نتنياهو بين العفو والمحاكمة : أسرائيل علي حافة صراع دستوري

أفق جديد
في خطوة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل السياسي ، تقدم رئيس الوزراء بنيامين نتياهو بطلب رسمي إلى الرئيس إسحق هرتسوع لمنحة العفو في قضايا الفساد التي يحاكم فيها منذ سنوات . لم يكن توقيت الطلب ولا نعته مفاجئاً ، لكن رمزيته السياسية والقانونية أحدثت ”رجة“ عميقة داخل المشهد الاسرائيلي ، إذ تعكس لحظة صراع مكشوف (بين رئيس وزراء محاصر ) و(مؤسسات دولة تحاول حماية ماتبقي من استقلالها ) طلب العفو ليس حدثاً ، قانونياً عادياً فهو أشبه بإعلان سياسي مكتمل الأركان يفتح الباب لأسئلة تتجاوز ملفات الفساد الي جوهر النظام الساسي الإسرائيلي نفسة من يحكم ؟ ومن يملك سلطة تحديد مصير رئيس الوزراء ؟ وهل يتحول القانون إلي فصيل علي مقاس السياسة .
عفو قبل الإدانة :
يجمع القانونيون في إسرائيل علي أن طلب العفو قبل صدور حكم قضائي يعد سابقة غير معهودة ، فالعفو وفق الأعراف الدستورية ، يأتي بعد أدانة نهائية ، أو علي الأقل بعد مسار قضائي مكتمل . أما في منتصف الطريق ، فذلك ينقل النقاش من ساحة القضاء الي ساحة السياسة ، بهذة الخطوة ، يرسل نتنياهو رسالة واضحة:
المحاكمة عبء علي الدولة ، وعلى الرئيسي التدخل لأنقاذ الأستقرار الوطني ، لكن المعارضة تري الأمر بصورة معاكسة تماماً. وتعتبر طلب العفو ، هروباً من العدالة ” وتحدياً سافراً لمبدأ المساواة أمام القانون ، وبين هذين الخطين ، يقف النظام القضائي الذي يدرك أن قبوله للعفو سعين بداية نهاية إستقلال ، ورفضه قد يفتح الباب لصدام سياسي واسع . تفسير طلب نتنياهو للعفو لايفصل عن اللحظة الحساسة التي تمر بها إسرائيل فالبلاد تعيش حالة إنقسام داخلي غير مسبوق ، وتتواجه مع تحديات أمنية متراكمة علي جبهات غزة ولبنان والضفة الغربية ، مثل هذا السياق ، يقدم نتنياهو نفسة بإعتباره – الرجل الضروري – لقيادة الدولة في أوقات الأزمات ، بينما يعتبر أن محاكمتة تشتت جهده وتمنع تركيزه علي الملفات .
لكن ذلك الطرح يخفي بعداً آخر ، نتنياهو طالما إستخدام – خطاب الإضطهاد – كأداة لحشد قواعده اليمينية ، معتبراً أن القضاء والنخب الأعلامية يقودون حملة ضدة بهدف – إسقاط حكم اليمين – لذلك فإن طلب العفو يشكل جزءاً من إستراتيجية سياسية وليست خطوة قانونية فقط .
ماذا لو قبل العفو؟
قبول الرئيس للعفو سيشكل لحظة زلزال سياسي، فنتياهو ، الذي يعيش تحد تهديد دائم من المحكمة ،سيصبح محرراً من أخطر ملف يهدد منذ عقد من الزمان ، وستتغير قواعد اللعبة السياسية بالكامل ،
أول النتائج ستكون تعاظم نفوذ نتنياهو داخل الإئتلاف الحاكم ، خاصة بين حلفائه في اليمن الديني والقومي الذين يعتبرون العفو انتصاراً لمعسكرهم ، وسيتيح ذلك لنتنياهو العودة بثقة أكبر الي الملفات الأمنية وربما الإدام علي خطوات عسكرية أو سياسية جريئة ليثبت كفاءة بعد العفو،
لكن ثمن هذا السيناريو سيكون باهظاً ، إحتجاجات واسعه في الشارع ، إنهيار ثقة قطاعات من الاسرائليين في القضاء ، واحتمال توسع الشرخ بين اليمين واليسار إلى مستوي يصعب ”لمة“ وعلي المدي البعيد ، نفتح باب الإفلات السياسي من المحاسبة ،
ماذا لو رفض العفو؟
أما اذا رفض ”هرتسوغ“طلب العفو فسوف يكون هناك مسار آخر تماماً فرفض العفو سيعزز هيبة القضاء ، ويعيد الاعتبار لمبدأ الفصل بين السلطات ويمنح المعارضين دافعاً جديداً .
سيجد نتنياهو نفسة في زاوية ضيقة ، حيث ستتواصل محاكمته بوتيرة أسرع ، وسيبدأ قادة الإئتلاف في التفكير الجاد بمرحلة مابعد نتنياهو – خشية إنهيار الحكومة إذا صدرت أدانة بحقه. كما أن المعارضة ستعتبر رفض العفو أنتصاراً ، وستعود لتحريك الشارع كما فعلت في مواجهة – الإصلاح القضائي -قبل عامين هذا الوضع قد يسرع في تفكك الائتلاف أو يمهد لإ نتخابات مبكرة .
سيناريو ثالث :المحاكمة
قد يلجأ الرئيس إلي خيار وسط ، عدم رفض الطلب ، وعدم قبولة بشكل نهائي ، وتركه قيد الدراسة ، هذا السيناريو يشتري الوقت ويخفض الاحتقان ، لكنه يضع الحكومة في حالة شلل ، نتنياهو سيظل يحاكم ، لكنه سيستغل ”تعليق الطلب ” لتأخير أي حكم نهائي ، أما المعارضة فستبقي في حالة ترقب وغضب بينما تتأكل ثقة الجمهور في المؤسسات .
”خلاصة“
طلب نتنياهو للعفو ليس مجرد إجراء ، أنه إعلان عن بداية مرحلة جديدة من الصراع بين السياسة والقانون في إسرائيل فالقرار-قبولاً أو رفضاً- سيؤثر عميقاً علي شكل النظام السياسي ومستقبل اليمين واليسار ، وعلي قدرة الدولة علي ادارة انقساماتها الداخلية .
قد ينجح نتنياهو في الإفلات من قبضة القضاء وقد تنجح الدولة في فرض سيادة القانون عليه ، لكن المؤكد أن إسرائيل دخلت مع هذا الطلب مرحلة ”مابعد نتنياهو ” سواء تحقق ذلك قريباً أو علي المدي البعيد.





