السودان حروب وحروب

من على الشرفة

طاهر المعتصم

 

قبل عامين وصلني كتاب (السودان.. ثورة وقضايا معاصرة) للدكتور صلاح عوض، استخدم فيه طرق التحليل المعروفة وتحديدًا التحليل البنيوي لمجتمعنا السوداني، كانت حرب الخامس عشر من أبريل لم تمر عليها شهور، وأغلب أهل السودان يتجرعون كأس الذل والمأساة مهجرين قسرًا، فانتهزت فرصة قراءة الكتاب لأغوص مع الكاتب في تحليلات للجانب السياسي، والاجتماعي، والثقافي، والبناء التحتي المعروف بالاقتصادي، وتعريف الدولة المدنية المرجوة، في سياق تناول للتاريخ السوداني، ورد على سؤال إثبات إمكانية قيام ديمقراطية مستمدة تواءم الحالة السودانية.

يوم السبت الماضي سعدت باستلام نسخة من الكتاب الثاني للمؤلف، بعنوان (السودان.. حرب وحروب) الصادر عن نفس دار نشر الكتاب السابق (مركز معارف للدراسات الإستراتيجية) في 323 صفحة، وتصميم يغلب عليه اللون الأسود، يقع الكتاب في 7 فصول.

يتناول المؤلف تعريف الحروب لدى المفكرين والفلاسفة، من ابن خلدون الذي وصفها بأنها (أمر طبيعي في البشر)، ومرورًا بألبرت أينشتاين وسيغموند فرويد وغيرهم، مع إيراد قائمة بالحروب منذ العصور القديمة وحتى حرب السودان الحالية.

ثم نشأة السودان الحديث وأول حرب داخلية انطلقت قبل استقلال السودان بسنة في مدينة توريت بجنوب السودان سنة 1955م، وكيف انتهت باتفاقية أديس أبابا 1972م، وكيف اشتعلت حرب جنوب السودان بعد حوالي عشر سنوات، لتضع أوزارها في 2005م باتفاقية نيفاشا، وكيف أدى الاستفتاء على تقرير المصير إلى انفصال جنوب السودان، وميلاد الدولة رقم 193 في ترتيب دول العالم.

أفرد الكاتب فصلًا كاملًا عن التهميش في السودان، واضعًا الأطر المفاهيمية والمفهوم الشعبي للتهميش في السودان، وكيف استخدم كراية ترفع في الحركات الاحتجاجية، ودلف بنا المؤلف إلى الحرب الثالثة في بلادنا، حرب دارفور التي اندلعت في سنة 2003، مع استعراض مفصل للتاريخ الجيوسياسي لدارفور الكبرى، مع ربطها مع الحرب الكبرى حرب أبريل 2023.

لتلحق بها حرب جبال النوبة، يغوص المؤلف ملخصًا لتاريخها السياسي، وظهور الحركة الشعبية شمال بقيادة الراحل يوسف كوة، وتطورها إلى أن أضحت مؤسسة في تحالف تأسيس بقيادة عبدالعزيز الحلو.

ويقودنا المؤلف تحت عنوان (ثورة وحرب) في الفصل قبل الأخير نحو التاريخ القريب لثورة ديسمبر 2018م، ومساراتها وانعطافتها، في تناول جزء من كتابه الأول سابق الذكر، مع الاستفاضة للتوثيق لمجزرة العصر في محيط القيادة العامة للجيش، والطريق نحو الوثيقة الدستورية، التي تأسست على ضوئها الحكومة الانتقالية، مع استصحاب تقييم موضوعي للحكومة الأولى والثانية والقوى السياسية، ثم يعرج بنا نحو انقلاب 25 أكتوبر 2021، وكيف أدى صراع قادته إلى حرب أبريل 2023.

تحت عنوان (حرب لم تنتهِ بعد)، أهم ما استرعى انتباهي التكلفة الاقتصادية لهذه الحرب، وانهيار البنيات الأساسية في أهم مدن السودان، وتوثيق لمواقف القوى السياسية المختلفة، وما تحقق من خطوات نحو أهدافها المعلنة.

ويختم بنا في استشراف سيناريوهات مستقبلية، ألخصها في توقع السيناريو الأول، استمرار الحرب وتفكك الدولة، مع تصاعد موجات النزوح والهجرة، والانقسام الفعلي لمناطق نفوذ، وتوسع الجريمة المنظمة والاقتتال الأهلي، وتحول السودان إلى ساحة حرب بالوكالة، والسيناريو الثاني حسم عسكري جزئي لطرف لن ينهي الحرب بل يغير شكلها، والسيناريو الثالث تسوية سياسية بوساطة دولية، السيناريو الرابع انهيار أطراف الحرب وصعود قوة جديدة.

في تقديري أن الكتاب إضافة للمكتبة السودانية، ولا غنى عنه للباحثين، بما حواه من توثيق مهم لفترات وأحداث، واستشراف للمستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى