السودان: حرب لا تستطيع أوروبا إيقافها، لكنها لا تستطيع تجاهلها – تحليل
8 نوفمبر 2025 0
*بقلم سينزيا بيانكو وويل براون*
صمدت مدينة وسكانها ثمانية عشر شهراً في وجه جيشٍ غازٍ. قاتلوا بشجاعةٍ رغم كل الصعاب، رغم أنهم كادوا يموتون جوعاً حتى الإستسلام. والآن، إنهارت دفاعاتهم أخيراً، وبدأ جحيمٌ ينهمر على الناجين.
الفاشر، مدينة في دارفور غرب السودان، فر إليها مئات الآلاف بعد إندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، تشهد الآن أسوأ أزمة إنسانية في العالم. ووفقاً للتقارير ، يُقتل المرضى في المستشفيات وهم على أسرّتهم، بينما يُحتجز الطاقم الطبي طلباً للفدية. ويُعدم نواب سابقون، وتُقطع رؤوس آخرين، ويُعذب المصابون ويُسخر منهم.
الجناة هم قوات الدعم السريع، وهي جماعة شبه عسكرية قوامها عشرات الآلاف، إنبثقت من ميليشيات الجنجويد القاتلة التي روعت دارفور في التسعينيات وأوائل الألفية الثانية. والآن، تُعدّ قوات الدعم السريع أحد الأطراف الرئيسية في حرب السودان المروعة، التي مزّقت البلاد التي كانت يوماً ما واعدة.
لبضع سنوات قليلة، بدأ السودان إحدى قصص النجاح النادرة في الربيع العربي. في عام 2018، أدت احتجاجات عارمة إلى الإطاحة بالديكتاتور الإسلامي عمر البشير. تولت قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، الجيش الرسمي للدولة، زمام الأمور في حكومة مدنية-عسكرية مختلطة. تفكك هذا الترتيب الهش في أبريل 2023، عندما إندلع صراع مفتوح بينهما.
بينما بدت قوات الدعم السريع في البداية متفوقة، إلا أن كفة الحرب عادت لصالح القوات المسلحة السودانية، حيث إستعادت القوات الحكومية العاصمة الخرطوم في وقت سابق من هذا العام. ومع ذلك، لا يبدو أن أياً من الطرفين قادر على هزيمة الآخر هزيمةً كاملة. وقد تحول الصراع إلى خليطٍ مُربك من الحركات المسلحة وداعميها الأجانب – بما في ذلك مصر وإيران وروسيا والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى عددٍ من الحكومات الإقليمية مثل حكومة تشاد.
*غير قادر* *وغير* *راغب*
من الأسرار المعروفة في أروقة السلطة أن أوروبا والولايات المتحدة لا تملكان تقريبًا أي قدرة أو رغبة في فعل شيء لوقف أو معاقبة المسؤولين عن المذبحة في السودان. فهما لا تتمتعان بنفوذ كافٍ – كما صرّح بيتر فام، المبعوث الخاص لمنطقة الساحل خلال إدارة ترامب الأولى، الأسبوع الماضي في قمة فاينانشال تايمز الأفريقية بلندن. الدول الأقرب جغرافيًا إلى السودان – والتي تدعم أطرافًا مختلفة في الحرب – هي صاحبة النفوذ الأكبر، وخاصة دول الخليج. وتفتقر أوروبا تحديدًا إلى القدرة على استخدام القوة الصارمة، اللازمة للضغط على الجهات المسؤولة عن العنف لوقفه.
رغم النفوذ الأمريكي في الخليج، إلا أنها تفتقر إلى الإرادة السياسية. فرغم قوتها العسكرية الهائلة، من غير المرجح أن تُعطي إدارة ترامب الأولوية لمواجهة الأطراف المعنية. لذا، فبينما يوجد العديد من المسؤولين والخبراء المتحمسين والقادرين والمطلعين على جانبي الأطلسي ممن يهتمون بشدة بالسودان، فإن كبار صناع القرار لديهم ببساطة أولويات أخرى.
*دور دولة الإمارات العربية المتحدة*
إن الفاعل الخارجي الأكثر نفوذاً في السودان هو الإمارات العربية المتحدة، التي تدعم قوات الدعم السريع. وعلى الرغم من أن أبو ظبي لا تزال تنفي ذلك، فقد ثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك. ووفقاً لقصة حديثة نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال ، والتي استشهدت بتقارير استخباراتية أمريكية، فقد شحنت الإمارات العربية المتحدة أسلحة -بما في ذلك طائرات بدون طيار صينية الصنع- إلى قوات قوات الدعم السريع، التي اتُهمت الآن مرتين بالإبادة الجماعية في دارفور. وتستشهد صحيفة وول ستريت جورنال ببيانات تتبع الرحلات الجوية التي تُظهر عشرات الرحلات الجوية الإماراتية للشحن إلى شرق تشاد، بينما طلب خبراء الأمم المتحدة مراراً وتكراراً، ولكنهم لم يتلقوا ، بيانات الشحن وشهادات المستخدم النهائي. وفي أبريل 2025، تتبع المحققون قذائف الهاون البلغارية الصنع -التي تم تصديرها بشكل قانوني إلى الإمارات العربية المتحدة- إلى وحدات قوات الدعم السريع في دارفور، مما يوضح كيف يمكن تحويل الأسلحة ذات المنشأ الأوروبي من خلال الشبكات الإماراتية.
إن دعم الإمارات العربية المتحدة لقوات الدعم السريع ليس أيديولوجياً، بل مدروس. تسيطر قوات الدعم السريع على جزء كبير من تجارة الذهب غير الرسمية في السودان، بالإضافة إلى الطرق البرية المؤدية إلى البحر الأحمر، حيث تسعى شركات إماراتية، مثل موانئ دبي العالمية وموانئ أبوظبي، إلى الحصول على امتيازات لوجستية وموانئ. تنظر الإمارات إلى الجيش السوداني على أنه مرتبط بشبكات إسلامية تعتبرها منافسة لها.
*الحد الأدنى*
هناك بعض الخطوات البسيطة التي يمكن لأوروبا اتخاذها لمحاسبة مرتكبي العنف في السودان. ولا شك أن جهودها لجمع شمل منظمات المجتمع المدني السودانية المنقسمة جديرة بالثناء. ومع ذلك، فإن اتخاذ إجراء أكثر أهمية يتطلب تعزيز الشفافية.
ينبغي على لندن وباريس وبرلين وروما الانضمام إلى الولايات المتحدة في دعوة الأمم المتحدة للإمارات العربية المتحدة للكشف عن سجلات الرحلات الجوية، وقوائم الشحنات، وشهادات المستخدم النهائي المتعلقة بالشحنات المتجهة إلى تشاد والسودان. كما ينبغي على أوروبا فرض الإفصاح الإلزامي عن الصادرات أو إعادة التصدير المرتبطة بالإمارات العربية المتحدة، والتي تتضمن مكونات دفاعية أوروبية الصنع، لسد الثغرات التي كشفتها القضية البلغارية.
وتدعم الحكومات الأوروبية خطابيا بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة وفريق الخبراء المعني بالسودان بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1591 (2023)، ولكنها لم تضغط على أبو ظبي للتعاون مع تحقيقات الأمم المتحدة هذه، مما يكشف عن فجوة بين الالتزامات المعلنة والعمل.
إن مواجهة الإمارات وقوات الدعم السريع لا تعني بالضرورة أن تُغض أوروبا الطرف عن قوى إقليمية أخرى تُؤجج الأزمة. وهذا يشمل مصر، التي تدعم القوات المسلحة السودانية، وتُعدّ وجهةً رئيسيةً لمعظم ذهب السودان .
إذا كانت أوروبا تريد المصداقية عند الاستعانة بالقانون الدولي في أوكرانيا أو غزة أو أي مكان آخر، فإنها لا تستطيع تجاهل الفظائع التي تحدث في السودان.
لا يتخذ المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مواقف جماعية. منشورات المجلس لا تمثل إلا آراء مؤلفيها.
*عن المؤلفين:*
*سينزيا بيانكو* زميلة زائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، حيث تعمل على التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، بالإضافة إلى العلاقات مع أوروبا. وهي أيضًا محللة أولى في شركة “جلف ستيت أناليتيكس”.
*ويل براون* زميل سياسات أول في برنامج أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. تتركز اهتماماته البحثية الرئيسية على الجغرافيا السياسية الأفريقية، والصراع الدائر في منطقة الساحل، والتنافس الدولي في منطقة القرن الأفريقي.
*المصدر: المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية*





