مزارعو السودان.. العودة تحت نيران الحرب

تقرير ـ سوسن محجوب
بعد نحو عامين من النزوح والتنقل فى ولايات عديدة، عاد الحاج الطريفي لقريته بولاية الجزيرة، ويقول الطريفي لـ(افق جديد)، انه وبعد مشوار ستين عام، عاد ليبدأ من الصفر، حواشته التى إمتلأت بالحشائش ومخزن خالي من التقاوي، ومشاكل اخرى تحول بينه والموسم الشتوى.
الاكثر تضرراً وخسائر مليارات الدولار:
ويقدر وزير الزراعة السوداني بروفيسور عصمت قرشي عبد الله، خسائر القطاع الزراعي2023 بنحو” 100″ مليار دولار، وقال ان القطاع الأكثر تضرر جراء الحرب التى يشهدها السودان منذ منتصف إبريل. وأعلن عن خطة الـ100 يوم الإسعافية لمجلس الوزراء شملت إعمار 47 مشروعا بتكلفة إجمالية بلغت 90 مليون دولار، و71 تريليون جنيه سوداني.
دمار بنية الري :
وأوضح الوزير انهم اكتشفوا خلال جولة فى مشاريع (الجزيرة، والرهد، المناقل، الفاو) للوقوف على حجم الدمار لبنية الري، اكتشفوا ” 1470″ كسراً في قنوات الري في مشروع الجزيرة فقط.
ويحتاج الكسر الواحد إلى 36 يوماً للإصلاح.
سلة الغذاء… يحاصرها الجوع:
وتبلغ جملة المساحة الصالحة للزراعة بالسودان نحو 73.5 مليون هكتار وهو ما يعادل حوالى 39.14% من جملة المساحة الجغرافية للسودان, منها نحو 28.703 مليون هكتار (15.3%) مستغلة بالمحاصيل المختلفة ونحو 44.796 مليون هكتار (23.9%) صالحة للزراعة ولكنها غير مستقلة.وبسبب الحرب وتداعياتها تراجعت هذه المساحة وخرجت العديد من المشاريع الزراعية من دائرة الانتاج.
تأثير متعدد ورحلة تعافى شاقة:
رئيس اتحاد مزارعي القطاع المطرى غريق كمبال، قال فى حديثه لـ (افق جديد)، ان الحرب
أثرت على المشاريع الكبرى بصورة “كبيرة جداً جدا” ، ولفت إلى أن هذه المشاريع تواجه خلال رحلة لتعافي مشكلات متعددة ،ابرزها التضخم ،ارتفاع الأسعار وهجرة ونزوح المزارعين وتدمير المعدات الزراعية ونهب بنوك السلالات وتدمير مراكز البحوث، ونوه غريق إلى سرقة معظم المعدات والاليات الكبيرة والصغيرة منها،وعلى وجه التحديد، تكبد ما بين 28.5% و33% من صغار المزارعين خسارةً تجاوزت 83% من محصولهم المتوقع من الحبوب الرئيسية، وخسر ما بين 20% و28% منهم أكثر من 94% من عائداتهم من المحاصيل النقدية .
موارد مالية واردة سياسية:
واكد غريق ـ ردا حول امكانية عودة هذه المشاريع الى دائرة الانتاج مجدداً، إن الحل يكمن فى إعادة التأهيل، وأضاف :”قطعا هذا العمل يحتاج نفس طويل الأمر ليس يوم أو يومين”، بل يحتاج لجهد مضاعف وموارد مالية كبيرة، لأن حجم الخراب كان كبيراً،على الحكومة أن تعيد البنية التحتية، ونأمل أن تكون هناك إرادة سياسية وقدرة مالية لإعادة هذه المشاريع لدائرة الانتاج، هناك خسائر كبيرة جداً.
عشرات المشاريع:
ويمتلك السودان العشرات من المشاريع الزراعية الكبرى، ابرزها
مشروع الجزيرة، مشروع الرهد الزراعي، مشروع الزراعة الآلية أبرزها بالقضارف وجنوب كردفان،مشروع طوكر الزراعي،
مشاريع الولايات الشمالية أبرزها مشروع المتمة الزراعي، مشروع البرقيق الزراعي، مشروع القولد الزراعي، مشروع دنقلا الزراعي.
مشاريع زراعة النخيل (مروي، كرمة، دنقلا). مشاريع الزراعة المطرية في ولايات دارفور،مشروع زراعة الصمغ العربي شمال كردفان، مشروع السوكي الزراعي.
مشروع حلفا الجديدة الزراعي.
مشروع النيل الأبيض الزراعي.
واعتبر، ئيس اتحاد مزارعي دنقلا ـ شمال السودان طه جعفر لـ (افق جديد)، ان المشاريع الزراعية بالولاية تاثرت بشكل مبالغ فيه نتيجة تداعيات الحرب واثارها ، وتمثلت تلك الاثار اولا فى المدخلات الزراعية ومستوى جودتها، ارتفاع الاسعار بصورة كبيرة، وتسويق ما انتج من القمح، اذا ان المزارعين لم يجدوا له اسواق، ورغم ان انهم تحملوا المسؤولية وقرروا زراعته، فى اول عام للحرب، لكن دخول كميات كبيرة من الدقيق من مصر ادى لانهيار سوق القمح ، رغم ذلك استمر المزارعين فى انتاجه.
قاصمة الظهر.. مسيرات تنهي
ويقول طه ان العام الماضي، ومع بداية الموسم، كانت قاصمة الظهر، حيث انهت المسيرات التى ضربت الولاية الشمالية وكان القمح فى فترة حوجته للمياه ،حيث استهدفت قوات الدعم السريع محطات الكهرباء فى وقت حرج جدا جدا مما ادى الى إنقطاع المياه ،ويضيف البعض للجا طبعا الطاقة الشمسية رغم انها ليس حلا، مثلا اذ كان المزارع لديه نحو 130الف فدان، ويشغل سبعة ابراج، لن تكمل المحاور اللفة كاملة فى اليوم، الا اذا كان المزارع رتب حاله من بداية الموسم الزراعي، مثلا وفر اربعة ابراج وهى غير مجدية، وتكلفة الوقود طبعا مرتفعة جدا جدا، المهم فى ذلك الموسم تمكنت ادارة الكهرباء من حل المشكلة، ووفروا للمناطق الزراعية، لكن اتت المسبرات
و كانت ضربة قاتلة وقاضية للمزارعين والزراعة ، انتهوا من الموسم تماما، خسائر فادحة،بالنسبة للمزارعين الذين زرعوا القمح، والموسم كانت تكلفته عالية جدا جدا.
ستة الف فدان.. المسيرات تحول الشمالية الى صحراء
ويلفت رئيس مزارعي دنقلا، ان الحرب ادت الى إرتفاع اسعار المدخلات الزراعية (بذور، أسمدة، مبيدات، آلات، وقود، عمالة)، ارتفعت اسعار البذور والأسمدة والوقود بسبب التضخم وانخفاض قيمة الجنيه السوداني ،و معظم المزارعين وصلوا مرحلة “الصفر”، فى احدى المشاريع تمت زراعة “40”محور ،فى ذلك العام، بسبب مسيرات الدعم السريع اتحرقت الـ”40″محور قمح تماما، محاوره كبيرة “8”ابراج، هذا العدد اذ كان متوسط 150فدان يعنى ـ ستة الف فدان، و حتى مزارعي البرسيم خسروا كل شيء، بسبب العطش وفى الموسم الشتوى، الولاية الشمالية تحولت إلى صحراء قاحلة.
البنك الزراعي.. لا تمويل
الان الكهرباء رجعت قبل الموسم،مع قطوعات مبرمجة ورغم ذلك،تعايشنا مع الموقف، ولكن للاسف حتى الآن لا توجد مدخلات، سنويا كان البنك الزراعي هو من يوفر المدخلات الزراعية سواء مثل اليوريا، لكن للاسف هذا العام اعلن بان كل سقف تمويل الزراعة تم بصرفه على” الطاقة الشمسية”، بالتالي اعلن انه لا يستطيع تمويل الموسم الزراعي، وهذا الحديث كان في شهر اكتوبر المنصرم، والمزارعين ومنذ منتصف اكتوبر بدوا فى الترتيب للموسم، الان هناك ارتفاع مخيف للمدخلات الزراعية، اهم، شى، هناك انباء بان الوالي ذهب الى مصر وتعاقد مع شركات مصرية، لكن الزراعة لديها وقت محدد، وطبعا المساحات المزروعة سوف تنخفض بصورة كبيرة، هذا العام، وبالنسبة للخسائر التى تعرض لها المزارعين، اصلا المساحة اقل ثانيا وعدم وجود مدخلات زراعية بتجعل المزارع يقلل مساحته، والخوف ايضا من ذات مشكلة العام المنصرم وهى ان تستهدف قوات الدعم السريع محطات الكهرباء مجددا.
%40.. تراجع الانتاج الزراعي..
وتشير تقديرات منظمة الفاو التابعة للامم المتحدة إلى تراجع إنتاج قطاع الزراعة بأكثر من 40 %، مما أثّر كثيرًا على اقتصاد البلاد، إذ يسهم القطاع بنحو 35 % من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظف أكثر من 40 % من القوى العاملة.

قنوات الري
وفى المقابل يشير كبير مزارعي مشروع الجزيرة الطيب بخيت لـ (افق جديد)، إن قنوات الري هى الاكثر تضرراً فى مشروع الجزيرة، ويوضح أن ذلك بسبب إن طريقة القرى فى الجزيرة تكون حول “الترع والكنارات”، ولجأ سكان معظم القرى لحماية انفسهم وعرقلة وصول الدعم السريع عن طريق “كسر قنوات الري” وكذلك فعل الجيش السوداني خلال إسترداد الجزيرة، كان يستخدم استراتيجية الصندوق المغلق عبر “الترع والكنارات” لمناطق محددة، ولا يزال هذا التأثير مستمر حتى الآن. الآن هناك نحو الفين كسر فى قنوات المشروع، فى بداية الموسم تم تصليح نحو 1250 كسر، التأثير كان فى أقسام المشروع الشرقية، ـ المشروع بشمل الجزيرة والمناقل، ولكن التأثير الأكبر كان في الجزيرة، نحو عشرة أقسام تتبع للمشروع. ويضيف وكذلك تأثيرات البحوث الزراعية التى توجد بها “بنوك التقاوى”، هناك تقاوى مرتبطة بجينات محددة، قوات الدعم السريع إعتدوا على جميع مناطق البحوث الزراعية واخذوا جميع الجينات (قطن، ذرة، دخن)،اعدموا جميع انواع التقاوى،
كذلك تم نهب جميع مخازن المشروع وكانت بها كميات من الأسمدة، حتى الدفاتر تم إتلافها.فضلاً تأثر الهندسة الزراعية، جميع الجرارات نحو 50جرار زراعة تم نهبها، كما شمل التأثير والتدمير المحالج.
إنتاج المزارعين تحت عجلات سيارات الدعم:
ويقول بخيت، انه عندما دخلت قوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة ـ في نهاية شهر ديسمبر من العام2023،كانت نهاية الموسم الصيفي، والتحضير للموسم الشتوي، بعض المزارعين لم يتمكنوا من حصد انتاجهم وحتى من حصد وأدخل محصوله المخازن، استخدمته عناصر الدعم السريع لاغلاق الشوارع ،وكـ”رصيف” تمر عليه سيارتهم القتالية ، والترع التى تم كسرها من قبل الأهالي لحمايتهم من هذه القوات، كذلك جميع تحضيرات العروة الشتوية تم تدميرها ونهبها، والبعض من المزارعين كان قد زرع فعلياً، تم حرق جزء من الحواشات والبعض نهب، يعنى الدعم السريع دمر “عروتين “بمشروع الجزيرة، الضرر كان بليغ، الجريمة كانت شنيعة.
كونت لجنة لحصر خسائر المشروع الاصول الثابتة والمنقولة.
مبادرة المزارعين وشح الموارد:
ويلفت بخيت الى مبادرة اطلقها مزارعين المشروع ، وهى أن نزرع وفق المتاح والمتوفر، كنا في حالة “نزوح وتشرد”، وطبعا لمدة عامين اتملأ القيط والحواشات بالحشائش، لكن المزارعين قاموا بالنظافة و تمت الزراعة وكانت هناك انتاجية عالية ، طبعا هناك”8″اقسام فى المناقل لكنها لم تتأثر مباشرة ـ عدا قسم الهدى، هذه الأقسام ساندت المشروع بصورة كبيرة ، وكان بها إنتاج،ساعد فى الحفاظ على المشروع. الرى انتظم، صحيح لا توجد نظافة للقنوات لكن إتعالجت الكسور، البداية كانت العروة الصيفية وكانت” شبه ناجحة”، ونحن الآن على اعتاب العروة الشتوية،
المشروع به مشاكل قبل الدعم السريع والحرب، مشاكل تمويل، الآن ورغم الحرب رئيس مجلس السيادة منح محافظ المشروع نحو (ستة تريليون) جنيه سوداني للموسم الصيفي. كذلك تبرع نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار بـ”500″ برميل جازولين، هناك اهتمام من الدولة للمساعدة فى اعادة تعافي المشروع لكن الامكانيات شحيحة وضعيفة.
للأسف المشروع بلغ اليوبيل الذهبي فى هذا العام وبلغ عمره مائة عام لكن لم يحتفل به أحدا.





