السودانيون هم من يقررون مصيرهم

حاتم أيوب أبو الحسن

بقلم : حاتم أيوب أبو الحسن

لم يعد السودان ساحة صراع بين قوتين عسكريتين فقط، بل تحوّل إلى ميدان تتقاطع فيه أجندات إقليمية ودولية، تُحاول كل جهة أن تفرض تصوراتها على مستقبل بلدٍ أنهكته الحرب والانقسام. غير أن الحقيقة الجوهرية التي ينبغي ألا تغيب عن الأذهان، هي أن المصير السوداني لا يكتبه إلا السودانيون أنفسهم، وأن أي محاولة لفرض الوصاية لن تكون سوى إعادة إنتاج للأزمات.

منذ اندلاع الحرب، ظل المدنيون الضحية الأولى، فيما تسابقت العواصم الإقليمية والدولية إلى تقديم مبادرات وخرائط طريق، بعضها بدافع المصلحة، وبعضها الآخر بدافع إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن جوهر الأزمة لم يكن في غياب المبادرات بقدر ما كان في تهميش صوت الداخل السوداني. فالمواطن البسيط، الذي تهدّمت بيته أو نزح عن أرضه، لم يجد نفسه ممثَّلاً في أي طاولة حوار، وكأن القرار حول مستقبله يجب أن يُصنع بعيداً عنه.

إن التاريخ السوداني، على تعقيده، يؤكد أن لحظات الانعطاف الكبرى لم تكن ثمرة قرارات فوقية بقدر ما كانت نتاجاً لوعي شعبي متراكم. فانتفاضة أكتوبر 1964، وثورة أبريل 1985، ثم حراك ديسمبر 2018، كلها شواهد على أن الإرادة الشعبية قادرة على إسقاط أعتى الأنظمة وصناعة البدائل. هذا الإرث التاريخي يفضح زيف الخطاب الذي يروّج لفكرة أن الحل لن يأتي إلا عبر وصاية دولية أو تسويات تُصاغ في عواصم بعيدة.

اليوم، تقف البلاد أمام مفترق طرق: إما أن تُفرض عليها حلول تعيد إنتاج السلطة في ثوب جديد، أو أن يُمنح الشعب السوداني حقه في صياغة مسار ديمقراطي حقيقي. الخيار الأول قد يضمن استقراراً هشاً يخدم مصالح الخارج، لكنه لن يُحقق سلاماً دائماً. أما الخيار الثاني، فهو الأصعب والأكثر كلفة على المدى القصير، لكنه الوحيد القادر على بناء دولة تستمد شرعيتها من إرادة مواطنيها لا من صفقات مشبوهة.

إن المجتمع الدولي مدعو لأن يلعب دور الميسِّر لا الوصي، وأن يحترم قاعدة أساسية هي أن السيادة لا تتجزأ، وأن حق تقرير المصير لا يُختصر في استفتاء شكلي أو حكومة انتقالية صورية، بل هي عملية ممتدة تعكس أصوات الأغلبية وتحمي حقوق الأقليات.

نداء إنساني

ولأن الحروب ليست أرقاماً ولا خرائط نفوذ، بل وجوه بشرية مكلومة وأطفال مشرَّدون وأحلام تُسحق تحت الركام، فإن صوت الإنسانية يفرض أن يُرفع الحصار عن المدنيين، أن تُحمى المستشفيات والمدارس، وأن تصل المساعدات بلا عوائق. وإذا كان السودانيون وحدهم من يقررون مصيرهم، فإن العالم كله مسؤول عن أن يُمكّنهم من ممارسة هذا الحق في بيئة آمنة، خالية من الجوع والقصف والخوف.

                          نعود

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى