النيل الأبيض .. تستقبل موجات النازحين المتلاحقة
أفق جديد
تصاعدت معدلات النزوح في السودان من مناطق دارفور وشمال كردفان إلى ولاية النيل الأبيض تحت ضغط اتساع رقعة الحرب والمواجهات العسكرية، في ظل أوضاع إنسانية متدهورة دفعت المزيد من الأسر إلى الهرب نحو مناطق أكثر أمنًا ودفئًا.
وأفادت مصادر ميدانية بمدينة كوستي “أفق جديد”، أن الوضع الإنساني متدهور والمشهد قاتم، وقدرة المجتمعات المحلية تراجعت على استيعاب أعداد النازحين المتدفقة وسط شح الغذاء والخدمات الأساسية.
كما أفاد شهود عيان “أفق جديد”، أن معسكرات النزوح بولاية النيل الأبيض تشهد معاناة يومية، بالتزامن مع تحذيرات أممية تؤكد أن أكثر من 21 مليون سوداني يواجهون الجوع الشديد، وأن مؤشرات المجاعة تتوسع في مناطق عدة تحت تأثير الحرب المدمرة.
وحسب الشهود، فإن استمرار النزوح فاقم الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية ورفع مستوى العجز في الغذاء والدواء في معظم المناطق المتأثرة.
تقول النازحة، إيمان الرفاعي، التي وصلت إلى معسكر “قوز السلام” جنوب مدينة كوستي الذي يضم حوالي 10 آلاف نازح لـ”أفق جديد”: “واجهنا صعوبة كبيرة في رحلة نزوحنا الأليمة من ولاية شمال كردفان إلى النيل الأبيض”.
وأضافت: “تعرضنا للانتهاكات لكننا نجونا ووصلنا إلى المخيم بحثًا عن الأمن والطعام، لكن البرد شديد، والحاجة ماسة لأغطية لتدفئة الأجساد المنهكة”.
وتابعت بالقول: “نتشارك ضروريات الحياة اليومية رغم الموارد التي لا تكفي. الوضع مؤلم لكنه أخف قدرًا من المُعاناة والمآسي التي واجهتنا هناك بسبب القتل والنهب والسلب”.
وأبلغ ناشطون “أفق جديد”، أن “آلاف العائلات تصل إلى معسكرات النزوح منهكة وجائعة، وبعضها مصاب أو مريض، والفرق الميدانية تعمل بلا توقف في محاولة لتخفيف معاناتهم.
ونبه الناشطون إلى أن الأزمة تتجاوز قدرة إمكانية المنظمات الإنسانية المحلية وتتطلب مضاعفة الجهود لمواجهة الاحتياجات اليومية من الغذاء والدواء.
وأعلنت مفوضية العون الإنساني في ولاية النيل الأبيض، أن المنطقة استقبلت خلال الفترة الأخيرة نحو 16,500 نازح قادمين من ولايات دارفور وكردفان بسبب تصاعد أعمال العنف.
وأوضحت المفوضة د. لمياء أحمد عبد الله، أن الوافدين جرى استيعابهم داخل منازل الأسر المضيفة في محليات “كوستي، والدويم، وأم رمتة، وربك” من دون إنشاء مخيمات جديدة.
وذكرت المفوضة أن منظمات الإغاثة نفذت تدخلات عاجلة شملت توزيع مساعدات غذائية ومنحا نقدية، إلى جانب إجراء مسح ميداني لتحديد الاحتياجات الإنسانية الملحّة ومواقع وجود النازحين.
وكشفت د. لمياء عن الخطوط العريضة لخطة عام 2026، التي تستند إلى نهج جديد يقوم على تحويل المساعدات الإنسانية إلى مشروعات خدمية وتنموية مستدامة، بما في ذلك تحسين خدمات المياه والتعليم والصحة في المناطق المتضررة، إضافة إلى إطلاق مشروعات إنتاجية صغيرة تهدف إلى تمكين الأسر النازحة والمتأثرة بالحــرب والحدّ من اعتمادها على الإغاثة.
وفي ظل الأوضاع المتردية تتواصل دعوات أممية لوقف دعم الأطراف المتحاربة وفتح الممرات الإنسانية دون قيود، في حين يبقى ملايين النازحين بين الأبيض والدبة وكوستي وغيرهما من المناطق في مواجهة يومية مع الجوع والخوف وغياب أفق الحل السلمي.
وفي 12 نوفمبر الجاري، حذّرت المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، من أن حجم الاحتياج الإنساني في السودان كبير للغاية، مشيرة إلى أن أزمة النزوح الحالية وصلت إلى “نطاق هائل”، مع تزايد التقارير عن العنف المروع ضد المدنيين.
وسلطت بوب، الضوء على الأوضاع المأساوية في مناطق النزاع الرئيسية، مؤكدة أن الأرقام تتزايد باستمرار: 90,000 شخص نزحوا من الفاشر وحدها خلال الأسبوعين ونصف الأسبوع الماضيين، وحوالي 50,000 شخص نزحوا إثر الأحداث التي وقعت في كردفان.
كما نقلت المديرة العامة شهادات النازحين الذين يفرون من مناطق القتال، حيث يواجهون مخاطر مروعة على طول الطريق. وقالت بوب: “الأشخاص الذين يخرجون من المنطقة يُبلغون عن انتشار واسع للعنف والاعتداءات الجنسية، وإطلاق النار على المدنيين. وصف الكثيرون مغادرة المنطقة ورؤية جثث القتلى على طول الطريق”.
وأكدت بوب أن الهدف من وجودها هو “التأكد من حصول الفئات الأكثر ضعفًا، وخاصة النساء والأطفال، على الخدمات التي يحتاجونها”، وشددت على ضرورة التوصل إلى “حل سلمي وحل سياسي” في نهاية المطاف.
وردا على سؤال حول تنسيق جهود الإغاثة بين وكالات الأمم المتحدة، أكدت المديرة العامة أن هناك تحركا قياديا من المجتمع الإنساني: “هدفنا هو العمل المنسق؛ لضمان أن يكون حجم الاحتياجات معروفا على نطاق واسع وتوافر الموارد اللازمة: المأوى، الغذاء، الدعم النفسي-الاجتماعي، وغير ذلك”.
وأشارت بوب إلى وصول قيادات أممية رفيعة المستوى إلى السودان لتكثيف التنسيق، حيث وصل منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، كما يتواجد نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي في السودان. وأضافت أن هذه الزيارات تهدف إلى “زيادة الوعي وضمان الدعم للمدنيين الفارين من العنف”.
ويخشى مراقبون من تفاقم الأوضاع الإنسانية في المناطق المتأثرة بالاشتباكات نتيجة استمرار موجات النزوح واستهداف المناطق المدنية.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم”.
ويحتاج 30.4 مليون سوداني ــ 64% من السكان ــ إلى مساعدات إنسانية هذا العام، وكانت الأمم المتحدة تخطط لمساعدة قرابة 21 مليونًا منهم قبل أن تقلص العدد إلى 17.3 مليون شخص جراء نقص التمويل.
وتتفاقم الأزمة الإنسانية في السودان نتيجة الحرب المستمرة بين الجيش والدعم السريع منذ أبريل 2023، التي أودت بحياة عشرات الآلاف وأجبرت نحو 13 مليون شخص على النزوح.





