخفيين قسرًا أن يجدوا الحرية والدعم النفسي الذي يرمم ما خلّفته شهور أو سنوات الاحتجاز.
من المأمول أن تجد هذه المبادرة السودانية الإنسانية صدى واستجابة، وأن يرى المحتجزون في ظلام حبسهم ضوءًا في آخر النفق، وأملًا يضيء ما تبقّى من حياتهم.
واثقون أن الحكمة السودانية المتوارثة ستجعل من هذا النداء الخاص بالأسرى والمخفيين قسرًا جسرًا يعبر عليه هؤلاء المساكين نحو حياة كريمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى