الغطاء الغابي في السودان
عندما يسطو الإنسان على “البيئة”.. بحثاً عن الرزق ومجابهة ويلات الحرب
الخرطوم: الهضيبي يس
ما تزال عائشة تمارس التحطيب بمنطقة “الغابة” بالولاية الشمالية التي نزحت إليها من مسكنها بجنوب العاصمة الخرطوم عند منطقة الكلاكلة.
وتقول “عائشة” – البالغة من العمر 46 عاما إنها نزحت جراء الحرب التي إندلعت في السودان بحلول 15 من شهر أبريل لعام 2023 هي وزوجها وأطفالها الأربعة بحثاً عن ملاذ آمن فكانت أولى محطات النزوح مدينة “عطبرة” التي قست عليهم بشكل كبير جراء نقص الخدمات وشح مصادر الدخل (العمل) مما حدا بها وزوجها لاتخاذ قرار البحث عن بدائل تقيهم شرور الأيام فكان التوجة نحو مدينة “دنقلا” ومن ثم منطقة الغابة.
وحول لماذا منطقة “الغابة” دون غيرها؟ فإن الأمر يكاد يعود إلى توفر فرصة لعمل وهي “التحطيب” – وهي عملية ظلت عائشة وزوجها يلجاؤن إليها لسد وتوفير احتياجاتهم اليومية عن طريق بيع الحطب إثر قطع الأشعار في منطقة الغابة.
تؤكد عائشة – أن الحطب هنا مرغوب “لماذا”؟ لأنه البديل الأوحد لإشعال النار داخل البيوت هنا نتيجة لشح الموارد الاقتصادية وارتفاع تكاليف البدائل مثل اسطوانات الغاز، وحول مدى إدراك أن ماتقوم به “عائشة” له تأثير ومآلات وأبعاد على البيئة جاء ردها سريعا “نموت يعني يا أستاذ ومعي العيال”؟
أما الزوج والذي يدعي عثمان اسماعيل أبكر – حاول هو الآخر تسخير مامنح من بسطة في الجسم والاستفادة لقطع أكبر قدر من أشجار “المسكيت، والطلح” تصديرها في شكل حزم للبيع بسوق المدينة الكبير، بل إنما ذهب أبعد من ذلك عندما سعى لدخول في تجارة بيع” جوالات الفحم ” ليتحول مسار حياة حسب ماذكر في ظرف عامين رأس على عقب.
وشهد “السودان” – خلال العامين الماضيين هجمة شرسة على مساحات الغابات نتيجة لفعل القطع الجائر، كأحد أدوات ووسائل جلب مصادر الرزق لعشرات آلاف السودانيين بولايات شمال، ووسط، وغرب البلاد ممادفع خبراء في مجال البيئة إطلاق تحذيرات تدعو لمجابهة هذا السلوك البشري نظير تأثر الغطاء الغابي في البلاد مما ينذر بتلاشي المصدات البيئة الحية وهو يساعد على تمدد مساحات الزحف الصحراوي خاصة بولايات شمال وغرب السودان.
يؤكد الباحث في شؤون البيئة د. البشرى حامد أحمد، أن الحرب التي اندلعت في السودان بحلول 15 من شهر أبريل لعام 2023 كان لها الأثر البالغ على مستوى الغطاء الغابي والأشجار ومن أبرز تلك التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية قفز موقع “السودان” للمركز العاشر عالميا بواقع 170 هكتار سنويا في عملية الاعتداء وقطع الغطاء الغابي والأشجار، إذ يحتل الريف القيمة الأكبر والذي يحوذ على نسبة 65٪ من الكتلة السكانية.
وأضاف البشرى، أن الغطاء الغابي في السودان ماقبل الحرب كان يغطي فقط نحو 9٪ من مساحات البلاد وهي نسبة ضعيفة خالص مقارنة مع بقية الدول، فمن أبرز الأسباب والتأثيرات لعملية إزالة الغطاء الغابي في السودان بدأ من غياب السلطة الرقابية والقانونية على الغابات جراء إندلاع الحرب ولجوء طرفا النزاع المسلح لعمليات القطع الجائر للأشجار وإزالة الغابات كما يحدث الآن في محمية منطقة “الردوم” والتي تعيش حالة من الفوضى والفساد ناتج عن التنقيب وقطع الأشجار وتحول مئات التجار لتكسب واغتنام الأموال عن طريق مايعرف بتجارة “الفحم” مستقلين في ذلك حاجة الناس للوقود والغاز.
وأردف : “وتعتبر عملية القطع المستمر للغطاء الغابي في السودان له تاثيرات بانبعاث نحو 5٪ من الغازات صاحبة التأثيرات الكبيرة على البيئة من حيث طبقة الأوزون، وقلة غاز الأوكسجين وإصابات المواطنين بأمراض ضيق التنفس دون مراعاه لأي بعد ديني، أو أخلاقي وهي قطعا مسألة غاية في البشاعة”.
وأشار البشرى إلى ظهور جريمة سرقة الأشجار خاصة بعد اندلاع الحرب، فهناك حوالي 8 ملايين شجرة في المدن الحضرية الكبيرة بولايات الجزيرة، والخرطوم تمت إزالتها عن طريق أشخاص قاموا بدخول الأحياء وعبر مناشير كهربائية عملوا على قطع تلك الأشجار والشروع من ثم في بيعها مما كان له الأثر البالغ على الغطاء الغابي في السودان ويساعد مستقبلاً على تمدد الرقع الجغرافية لعمليات الجفاف والتصحر”.
وأوضح في الوقت نفسه تعرض قطاع الغابات بالسودان إلى تدمير ممنهج من ما ينذر بتعرية التربة وهي مسألة لها تأثيرات مهمة على الإنتاج الزراعي والحيواني بالبلاد، وذلك قد يجعل مساحات واسعة من أراضي البلاد لمناطق صحراوية قاحلة مثل ماحدث مع غابة” السنط “بإزالة قدر من أشجار في إطار جريمة مكتملة الأركان وعلى يد جماعات تتبع للدولة، ومن القضايا بالغة الأهمية هي مسألة مايعرف “بغاز الكربون” وللسودان اتفاقيات اتجاة هذة المسألة باعتبار دور الأشجار في امتصاص الأوكسجين وإفراز غاز ثاني أكسيد الكربون، وقطعاً حال تم التخلص من الغطاء الغابي سيكون له تأثيرات كبيرة بازدياد مستويات درجات الحرارة، مما يرفع من مستوى شح الموارد التي تنذر بوقوع النزاعات المسلحة في المناطق وإزالة الغطاء الغابي بشمال وغرب البلاد.
وذكر أن مايتعرض له الغطاء الغابي من تعدي له تأثيرات وجوانب أخرى أهمها ازدياد معدلات الفقر، وانعدام العديد من أصناف الحيوانات التي كانت في وقت سابق تعمل على خلق مايسمى بالتوازن البيئي مثل “القرود” – صحياً كذلك ارتفاع درجات الحرارة مما بعمل على إزدياد نواقل الأمراض والحشرات مما يعمد على ظهور آفات وأمراض جديدة غير مسبوقة نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، فضلاً عن زيادة حجم الثلوث ومعلوم أن تلوث الأجواء تؤدى الى تفشي العديد من الأمراض بدأ من أمراض الجهاز التنفسي، وانتهاءً بالسرطانات.
وأوضح أن أبرز الخسائر التي فقدها السودان الآن نتيجة مايتعرض له الغطاء الغابي من دمار توقف عمليات التمويل من قبل المنظمات التي كانت ومازالت تعمل في تصميم وتمويل مشاريع تهدف للحد من الآثار البيئية لتعرض الغابات للاتلاف.
واستطرد، ” ولكن للأسف الآن ضاع كل هذا الأمر هباءً منثوراً، باعتبار عدم وجود قناعة بتمويل مشاريع بصورة دولية وسط مناطق تعيش نزاعات أهلية من المتوقع بعد عام أو عامين أن تتعرض لدمار كما يحدث الآن في السودان، مايتطلب إعادة الثقة في المجتمع الدولي ناحية “السودان” فهو أمر يحتاج جملة التزامات أمنية، وسياسية، وإقتصادية، لذا ادعو لتصميم مشروعات لإعادة ثقة المجتمع الدولي بينما قضية إعادة الإعمار يستوجب ألا تحصر فقط في قضية المصانع والمجمعات السكانية برغم من أهميتها بولايات الجزيرة، الخرطوم، شمال كردفان وغيرها إنما تأهيل البيئة يكاد يؤثر على 65٪ من السكان ويكافح دعاوي التهميش وعدم الاستقرار في مناطق الرعوية.





