كيف يمكن للزراعة أن تصنع السلام في السودان 2-3
حسن علي سنهوري
مستشار التنمية الزراعية
saniali2010@gmail.com
منذ سبعينيات القرن الماضي، نظرت دول الخليج إلى السودان باعتباره “سلة غذائية محتملة للعالم العربي”، مما أدى إلى استثمارات تركز على احتياجاتها الخاصة، خاصة في وسط السودان، وصولاً إلى إنتاج الأعلاف الحيوانية لصناعاتها الحيوانية في الإقليم الشمالي. إن هذه الضغوط الخارجية المتتالية تعني أن التخطيط الزراعي في السودان قد انحرف باستمرار عن هدفه الأساسي المتمثل في ضمان ازدهار واستقرار سكان الريف.
عواقب المنهج التقليدي في التخطيط الزراعي
على الرغم من أن النهج التقليدي قد حقق بعض النمو الاقتصادي، إلا أنه أدى إلى عواقب سلبية وخيمة ودائمة على الأمة. فقد تم تهميش صغار المزارعين بسبب التركيز المنهجي للسياسات على المشاريع الكبيرة والمؤسسات التجارية، مع التركيز على المشاريع المروية في وسط السودان والمخططات المطرية الآلية في مناطق مثل الجزيرة والقضارف، وإهمال شديد للمناطق الزراعية التقليدية، خاصة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق. وقد نجم عن ذلك اختلال صارخ في التنمية والاستثمار على مستوى البلاد، وصار مصدراً مباشراً للصراع. فقد غذت المظالم التي شعر بها السكان المهمشون في مناطق مثل دارفور وكردفان التمرد المسلح والحروب الأهلية التي طبعت جزءاً كبيراً من تاريخ السودان.
حصاد الحرب الكارثي: نظام غذائي في حالة سقوط حر
أدت الحرب المستمرة إلى انهيار كارثي في القطاع الزراعي السوداني، الذي كان هشاً في الأصل، مما يهدد بخلق أسوأ أزمة جوع في العالم. حجم الدمار مذهل، وتشير الإحصاءات الرئيسية إلى ذلك: انخفض دخل الأسر بأكثر من 40% في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء. كما انخفضت زراعة المناطق المروية بنسبة مذهلة بلغت 82% في يوليو 2023 مقارنة بمتوسط الخمس سنوات. وتوقفت نحو 40% من قدرات طحن القمح في الخرطوم عن العمل، وتوقف ثلثا شركات التصنيع الزراعي عن العمل، سواء بشكل مؤقت أو دائم. هذه ليست مجرد أضرار جانبية، بل إن التفكيك المنهجي للنظام الغذائي – بدءاً من الإنتاج الزراعي وصولاً إلى التصنيع والتوزيع في الأسواق – يضرب أسس الحياة في السودان ويعقّد بشكل كبير جهود التعافي المستقبلية.
يتبع…