كتاب السينما السودانية… قصة البداية

السر السيد

نُشر الكتاب في العام 2025 ضمن منشورات (الريس للنشر والتوزيع)، وهو من تأليف بروفيسور هشام محمد عباس زكريا، وقد تشرفت بكتابة مقدمة للكتاب، وها هي بين يديك عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة.

 بروفيسور هشام عباس ينتمي إلى تلك الثلة التي يمكن تعريفها بمثقفي المدن غير الخرطوم وأم درمان، أولئك المثقفون والمثقفات الذين استطاعوا أن يجدوا موقعًا لهم ولمدنهم في كتاب الفكر والإبداع في السودان، وأن يضعوا بصماتهم في دروب التحديث والاستنارة الوعرة. ولأن للمدن حكايات، جاء (كتاب السينما السودانية… قصة البداية)، ليحكي في تناغم بديع ينهض على جمال في السرد وغزارة في المعلومات، حكاية (فيلم آمال واحلام)، وحكاية الرشيد مهدي وحكاية مدينة عطبرة.. هذه الحكاية، التي تمضي بالقارئ والقارئة، عبر فصول الكتاب الستة وما حواه من صور.

 تحضر فيها مدينة عطبرة بتنوعها السكاني وإرثها النضالي الكبير، ونقف على إرثها الثقافي والفني، حيث كانت هي المدينة السودانية الأولى في تأسيس دور العرض السينمائي، كما أنها عرفت العمل الثقافي المنظم والجماعات الثقافية والفرق المسرحية في وقت مبكر.

 ويحضر فيها الرشيد مهدي، لا بحسبانه رائدًا في التصوير الفوتوغرافي أو بارعًا في النجارة وتشكيل الخشب فقط، وإنما كرمز نضالي وتنويري، امتزج شغفه وإصراره ومثابرته بتوهج مدينته عطبرة، وذاكرتها النضالية العمالية وسمتها الحداثي الفصيح.

يحضر الرشيد مهدي كصاحب “وعي مغاير”، وصانع للحظة استثنائية في تاريخ المدينة بل والوطن كله، وهي إقدامه على مغامرة إنتاج أول فيلم روائي في السودان.

أما الحكاية الثالثة والمرتبطة بحكاية المدينة، وحكاية الرشيد مهدي، فهي حكاية (فيلم آمال وأحلام)، والكتاب هنا وبأسلوب يشبه طرائق السرد السينمائي، يحكي قصة (حياة الفيلم)، وقصة حياة الأعمال الإبداعية، مبحث يقع ضمن الدراسات الأدبية والفنية، ويقوم على تدوين وسرد وتوثيق كل ما يتصل بالعمل منذ أن كان فكرة وحتى عرضه أو نشره.

في قصة حياة فيلم آمال وأحلام، قدّم بروفيسور هشام توثيقًا فريدًا من نوعه، استند فيه على مذكرات ليست منشورة، كمذكرات الرائد المسرحي العطبراوي عبدالرحيم عبدالله، ومذكرات الرشيد مهدي، التي لم تكن قد نُشرت بعد، واستند فيه على الصحافة المحلية والأجنبية التي كتبت عن الفيلم أو عن أستديو الرشيد، واستند فيه على الصور الفوتوغرافية، واستند فيه على الإفادات الشفاهية، من عدد كبير من صنّاع الفيلم. لذلك لم يترك البروف شاردة ولا واردة في قصة حياة الفيلم، التي تبدأ من العام 1962 إلى العام 1968 تاريخ أول عرض له، ثم العام 1970 تاريخ عروضه الجماهيرية، وهنا نجده أشار إلى فكرة الفيلم وكيفية تبلورها وإلى القصة، وملابسات السيناريو والحوار، وإلى التصوير، وإلى تسجيل الصوت، وإلى الموسيقى والمؤثرات الصوتية، وإلى ملابسات الإنتاج والتمويل، وإلى “المعاكسات” التي تعرض لها الفيلم، وإلى الرقابة وإلى المشاهد أو الجمل التي حذفت بأمر الرقيب، وإلى العرض الجماهيري الأول في أمدرمان، والعرض الجماهيري الأول في عطبرة، وإلى الخطوط، بل أشار حتى إلى المراسلات والترجمة، لكن الأجمل في هذا الجهد

التوثيقي، هو تلك السير الشخصية للممثلين والفريق الفني التي اجتهد البروف في إنجازها أيما اجتهاد، مع العلم أن معظمهم الآن في رحاب رب غفور.

إن كان من خاتمة لهذه المقدمة، فهي ضرورة الانتباه والتفكير في ما قدمه الرشيد مهدي في الفصل السادس من الكتاب، من رؤية مستقبلية لصناعة السينما في السودان، وكذلك الإشارة إلى احتفاء الجماهير السودانية بالفيلم وتسابقها لمشاهدته، الذي يعني في ما يعني أن فيلم آمال ولأحلام بقدر ما هو إنجاز فني هو موقف نضالي وحضاري بامتياز.

عزيزي القارئ.. عزيزتي القارئة

هذا كتاب بقدر ما يثير الشجون ويفجّر كوامن الحسرة والآسى بسبب الفرص التاريخية المضيّعة، إلا أنه كتاب في الإنصاف والعرفان والامتنان ونشر الحقيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى