لو كنتُ وزيراً للتعليم… لتمنيت ان تبتلعني الأرضُ
بقلم: حسن عبد الرضي الشيخ
لو كنت وزيراً للتعليم لما اكتفيت بالاستقالة، بل كنت سأفعل ما يجعل المعلمين أنفسهم يبكون ويرثون لحالي. كيف أستطيع أن أرفع رأسي بين الناس وأنا أعلم أنّ “مديري التعليم” يتنفسون كبراً، وينفخون ويتجيرون على زملائهم المعلمين؟ كيف يقوى أحدهم على ليِّ أذرع المعلّمين ليعيدهم قسراً إلى مدارس مهدّمة بلا مقاعد، وتلاميذ غير موجودين، أو موجودون وهم جوعى وحزانى؟ وكيف يغمض للوزير جفن، والمعلمون يعيشون في حال “تشفق الكافر”؟ معلم لا يملك ثمن التذكرة، لم يتقاضَ راتب عامين كاملين، ولم يصرف مرتب شهر أغسطس حتى اليوم، الـ١٦ من سبتمبر!
نقولها لكم بملء الفم: اخجلوا. لكننا نعلم انكم لا تخجلون ولا تستحون.
والمأساة الحقيقية أن وزير “التربية!” وإدارات “التأليم” اقصد التعليم تعلم أن مرتبات عام ٢٠٢٣م لم تُصرف كاملة؛ ٦٠٪ منها سُلِّم حتى أكتوبر، وما تبقّى من نوفمبر وديسمبر ضاع “شمار في مرقة”.
والمعلمون في الولايات لم يتلقوا راتباً واحداً لعام ٢٠٢٤م بأكمله. وأن رواتب يناير – يونيو ٢٠٢٥م صُرفت بآخر تعديل أجري قبل أربع سنوات! واليوم لا تكفي تلك المرتبات أكثر من أيام إذ أعلى راتب (١٨٠٠٠٠ جنيه) وأدناه (٣٥٠٠٠ جنيه). كما أن قرار رفع بدل الوجبة إلى ٩٠٠٠٠ وبدل السكن إلى ٧٥٠٠٠ جنيهاً طُبّق على موظفي المؤسسات الاتحادية، بينما حُرم منه المعلمون.
ويعلم الوزير وتابعوه وتابعو تابعيه أن مجلس الوزراء قد اصدر القرار رقم ٦٨ لسنة ٢٠٢٥م ليخفض بدل الوجبة إلى ٣٠٠٠٠ جنيها فقط من يونيو حتى ديسمبر ٢٠٢٥م، ثم يرتفع إلى ٦٠٠٠٠ في ٢٠٢٦م، و٩٠٠٠٠ في ٢٠٢٧م… كأنّ جوع المعلمين يمكن أن ينتظر ثلاث سنوات!
والوزير وطاقمه من المطبلين والهتيف يعلمون ان الترقيات متوقفة، والمتقاعدون خلال الحرب لم تُسوّى معاشاتهم حتى اللحظة. فأي تعليم هذا؟
أي تعليم يُرجى من معلم يعيش بأجر يعادل ٥٠ دولاراً في الشهر، أي دولاراً ونصفاً في اليوم؟ بينما الحد الأدنى للفقر عالمياً حدّد قبل عشر سنوات بـ٢ دولار في اليوم! نحن إذن لا نعيش تحت خط الفقر، بل في حالة جوع لا مقياس لها. إنها الحقيقة الصادمة..
إن من يظلم المعلمين في جميع الولايات ليس فقط مجلس الوزراء ولا وزارة المالية، بل إداريون من جلدتهم وزملاء لهم يظلمونهم أكثر مما تنصفهم الدولة. ولا تندهشوا إن صرخت في وجوهكم، أيها الزملاء، أن “نحن من نظلم انفسنا!!”
إذن، لم يعد العمل في الخدمة المدنية إلا مضيعة للوقت. على المعلمين أن يبحثوا لهم عن مصادر دخل أخرى، لأن الدولة ببساطة أعلنت عجزها عن رعاية من يعلّمون أبناءها.