كامل إدريس… مشهد الاحتفال في زمن الانهيار

بقلم : إبراهيم مهدي هباني

بينما تبذل المجموعة الرباعية الدولية ـ الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، ومصر ـ جهوداً مكثفة في واشنطن لإيجاد صيغة توقف الحرب في السودان وتفتح بداية مسار لإنهاء واحدة من أطول وأعنف الكوارث الإنسانية في تاريخ البلاد، يتصدر المشهد الداخلي السوداني سؤال أكبر من السياسة: هل تدرك السلطة التنفيذية حجم اللحظة؟ أم أنها لا تزال تتصرف بعقلية ما قبل الانهيار؟

في الأيام الماضية، ظهر رئيس الوزراء المعيَّن من حكومة بورسودان، كامل إدريس، في أكثر من موقع ، متنقلاً بين القاهرة وبورتسودان، قبل أن يتداول السودانيون مقطعاً له عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو يحضر إحدى حلقات الذكر الصوفية في أجواء احتفالية بدا توقيتها غير متناغم مع واقع بلد يعيش تحت نيران حرب مدمرة.

ليست المسألة في طبيعة النشاط أو طبيعته الدينية أو الاجتماعية، بل في رمزيته: صورة سلطة تبدو خارج حالة الطوارئ الوطنية، في لحظة يفترض أنها لحظة تعبئة شاملة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح والسلم الأهلي.

هذا الانفصال بين المشهد الرسمي والمأساة العامة هو ما جعل السودان مراراً يفوت اللحظات النادرة التي تهيأت فيها فرص فعلية للخروج من دائرة الحرب.

اليوم، وعلى غير ما كان في جولات سابقة من الوساطات، تتحرك (الرباعية الدولية) بتركيز غير مسبوق، ليس بهدف إعادة ترتيب السلطة، بل بهدف وقف النزيف الإنساني الذي بات يهدد استقرار الإقليم بأكمله. والمطلوب من القيادة السودانية ـ المدنية والعسكرية معاً ـ أن تتعامل مع هذه اللحظة كفرصة تاريخية، لا كجولة سياسية إضافية يمكن كسب الوقت فيها.

الشارع السوداني المنهك لا ينتظر خطابات الانتصار، بل مؤشرات مسؤولية.

والعالم اليوم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى: من يستجيب لنداء وقف الحرب سيحظى بدعم دولي واسع، ومن يتجاهله سيتحمل تبعات سياسية وإنسانية وأخلاقية ثقيلة.

السودان لا يحتاج إلى إدارة أخرى للأزمة، بل إلى قرار شجاع في لحظة مفصلية.

وحين يقترب العالم من باب الحل، تبدو مسؤولية الداخل ـ لا الخارج ـ هي الحاسمة في تحديد إن كانت هذه بداية النهاية للحرب… أم بداية تأريخ جولة جديدة من الفوضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى