بابكر فيصل لـ “أفق جديد”: الاتفاق آتٍ والأطراف المتحاربة شارفت على الوصول لنقطة الإنهاك

أفق جديد

في ظل إستمرار الحرب وتفاقم الأوضاع الإنسانية وتصاعد معدلات الجوع والنزوح واللجوء، تتزاحم التطورات السياسية والدبلوماسية لإنهاء أكبر أزمة إنسانية بالسودان، فالرباعية الدولية المكونة من الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات تسعى منذ أشهر طويلة لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات من خلال خطة سلام تدريجية.

أجرت مجلة “أفق جديد” مقابلة مع رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي الأستاذ بابكر فيصل، للإجابة على تساؤلات الراهن السياسي الذي قال إنه ولأول مرة منذ اندلاع القتال يتم طرح خطة تشتمل على ترتيبات معروفة ومواقيت محددة (3 شهور للهدنة الإنسانية و9 شهور للعملية السياسية).

وأوضح أنه ومن ناحية أخرى فمن الواضح أن الأطراف المتحاربة شارفت على الوصول لنقطة الإنهاك التي يأتي بعدها الاتفاق. هذا إذا أضفنا لكل هذه العوامل المعاناة الشديدة التي وصل إليها المواطن من جوع وفقر ونزوح وغياب للتعليم والعلاج وانتشار الأوبئة وانعدام سبل العيش. فإلى مضابط المقابلة.

وفق “أفريكا إنتلجنس”، فإن الآلية الرباعية الخاصة بالسودان تواصل مفاوضات غير مباشرة بين الجيش السوداني والدعم السريع لصياغة بيان لمبادئ أساسية يتم الاتفاق عليها، إلى أي مدى يمكن تحقيق تسوية سياسية لإنهاء الأزمة في البلاد؟

تمثل خارطة الطريق التي طرحتها دول الرباعية في بيانها الصادر في 12 سبتمبر الماضي أكبر فرصة لإحلال السلام في السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، ذلك لأنها تضم الدول صاحبة التأثير المباشر على الأطراف المتحاربة، فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية بوزنها الدولي المعروف وقدرتها على الضغط على كافة الأطراف الداخلية والإقليمية. وكذلك لأول مرة منذ اندلاع القتال يتم طرح خطة تشتمل على ترتيبات معروفة ومواقيت محددة (3 شهور للهدنة الإنسانية و9 شهور للعملية السياسية). ومن ناحية أخرى فمن الواضح أن الأطراف المتحاربة شارفت على الوصول لنقطة الإنهاك التي يأتي بعدها الاتفاق، هذا إذا أضفنا لكل هذه العوامل المعاناة الشديدة التي وصل إليها المواطن من جوع وفقر ونزوح وغياب للتعليم والعلاج وانتشار الأوبئة وانعدام سبل العيش. الأمر المهم هو ألا تأتي التسوية القادمة على شكل “صفقة” بين الأطراف المتقاتلة، بل يجب أن تقدم حلاً جذرياً لأسباب الحروب الممتدة في البلاد منذ الاستقلال وحتى اليوم. المجتمع الدولي ليس “جمعية خيرية”، بل هو شبكة مصالح تسعى من خلالها كل دولة لتحقيق ما تصبو إليه، ولذلك نحن في “صمود” طالبنا بأن تكون العملية السياسية مملوكة بالكامل للسودانيين حتى يقرروا مستقبل بلادهم، ولكن هذا الأمر ليس سهلاً لأنه يتطلب ضغطاً كبيراً من قبل طيف واسع جدًا من القوى المدنية حتى لا يكون وقف الحرب عبارة عن “إطفاء للحريق” لا تلبث أن تندلع بعده النيران مرة أخرى.

ما هو تقييمكم لإدانة “علي كوشيب” من قبل المحكمة الجنائية الدولية وإمكانية تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا بالقبض على بقية المتهمين؟

إدانة علي كوشيب تمثل خطوة أولية في طريق تحقيق العدالة وضمان عدم الإفلات من العقاب، ونحن من جانبنا أعلنا تأييدنا الكامل لها وطالبنا بألا يقتصر الأمر على كوشيب فقط الذي كان يمثل أداة في حرب الإبادة التي شهدها إقليم دارفور، بل يجب أن تشمل كل العقول المدبرة والأشخاص الذين وضعوا خطط الجرائم وقاموا بالتسليح والتمويل، وعلى رأسهم المخلوع عمر البشير وبقية المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية من مجرمي نظامه الفاسد، أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، الذين يعيشون في رفاهية تامة تحت حماية ورعاية الجيش، بل إن بعضهم يشارك بفاعلية في القتال الدائر في البلاد الآن عبر تمويل وتسليح وإدارة مليشيات إرهابية مثل كتائب البراء والعمل الخاص وهيئة العمليات والبرق الخاطف وغيرها. يجب أن تتم ممارسة أعلى درجات الضغط على قيادة الجيش من أجل تسليم هؤلاء المطلوبين للمحكمة حتى يدرك الجميع أنهم سيدفعون ثمن كل الجرائم التي يرتكبونها وإن طال الزمن.

ما هي السيناريوهات المتوقعة والمخاوف جراء تشكيل حكومتين متوازيتين في السودان وأثر ذلك على وحدة السودان؟

تشكيل حكومتين متوازيتين يمثل بداية حقيقية لتقسيم البلاد، وقد حذرنا من ذلك منذ وقت مبكر، في الوقت الذي كان فيه بعض أصحاب النظر القصير يقللون من أهمية الخطوة ويقولون إن تشكيل حكومة موازية في دارفور لا يمثل خطراً كبيراً لأنها لن تجد اعترافاً دولياً، وقد فات على هؤلاء أن موضوع الإعتراف الدولي يمثل أقل العوامل في نجاح أو فشل تلك الحكومة، ذلك لأن نجاحها يعتمد في الأساس على ثلاثة عوامل هي وجود مساحة من الأرض تحت سيطرتها، إضافة إلى توفر موارد اقتصادية في تلك المساحة، وكذلك وجود قوى اجتماعية مؤيدة (بشر)، وهذه العوامل متوفرة الآن للحكومة التي شكلها تحالف “تأسيس”. وجود هذه العوامل سيجبر المجتمع الدولي على التعامل معها “كأمر واقع” حتى إذا لم يتم الاعتراف بها رسمياً. انظر إلى مثال قريب يوضح هذه الفكرة، وهو جمهورية “أرض الصومال”، وهي منطقة حكم ذاتي في شمال غرب الصومال أعلنت استقلالها من جانب واحد في عام 1991. على الرغم من أنها غير معترف بها رسميًا كدولة مستقلة من قبل الأمم المتحدة ومعظم دول العالم التي لا تزال تعتبرها جزءًا من الصومال، إلا أنها تتمتع بنظامها السياسي ومؤسساتها الحكومية وعملتها الخاصة، وتتعامل معها دول العالم كأمر واقع، وقبل عدة أيام أعلنت أمريكا أنها ستعترف بها. من ناحية أخرى، فإن أي سيناريو للتسوية يقوم على الاعتراف بسلطتين في البلاد سيمثل خطوة كبيرة في اتجاه تقسيم السودان، ولذلك كان رأينا منذ البداية أنه لا توجد سلطة شرعية في البلاد منذ انقلاب أكتوبر 2021، وأن أي اتجاه لمنح الشرعية للسلطات الحالية في التسوية القادمة لن يعالج جذور المشكلة، بل سيطفئ الحريق مؤقتاً ثم لا تلبث أن تندلع حرب أخرى من جديد.

بعد دخول حرب السودان عامها الثالث وتصاعد معدلات اللجوء والنزوح، هل من الممكن أن ينتهي النزاع بانتصار عسكري حاسم لأي من طرفي الحرب؟

منذ انطلاق الرصاصة الأولى في 15 أبريل 2023 قلنا إنه لا يوجد حل عسكري حاسم لهذه الحرب. في ذلك الوقت كان البعض يقول إن الحرب ستحسم في ست ساعات فقط! قلنا حينها إن كل يوم تستمر فيه الحرب سيعني تعميق الأزمة السودانية وتعقيد طريق الوصول للحل، فضلاً عن الكلفة المادية والبشرية الباهظة للصراع الذي بات يشكل أكبر مأساة إنسانية في العالم اليوم. هؤلاء الحالمون أصبحوا رويداً رويداً يغيرون نظرتهم لطبيعة الحرب وصعوبة حسمها عسكرياً، وصاروا الآن يقولون إننا لسنا ضد وقف الحرب، ولكننا مع وقفها شريطة الحفاظ على “مؤسسات الدولة”، ونحن نعتبر ذلك خطوة إلى الأمام في طريق اصطفافهم لجانب دعوة وقف الحرب فوراً. مع وجود الطائرات المسيّرة تغيرت طبيعة الحروب في العالم بحيث لم تعد المعارك التقليدية التي تهدف لاستلام الأرض كافية لحسم الحروب، لأن المسيّرات يمكن أن تقطع آلاف الكيلومترات وتضرب مواقع وأهدافاً عسكرية، وكذلك مع الأسف تصيب منشآت مدنية، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأمن. خلاصة القول هي أن رؤيتنا لطبيعة الحرب منذ يوم اندلاعها الأول أثبتت صدقيتها مع انتصاف عامها الثالث، وأن الحل الوحيد يتمثل في ذهاب الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات للاتفاق على كيفية وقفها.

ما هو تقييمكم لتصاعد خطاب الكراهية والعنصرية وتمدد أنشطة عناصر النظام البائد لنشر الإرهاب وتصفية الخصوم ومحاربة القوى المدنية؟

نحن نرى أن أكبر تحدٍ سيواجه البلاد بعد الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار الدائم واكتمال العملية السياسية يتمثل في مواجهة قضيتين أساسيتين هما: الانتشار الواسع للسلاح والانقسام الإجتماعي غير المسبوق. لقد لعبت عناصر النظام البائد دوراً كبيراً في تأجيج خطاب الكراهية سعياً وراء الاصطفاف الجماهيري الذي تظن أنه يضمن لها العودة إلى السلطة مرة أخرى. وكذلك كان للانتهاكات الواسعة في الحرب دورٌ في تزايد خطاب الجهوية والقبائلية، وهو أمر في غاية الخطورة، ذلك لأن نسيج البلاد الاجتماعي كان يعاني من الهشاشة منذ ما قبل الحرب، وأصبح الآن يشكل تحدياً كبيرًا لوحدة البلاد نفسها. هذا الأمر يحتاج إلى علاج سياسي واجتماعي واقتصادي كبير بعد وقف الحرب حتى تلتئم الجراح، وحتى إن تبدت صعوبة رتق ذلك النسيج الآن، إلا أن التجارب في القارة الإفريقية والعالم توضح أنه متى ما توفرت الإرادة الحقيقية والقيادة الراشدة، فإن من الممكن تجاوز هذه العقبة الكؤود، وأمامنا تجربة دولة مثل رواندا التي قُتل فيها حوالي 800 ألف شخص في الصراع القبلي الذي اندلع بين “الهوتو” و”التوتسي”، ولكنها استطاعت تجاوز تلك المحنة وأصبحت من أكثر دول القارة استقراراً وتعايشاً بين مكوناتها الاجتماعية.

وفق مراقبين، فإن الأطراف المتصارعة حصلت على أسلحة جديدة أثناء استمرار العمليات العسكرية، هل عجز المجتمع الدولي عن مراقبة تدفق الأسلحة ووصولها إلى السودان؟

تدفق السلاح لأطراف القتال يمثل أكبر مصدر لاستمرار الحرب، وكما ذكرت لك فإن المجتمع الدولي ليس جمعية خيرية، بل دول صاحبة مصالح ولديها أولويات في مجابهة المشاكل الدولية. طوال العامين ونصف من عمر الحرب ظلت قضية السودان في أدنى سلم الأولويات الدولية، حيث اكتفت المنظمات والدول الكبرى بإصدار عقوبات على أفراد ومؤسسات داخلية تعمل على تأجيج نيران الحرب، وبالطبع لم تكن هذه العقوبات كافية و رادعة بالشكل الذي يوقف الحرب، حيث ظل السلاح يتدفق لأطراف القتال بشكل كبير. المرحلة الحالية تشهد تركيزًا دوليًا على قضية الحرب في السودان، خاصة بعد وقف الحرب في غزة، ويُضاف إلى ذلك أن الرباعية الدولية تحتضن الدول ذات التأثير المباشر على الأطراف المتصارعة، فضلاً عن أمريكا التي تعتبر الدولة الأكبر في العالم من حيث القدرة على ممارسة الضغط على الدول والجماعات، ولذا فإن الأولوية ستُمنح لفرصة التفاوض من أجل وقف الحرب قبل الشروع في إتخاذ خطوات رادعة في حق الأطراف المتحاربة والدول التي تمدها بالسلاح، وإذا تعثر الوصول إلى إتفاق وكان ذلك بسبب تعنت البعض، فمن المتوقع أن تصدر قرارات رادعة بتوريد السلاح إلى السودان من مختلف دول العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى