الدلنج .. جثث تحت الرُكام

 

أفق جديد

مدينة “الدلنج” بولاية جنوب كردفان التي تُعاني الحصار والجوع، تعرضت إلى قصف مدفعي عشوائي أدى إلى وفاة 6 أشخاص وإصابة 12 آخرين بجروح متفاوتة، إلى جانب تدمير جزئي للمستشفى ومرافقه الأساسية.

وأبلغ شهود عيان “أفق جديد”، أن مليشيات “الدعم السريع” والقوات المتحالفة معها قصفت المدينة من ثلاثة إتجاهات الشرقي والغربي والشمالي الغربي بعدد 45 دانة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى وتدمير كلي وجزئي للمنازل السكنية والمرافق الحيوية.

ووفق الشهود، فإن مقرات النازحين تعرضت أيضاً للقصف العشوائي ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى وأن عمليات الإسعاف وإنتشال الجثث من تحت الأنقاض ما زالت مستمرة.

وأفادت مصادر طبية “أفق جديد”، أن مستشفى الدلنج التعليمي تعرض للقصف المُكثف ما أدى إلى تدمير أجزاء واسعة خاصة قسم الطوارئ وعنبر الولادة والعناية المكثفة.

وأكدت المصادر الطبية أن إدارة المستشفى قررت نقل المرضى إلى مكان آمن من أجل تكملة العلاج وإنقاذ الأرواح في ظل الوضع الكارثي والمعقد الذي تعيشه المدينة من القصف الصاروخي والمدفعي.

وتقول المواطنة، آسيا عبد الله في حديثها لـ”أفق جديد”: “مدينة الدلنج التي تعاني الحصار والجوع تتعرض حاليًا للقصف العنيف. الوضع سيء للغاية”.

وأضافت بالقول: “الجثث تحت الرُكام، وعمليات الإنتشال والإحصاء ما زالت مستمرة”.

وحذّرت الأمم المتحدة من تباين صارخ في تحسن الأمن الغذائي بين المناطق السودانية التي شهدت انحساراً في العنف، وتفاقم الجوع الذي شهدته تلك المتضررة بشدة من النزاع، والتي إما انقطعت عنها المساعدات الإنسانية أو خضعت للحصار.

جاء ذلك بعد أن أكد أحدث تحليل أجرته لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي حدوث المجاعة في مدينتي الفاشر – عاصمة شمال دارفور،-  وكادقلي – عاصمة جنوب كردفان – المحاصرتين، حيث عانى السكان لأشهر من انعدام وصول موثوق للغذاء أو الرعاية الطبية.

كما أكدت اللجنة أن هناك 20 منطقة إضافية في دارفور الكبرى وكردفان الكبرى معرضة لخطر المجاعة، بما في ذلك عدة مواقع جديدة في شرق دارفور وجنوب كردفان.

وحسب القيادي في تحالف “الكتلة الديمقراطية” وإبن مدينة الدلنج، مبارك أردول، فإن الإعتداء “يمثل جريمة مكتملة الأركان في حق المدنيين الآمنين، ويُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وإتفاقيات جنيف التي تحظر إستهداف المدنيين والمرافق المدنية أثناء النزاعات المسلحة”.

وأضاف: “أُحمّل قيادة المليشيا والقوات الداعمة لها المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة وما يترتب عليها من تبعات قانونية وإنسانية”، وأوضح أن إستمرار هذه الممارسات الوحشية لن يزيد الأوضاع إلا تعقيداً، ولن يخدم سوى أجندات التخريب والتدمير.

وتابع بالقول: “أدعو المجتمعين الإقليمي والدولي إلى إدانة هذه الجرائم بوضوح وإتخاذ إجراءات فاعلة لوقفها فوراً، بما في ذلك فرض رقابة مستقلة على الإنتهاكات، وضمان حماية المدنيين، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية دون قيود”.

وزاد: “إنّ جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، والمسؤولية الجنائية عن هذه الأفعال لا يمكن أن تُطمس أو تُتجاوز بالتقادم السياسي وسيقاد الجناة إلى ساحات العدالة بلا شك”.

كما ذكرت هيئة (محامو الطوارئ)، أن القصف العشوائي طال سكنية داخل المدينة، وسقطت إحداها داخل مستشفى الدلنج التعليمي، ما أدى إلى وفاة 6 أشخاص وإصابة 12 آخرين بجروح متفاوتة، إلى جانب تدمير جزئي للمستشفى ومرافقه الأساسية.

وذكرت الهيئة في بيان تلقته “أفق جديد”، أن “القصف يأتي في وقتٍ تعيش فيه المدينة حصارًا مُطبقًا تفرضه قوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان – جناح عبدالعزيز الحلو المتحالفتان، الأمر الذي ضاعف معاناة المدنيين وعرّض حياتهم وحقهم في الرعاية الصحية والأمان للخطر”.

وطبقا للبيان، فإنّ “محامو الطوارئ يحملون قوات الدعم السريع والحركة الشعبية المتحالفتين المسؤولية الكاملة عن هذا الهجوم، ويؤكدون أن القصف العشوائي للمناطق السكنية واستهداف المنشآت الطبية يمثل جريمة حرب وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر المساس بالمدنيين والمرافق الصحية تحت أي ظرف”.

وطالبت المجموعة الحقوقية المجموعة بضرورة وقف القصف العشوائي فورًا، واحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، وضمان حماية المدنيين والمرافق الطبية، ورفع الحصار عن مدينة الدلنج بشكل عاجل. كما أكدت أنها تتابع توثيق هذه الجريمة تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد مرتكبيها.

وفي أبريل الماضي، قطعت قوات “الدعم السريع”، طريق رئيسي يغذي ولاية جنوب كردفان بالسلع والمواد الغذائية من سوق “النعام” على الحدود مع دولة جنوب كردفان، وذلك بعد أن سيطرت على ملتقى “أم عدارة” الاستراتيجي الواقع شرق جنوب ولاية غرب كردفان، وضيقت الخناق أكثر في يوليو الماضي، بسيطرتها على منطقة “الدشول” التي تضم ملتقى يربط مدينة الدلنج مع ولاية غرب كردفان.

أما الشريان الرئيسي المغذي لمدينتي الدلنج وكادوقلي هو طريق الأسفلت الذي يربطهما مع مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، قيدت قوات “الدعم السريع” الحركة عبره، بعد المعارك الضارية التي خاضتها مع الجيش السوداني في “الدبيبات” و “الحمادي” خلال أبريل ومايو الماضيين، وأصبحت لا تسمح بعبور شاحنات البضائع إلى ولاية جنوب كردفان.

وصنفت الأمم المتحدة منطقة كردفان التي تشمل ولايات شمال وغرب وجنوب كردفان بالنشطة عسكريًا، جراء لجوء الجيش وقوات “الدعم السريع” إلى الحشود العسكرية بما في ذلك الطائرات المسيرة.

 وفي 21 أبريل الماضي، أوقفت السلطات الحكومية في جنوب كردفان  عمل 30 منظمة دولية ومحلية، منها المجلس النرويجي للاجئين ومنظمة الرؤية.

وتسيطر الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو على المناطق الجنوبية من جبال النوبة منذ العام 2011 وتتخذ من مدينة كاودا عاصمة لها، ويعيش في المنطقة حوالى مليون نسمة.

وكانت كادوقلي والدلنج تحصل على قليل من السلع الغذائية عبر طرق برية وعرة من محليات ولاية جنوب كردفان الشرقية، المربوطة بطرق برية مع مدينة أم روابة وولاية النيل الأبيض، لكن جميع هذه الطرق أُغلقت بشكل كامل بسبب مياه الأمطار، مما أدى إلى انقطاع الإمداد عبرها، وفاقم الأزمة المعيشية.

وفي ظل تصاعد الأزمة الإنسانية، سبق وأن أطلق ناشطون حملة واسعة بغرض تسليط الضوء على الجوع الذي يعيشه السكان في ولاية جنوب كردفان، والضغط على الجهات الإنسانية الفاعلة، بغرض التدخل العاجل وإنقاذ ملايين المدنيين في الولاية المحاصرة.

وخلال الفترة الماضية حاول “برنامج الغذاء العالمي” التابع للأمم المتحدة، إيصال مساعدات إلى ولاية جنوب كردفان لكنه فشل، وصادرت القوات الأمنية القافلة الإغاثية التي كان يسيرها، فالدخول إلى هذه الولاية أصبح شبه مستحيل.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.

ومنذ  منتصف أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى