أحلام… الطالبة التي قطعت 1250 كيلومتراً سيراً على الأقدام ونجت من ثلاث جيوش لتصل إلى امتحانها

بقلم : فيران باربر – صحيفة EL MUNDO

في واحدة من أكثر الحكايات الإنسانية إدهاشاً في خضم الحرب السودانية، خاضت الشابة أحلام عمر، البالغة من العمر 21 عاماً، رحلةً محفوفة بالموت، امتدت أكثر من 1250 كيلومتراً سيراً على الأقدام، واستغرقت شهرين كاملين عبر أكثر مناطق السودان خطراً، كي تتمكن فقط من مواصلة دراستها في كلية التمريض بكلية كمبوني.

بدأت القصة حين تحوّلت ولاية جنوب كردفان، وبالتحديد مدينة كادوقلي، إلى أحد أكثر ميادين المواجهات اشتعالاً بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان بجبال النوبة. أُغلق الطريق الرئيسي، وتفجّرت نقاط التفتيش، ودخلت المدينة في حصار خانق جعل الخروج منها شبه مستحيل.

لكن أحلام لم ترَ أمامها خياراً آخر. كانت تعرف أن الجامعة أعادت تنظيم نفسها بعد إغلاق مقرها في الخرطوم بسبب الحرب، وأن مقرّها الجديد أصبح في بورتسودان، المدينة التي ما زالت تحت السيطرة الحكومية وتتمتع بقدر من الاستقرار الأمني. وبما أن التخصصات الصحية تحتاج إلى تدريب عملي وحضور في المختبرات، لم يكن أمامها سوى أن تغادر كادوقلي مهما كلف الأمر.

حقيبة صغيرة وشبشب بلاستيكي

في صباح 7 أغسطس، خرجت أحلام من منزلها متخفّفة من كل شيء تقريباً.تحمل معها:بضع قطع من الملابس ومبلغاً هزيلاً من الجنيهات السودانية وهاتفاً ذكياً تعتبره أثمن ما تملك ,كانت تنتعل فقط “جزمة بلاستيك” كما يسميها أهل المنطقة: صندل رخيص لا يصلح للسير في الوحل ولا لحماية القدمين من الصخور الحادة.

اختارت أن تتفادى الطريق الرئيسي لأنه مليء بنقاط التفتيش التي قد تودي بحياتها، وسلكت طرقاً جانبية غارقة في الطين بسبب موسم الأمطار، حيث تتحول الوديان إلى أنهار لا يمكن عبورها والممرات الترابية إلى مصائد طينية.

«تألمت قدماي بشدة في الأيام الأولى» تقول أحلام. «لم أكن أستطيع خلع الشبشب لأن الأرض كانت تغرق في الوحل. بعض القرى وصلتُها بعد أيام كاملة من السير».

كانت تستريح في المدارس المهجورة ليلتين أو ثلاثاً، ثم تعود إلى الطريق. وفي كل قرية كانت تبيع الطعام في الشوارع: تحفظ القليل من الدقيق، تطهوه، ثم تبيع وجبات بسيطة كي تجمع ما يكفي لمواصلة رحلتها.تقول: «نفد رصيدي البنكي بسرعة، واضطررتُ في مرحلة ما إلى بيع بعض ملابسي».

بين ثلاثة جيوش.. نجاة في أرض الاشتباه

لم تكن الطرق الوعرة هي الخطر الأكبر، بل كان على أحلام أن تمر خلال مناطق تقع تحت سيطرة ثلاثة أطراف مسلحة، لكل واحد منها شكوكه وأجهزته الأمنية: الحركة الشعبية لتحرير السودان في جبال النوبة وقوات الدعم السريع RSF والجيش السوداني ,كانت تعرف أن كل كلمة تقولها قد تُكلفها حياتها.

حين وصلت إلى مناطق الحركة الشعبية لتحرير السودان، أدركت أنهم لن يسمحوا لها بالعبور إن قالت إنها طالبة، فتظاهرت بأنها في طريقها إلى عمّها “”. تحدثت بلهجتهم، وهو ما ساعدها على تجنب الشبهات.

لكن الرعب الحقيقي كان بانتظارها عند أول نقطة تفتيش لـ قوات الدعم السريع.تروي أحلام اللحظة الأصعب في رحلتها:كنت علي عتبة الموت.. “هددوني باغتصابي”«فتشوني تفتيشاً دقيقاً بحثاً عن شرائح SIM. سألوني: من أين أتيتِ؟ إلى أين أنت ذاهبة؟ كانوا يشكّون في كل شيء. أحدهم هدد باغتصابي. بكيتُ كثيراً، فأقفلوا عليّ في غرفة وأغلقوا النوافذ. كنت متأكدة أن حياتي انتهت».

نجت فقط لأنها نجحت في إرباكهم بقصص مختلطة من الحقيقة والخيال. أعطتهم بعض المعلومات الصحيحة عن كادوقلي كي يصدقوها، لكنها أخفت بعناية ما قد يعرّض آخرين للخطر. كانوا يريدون تفاصيل عن مخازن السلاح ومقرات الضباط، لكنها كانت تلتف وتغيّر حديثها بذكاء شديد.بعد ساعات طويلة، تركوها تعبر.

بعد أسابيع من السير، وصلت أحلام إلى أول نقطة يسيطر عليها الجيش السوداني.تقول: «استجوبني أفراد الاستخبارات العسكرية. الشيء الوحيد الذي أنقذني كان بطاقة الطالب الجامعي. لو وجدتها قوات الدعم السريع من قبل، لقتلتني».

أقنعهم بطاقتها أنها فعلاً طالبة، فساعدوها على الانتقال نحو الخرطوم، حيث أقامت أياماً عند قريبتها بعد وفاة خالتها التي كانت تنوي زيارتها. عملت قليلاً لتجمع مالاً يكفي الرحلة الأخيرة.

ومع اقتراب موعد الامتحانات التكميلية، وجدت مساعدة من أحد أفراد الاستخبارات الحكومية الذي أمن لها مقعداً في حافلة متجهة إلى بورتسودان.

في 9 أكتوبر، أي بعد 63 يوماً من السير في الوحل والمطر والخوف والجوع، وصلت أحلام إلى بورتسودان. وصلت مرهقة ومنهكة، لكنها وصلت منتصرة.كانت الطريق التي سلكتها واحدة من أخطر طرق الأرض اليوم :مزيج من الفقر، والقتال، والميليشيات، والفيضان، وانهيار الدولة.

ومع ذلك، لم تتراجع.

تقول وهي تجلس داخل مقر كلية كمبوني الجديد:«كنت أريد فقط أن أواصل دراستي. أن أخدم الناس. هذا ما يجعلني سعيدة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى