كيف أشعل الإسلاميون حرب السودان لاستعادة السلطة وتدمير الدولة؟

الانتقام بشعار (بل بس) مقابل شعار (تسقط بس) 

أحمد عثمان محمد المبارك المحامي 

كان الشعار القوي لثورة ديسمبر السودانية المجيدة (تسقط بس)، تعبيرًا عن إرادة جماهيرية حاسمة لإسقاط نظام الإنقاذ الإسلامي برمته، دون تسويات أو أنصاف حلول. هذا الشعار لم يكن مجرد هتاف عابر، بل كان رفضاً جذرياً لحكم استبدادي استمر لثلاثة عقود بقيادة حزب المؤتمر الوطني المنحل وحركته الإسلامية.

من (تسقط بس) إلى (بل بس).. دلالات الانتقام والتدمير

مع اندلاع الحرب الحالية في السودان، برز شعار مضاد له دلالات خطيرة وهو “بل بس”. يشير هذا الشعار، الذي يروج له بعض الداعمين للطرف الذي يقاتل مع الجيش، إلى إلغاء كل ما نتج عن ثورة ديسمبر المجيدة واستئناف الصراع حتى النهاية، مع تجاهل أي حل سياسي أو مدني. هذا التحول في الشعارات يعكس النظرة الانتقامية للتيار الإسلامي الذي فقد سلطته، فبعدما أسقطتهم الجماهير بشعار “تسقط بس”، تبدو الحرب بالنسبة لهم فرصة للعودة وتصفية الحسابات مع القوى المدنية التي قادت الثورة، وكأنهم يقولون للشعب: لقد هزمتمونا بـ(تسقط بس)، وسننتقم منكم بـ(بل بس).

استراتيجية الأرض المحروقة (إما أن نحكمكم أو ندمركم)

لقد تجاوزت خطة الانتقام مجرد العودة إلى الحكم لتصل إلى تدمير بنية الدولة والمجتمع. فحجم الدمار الذي أصاب المدن السودانية، خاصة العاصمة الخرطوم والجزيرة، والبنى التحتية الحيوية، والمؤسسات الخدمية، يرسل رسالة واضحة مفادها “إما أن نحكم نحن، أو ندمر الدولة بكاملها”. هذا الدمار الممنهج يعكس عقلية لا تقبل بخسارة السلطة، وتعتبر الدولة والموارد ملكية خاصة لا يجوز أن تسقط في يد الشعب. التخريب الواسع والعبث بمقدرات الأمة هو جزء من عملية انتقامية تهدف إلى تجريد القوى المدنية من أي أساس يمكن أن تبني عليه الدولة الجديدة التي حلمت بها الثورة.

وما يؤكد أن هذه الحرب أشعلتها الحركة الإسلامية وحزبها المحلول بأجندة انتقامية هو سلوك وتصريحات قيادات الحركة الإسلامية نفسها المنتشرة في الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها تصريحات القيادية في الحركة الإسلامية سناء حمد التي عبرت عن إمكانية جلوسهم مع قوات الدعم السريع لوقف الحرب إذا جنحوا للسلم، بينما رفضت على لسان الحركة الإسلامية بشكل قاطع الجلوس والتفاهم مع القوى المدنية التي تمثل تطلعات الثورة، وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار وعودة المسار المدني. هذا التفضيل الواضح للحوار مع طرف عسكري متورط في الحرب على الحوار مع القوى المدنية هو دليل على أن الهدف ليس مجرد حرب لإنهاء الدعم السريع بل إزاحة المكون المدني من المشهد السياسي بشكل كامل، وإعادة ترتيب السلطة بما يضمن عودة نفوذهم. وترافقت هذه الأجندة بحملة إعلامية ممنهجة وشرسة لتخوين القوى المدنية الثورية، التي تمسكت برفضها للحرب ودعت إلى وقفها عبر التفاوض، واتهامها بالعمالة والخيانة بهدف عزلها عن الشارع وتشويه شرعيتها الثورية، لترك الساحة خالية أمام التيار العسكري-الإسلامي للهيمنة على مستقبل السودان دون أي معارضة مدنية فاعلة.

إن محاولة الحركة الإسلامية العودة للسلطة تحت ستار الحرب يظهر بوضوح فيما يراه الإسلاميون الذين فقدوا نفوذهم بعد ثورة ديسمبر في هذه الحرب “فرصة ذهبية” للعودة للسلطة، لذلك عملوا على التسلل إلى مفاصل القرار العسكري وحشدوا الأفراد، وظهرت مجموعات مسلحة مرتبطة بهم (مثل كتائب البراء بن مالك) وغيرها، بهدف استغلال حالة الفوضى والقتال للقضاء على الدولة المدنية التي كان يجري تأسيسها. كما أن تصريحات متطرفيهم، والدفع بشعار “بل بس”، وتفضيل الحوار مع الطرف الآخر في الحرب على الجلوس مع القوى المدنية، وحملة التخوين ضد دعاة السلام المدني، كلها تشير إلى أن هذه الحرب هي في جوهرها حرب انتقام من الشعب السوداني الذي ثار ضدهم، ومحاولة أخيرة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وفرض سيطرتهم مرة أخرى على السودان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى