بين سد النهضة وَالتطرف المناخي من المسؤول عن فيضانات السودان..؟
تستقصي أفق جديد الجدل الدائر حول ما إذا كان سد النهضة هو السبب الرئيسي وراء الفيضانات المبكرة التي يشهدها السودان، التي أضافت مزيداً من الخراب والدمار إلى ما أحدثته الحرب، أم أن التطرف المناخي هو المتهم الحقيقي؟
أفق جديد – سوسن محجوب
الحاج مصطفى الذى يعول أسرة مكونة من زوجته وأبنائه الستة ووالديه، وجدوا أنفسهم وهم الذين عاشوا مراحل متعددة من النزوح، وجدوا أنفسهم في بحيرة عائمة بعد أن غمرت المياه منتصف الليل القرية التي استقروا بها في مدينة الروصيرص بولاية النيل الأزرق بعد أن وجد زوجها عملًا في إحدى المزارع، لم يكن أمامهم سوى الخروج مسرعين ضمن أهالي القرية، وذلك وسط معلومات منتشرة بكثافة أن السبب هو سد النهضة الذي لا يبعد سوى 100 كيلو متر عن خزان الروصيرص.
السد أم مياه الأمطار؟
يرى استشاري وخبير الموارد المائية والسدود، المهندس أبوبكر محمد المصطفى، أن هناك تبسيط للحقائق في ما يتعلق بفيضانات هذا العام، ويقول: العام الماضي وهذا العام وخلال السنوات الأخيرة كانت هناك ظواهر كونية واضحة منها ظاهرة “النينيو” ـ ارتفاع درجات الحرارة في المحيطات وزيادة معدلات التبخر “التغير المناخي”، الذي صار أثره واضحًا في السودان وتسبب في أمطار غير مسبوقة ومعدلات عالية جدًا، مثلًا في العام السابق انهار “سد أربعات” شرق السودان بسبب ارتفاع معدلات الأامطار مع جريان للأودية، كل الأودية في شمال السودان مثل وادي المقدم ووادي الملك، كل هذه الأودية التي كانت تصب في الصحراء، الآن تصب في نهر النيل.
وأضاف، الشيء ذاته تكرر هذا العام، وكان حجم الفيضانات كبير جدًا، ومعدلات أمطار عالية جدًا في الهضبة الإثيوبية وفى مدن سودانية، مثل كسلا وبورتسودان وطوكر والقاش شرقي السودان، وحتى مدن في شمال السودان، مشيرًا إلى أن الفاصل المداري كان عادة وتلقائيًا في السنين الماضية لا يتعدى مدينة أبو حمد بولاية نهر النيل.
تغيرات جذرية:
وينبه استشاري وخبير الموارد المائية والسدود إلى أن الأنهار التي كانت تصب في النيل من الصحراء الكبرى، كل مياهها نزلت إلى النيل، والفاصل المداري الذي يفصل الرياح النشطة الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية عن الرياح الشمالية، الشرقية التي تأتي من الهضبة الإثيوبية، والمحيط الهندي والغربية تأتي من الأطلسي، هذه الرياح هي التي تسبب الأمطار، كلما ارتفعت شمالًا ارتفعت معدلات الأمطار. ويضيف أن الفاصل المداري الذي تحرك من شمال مدينة عطبرة وأبو حمد في أمد رمان أوقاته السنوية، تحرك ليصل إلى مدينة دنقلا شمال السودان، ثم تجاوزها ليصل وادي حلفا أمد رمان شمال السودان، أيضا تجاوزها ليصل حتى شمال أسوان في دولة مصر، كل هذه المناطق شهدت أمطارًا غير مسبوقة، وهذا على مدار السرطان، الذي يفصل شمال السودان عن شمال مصر.
لا يزال الخطر قائمًا:
ويشير المهندس أبوبكر مصطفى، إلى أن هذه الأمطار، امتدت إلى كل الصحراء الكبرى وأفريقيا وحتى الصحراء العربية في السعودية، أمطار غير مسبوقة، وصلت إلى معدلاتها 150 ملم مترًا في اليوم، وأتت سيول جارفة جدًا، هذه الظواهر المناخية أحدثت هذا العام ضررًا واسعًا، ولا تزال السيول والأمطار الجارفة في أمدرمان والخرطوم والنيل الأبيض بمعدلات عالية، سيول جارية، في مدينة عطبرة شمال السودان، وفي أمدرمان كانت فترات الفيضان لا تتجاوز” 150ـ 200 “مليون، وصلت هذا العام الى” 550″ مليون في شهر أغسطس ـ أعلى مرحلة الفيضانات، والنيل الأزرق في ذات التاريخ في أمدرمان مرحلة الفيضانات، لكن النيل الأزرق ـ الذي يأتي من بحيرة تانا في إثيوبيا كان محجوزًا إلى أن تم ” ملء السد تمامًا حتى السابع من سبتمبر المنصرم، حينما تم افتتاح سد النهضة رسميًا، ومن ثم فتح البوابات، كانت المعدلات بسيطة جدًا، ما حدث هو أن موسم الأمطار، عادة يتركز من شهر يونيو وحتى أكتوبر، وقمة موسم الأمطار يبدأ من الخامس عشر من أغسطس إلى الخامس عشر من سبتمبر، هذه أعلى فترة معدلات الأمطار، ما حدث في هذا العام، هو أن معدلات الأمطار، استمرت وبمعدلات عالية في الهضبة الإثيوبية، وبعدما هدأت، ارتفعت مرة ثانية في شهر سبتمبر وبمعدلات كبيرة جدًا، وأتت هذه المعدلات بعد ملء سد النهضة، وحدث الفيضان الذى يشهده السودان، قمة الفيضانات كانت تصل السودان في الخامس عشر من أغسطس إلى الخامس عشر من سبتمبر، ما حدث الآن هو أنه وبعد الخامس عشر من سبتمبر ـ تحديدًا وصلت السودان في العشرين من سبتمبر ونتوقع ان تستمر معدلات الأمطار ، وقد تنخفض قليلًا حتى أوائل أكتوبر الحالي، هذه المعدلات ـ وفقًا للأرصاد الأوروبي والنموذج الأمريكي، النموذج الأوروبي يتابع من مركز منظمة إيغاد، ومقره بالعاصمة الكينية نيروبي، ويتابع وله تحديثات إثيوبية عن معدلات الأمطار والحرارة، ما حدث أن معدلات الأمطار عالية جدًا، ما أدى إلى الفيضانات.
الكتاب القديم بين إثيوبيا والسودان :
ويواصل مصطفى قائلا: في رأيي أن وزارتي الري في كل من السودان وإثيوبيا، كانتا “تقرآن من الكتاب القديم” الذي يقول إن معدلات الأمطار ما بين الخامس عشر من أغسطس وحتى الخامس عشر من سبتمبر، إذا كانت هناك متابعات لنماذج مناخية لمعدلات الأمطار الأوروبية أو معدلات الأمطار تبع الاتحاد الأوروبي وأمريكا عبر وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، وهيئة البحوث الجيولوجية في أمريكا، أو مركز شرق أفريقيا إيغاد والسودان عضو به، إذا كان الفنيون والجهات المسؤولة في وزارات الري في إثيوبيا والسودان، على متابعة وينسقون في ما بينهم، كان يمكن أن تكون السدود في وضعية “مناسب أداني ، وكان يمكن أن يحتوي سد النهضة الفيضان، وكذلك سدود السودان، هذا هو سبب ارتفاع المناسيب، مثلما المصريون يحللون السد العالي، وهو الذي يحجز المياه وبعمل فيضان، السد العالي بالنسبة للسودان مثله مثل سد النهضة، ما يفعله سد النهضة ذات ما يفعله السد العالي.
هذا ما حدث، الظروف الاستثنائية في الملء الأول وكانت هناك اختبارات لأجهزة وبوابات السد، والتحكم فيه، وأتت معدلات الأمطار فوق المعتاد، هذه هي الظاهرة الأولى.
شيطنة سد النهضة :
أما الناحية الثانية كما يرى المهندس بابكر مصطفى، هى “شيطنة سد النهضة”، وأردف: “لا أدافع عن السد، لكن أدافع عن الحقائق العلمية، والثابت في ما تعرض له السودان من فيضان سببه التغير المناخي ـ ويمكن الرجوع إلى النشرات التي تأتي من مركز المناخ التابع لمنظمة الإيغا ، هذه هي الناحية المهمة، والأمطار التي شهدتها تقريبًا كل مدن السودان وحتى العاصمة الخرطوم، “المحمدة الكبيرة” أن سد النهضة وخاصة هذا العام، لو كان فيضان النيل الأزرق، اجتمع مع فيضان عطبرة الذى بلغ أكثر من “500” مليون متر مكعب، أمر غير مسبوق، نهر عطبرة يوجد به ثلاثة سدود: سد داخل إثيوبيا، واثنان داخل السودان، رغم ذلك خرجت كميات كبيرة جدًا، ووصلت إلى مروي ـ شمال السودان تقدر بنحو نحو 600 مليون متر مكعب.
هل فعلًا سد النهضة ضحية؟
ويعزز خبير المياه سرديته بأن التغيير المناخي وليس سد النهضة هو المسبب لفيضان السودان هذا العام، ويلفت إلى أن المياه من النيل الأبيض بلغت “500” مليون متر مكعب، ونهر العطبرواي “150” مليون متر مكعب، والنيل الأزرق حوالى 150 مليون، لأن النيل الأزرق في الأسبوع الأول أغسطس لأنه كان يصرف فقط من التوربينات، نحو 130ـ140 مليون متر مكعب.
النيل الأبيض من خلال خزان جبل أولياء يأتي بنحو 139 مليون متر مكعب، يعني الاثنين نحو 250 مليون متر مكعب، وكل هذه الكمية كانت تذهب حتى تصل مروى شمال السودان، وسد مروي في قمته كان معدل الفيضانات به نحو “500” مليون متر مكعب، فأصبحت كمية المياه به نحو “750” مليون متر مكعب، ليصبح سد مروى نحو “600” مليون متر مكعب، كان هذا في شهر أغسطس، فإذا كان سد النهضة مفتوحًا كما يرى الجانب المصري، لوصل أكثر من 900 مليون متر مكعب، وقتها لحدثت” كارثة”، وهذه من محمدة أن سد النهضة كان “مغلقًا في أغسطس”، حيث كان يصرف كميات محدودة من خلال التوربينات حوالي 130 مليون متر مكعب، لأنه إذا اجتمعت تصريفات سد النهضة نحو 600 مليون متر مكعب مع الـ”500” مليون متر مكعب من عطبرة تصبح مليار ومع 130 مليون متر مكعب مع النيل الأبيض تصبح مليار و130 مليون متر مكعب، أضف لذلك، أن الأمطار حتى الآن لم تتوقف في حوض نهر الرهد، وأدت إلى غرق مدينة الحواتة شرق البلاد، وهي بعيدة جدًا عن سد النهضة وأيضًا غرقت مدنية الدندر، تدفقات نهر الدندر مستمرة حتى الآن، وفي العادة نهري الدندر والرهد من منتصف شهر سبتمبر يبدآن في الانحسار، لكن حتى الآن نهر الدندر فيضاناته متواصلة، وكذلك نهر الرهد وتصب في النيل الأزرق، لأن الرهد يصرف نحو 2ـ3 مليون متر مكعب لصالح مشروع الرهد الزراعي، كمية كبيرة جدًا هطلت داخل السودان.
ويواصل: “الوضع المائي مرتفع جدًا في سد مروي وحتى السد العالي المياه مرتفعة فيه جدًا، الجانب المصري فتح المياه للبحر من خلال تمرير المياه في نهر النيل ومن خلال سد أسوان القديم، والقناطر الخيرية تصب في فى البحر، وفتحوا المياه لتصب في توشكي وفي توشكي تم فتح المياه أيضا لتصب في قناة ترعة السلام، فكمية المياه التي أتت هذا العام غير مسبوقة، هذا من شهر يوليو، ثم أن الفيضانات كانت في أغسطس، لكن أي عملية هندسية مع تغيرات مناخية من الصعب جدًا إنك تتنبأ بما يحدث في المرحلة التالية، رغم أن التنبؤات العددية والنماذج الرياضية تمنح تقديرات كبيرة جدًا، والأرصاد من خلال الرادارات والأقمار الصناعية يعطي معدلات عالية جدًا، لكن الجهات الهندسية في السودان، وزارة الرى وإدارة سد النهضة، كانوا يعملون وفق المعايير القديمة، لذلك ملأوا سد، بعد ذلك إثيوبيا وصلت 645 أعلى منسوب، 74 مليار متر مكعب في التاسع من سبتمبر، بالتالي قاموا بفتح البوابات واطمأنوا أن السد قد امتلأ، يتوقعون أن الفيضان سوف يستمر لكن في انحسار، لكن بموجة فيضانية كبيرة، يعني إيراد النيل قبل أن يصل إلى سد النهضة كان معدله فوق 730 مليون متر مكعب، مثل فيضان هذا العام لم يحدث خلال ثمانمائة عام أو ألف عام.
النواحي الأخرى:
ويقول المهندس أبو بكر: إن سد النهضة يمنح السودان فرصة كبيرة جدًا وله جوانب إيجابية، المشكلة الأساسية في موضوع سد النهضة، في تقديري كان يجب أن يسافر الطاقم الفني لوزارة الري السودانية إلى إثيوبيا لمناقشة كيفية تشغيل سد الروصيرص مع إثيوبيا، وتنسيق العمليات عبر أتيام فنية ومهنية احترافية، مصر أعاقت تنفيذ أي اتفاق، والضرر الأكبر الذي حدث للسودان سببه مصر، لأنه إذا كان هناك تنسيق وتوافق مع السودان لما حدث ما حدث، المصلحة الأساسية بيننا هي توافق حول تشغيل سد الروصيرص مع سد النهضة، وهذا يجب أن يحدث بتنسيق تامٍ واستخدام ما يمكن من تقنيات ورصد الأمطار.
نعم السبب سد النهضة:
وفى المقابل يعتبر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة د. عباس شراقي أن سد النهضة الإثيوبي هو المتسبب الأول في الفيضانات التي تشهدها السودان، ويضيف أنه ومنذ افتتاحه في التاسع من سبتمبر والتصريف من سد النهضة أكثر من 450 مليون مليون متر مكعب حتى وصل ذروته 750 مليون متر مكعب خلال الأيام الخمسة الأخيرة، مع انخفاض طفيف، إلا أنه يظل مرتفعًا أكثر من ضعف الإيراد الطبيعي في هذا الوقت 300 مليون متر مكعب، كما يواصل منسوب النيل الأزرق والنيل الرئيسي عند الخرطوم ارتفاعه حتى وصل 17.23متر مرتفعًا عن أمس بمقدار 11 سم، وعن مستوى الفيضان 73 سم. والرقم القياسي المسجل هو 17.66 متراً في 6 سبتمبر 2020. كما يرتفع في نفس الوقت النيل الأبيض طبيعيًا نتيجة الأمطار الإثيوبية على نهر السوباط الذي يلتقي من بحر الجبل في جنوب السودان مكونًا النيل الأبيض مساهمًا بحوالى 15% من إيراد النيل، أما النيل الأزرق يساهم بنحو 60%.
انخفاض التفريغ
وتوقع شراقي انخفاض التفريغ من سد النهضة خلال أيام قليلة بوصول منسوب البحيرة إلى مستوى التخزين الطبيعي عند 638 مليون متر، تاركًا مترين للطوارئ، ثم يتم تصريف مقدار الإيراد اليومي فقط. ويعاد النظر في شأن التوربينات إذا كان من الممكن أن تبدأ العمل قريبًا فسوف يتم تصريف الإيراد السنوي من خلالها، وفي حال استمرار تعثرها فلابد من فتح عدد من بوابات المفيض بقدر الإيراد اليومي الذي ينخفض مع نهاية الموسم إلى 200 مليون مليون متر مكعب نهاية أكتوبر.
السد والطرف الآخر:
وزارة الزراعة والري السودانية في بيان توضيحي لها يوم 30 من شهر سبتمبر الماضي، حول فيضانات 2025، أفادت بأن التوقعات الموسمية بوجود” تغير في نمط الأمطار”، حيث تأخر “موسم الخريف وامتد حتى نهاية شهر أكتوبر”، نتيجة “تأثيرات التغير المناخي”. وقد تم إصدار” إنذار مبكر بخصوص كميات الأمطار المتوقع هطولها على الهضبة الإثيوبية” (مصدر فيضان النيل الأزرق والعطبراوي)، التي كانت ضخمة تتجاوز المعدل المتوسط.
الوزارة أوضحت في بيانها، بأان زيادة كبيرة برزت أيضاً في إيراد النيل الأبيض، الذي يشهد منذ العام 2020م زيادة غير مسبوقة بلغت حوالي 60% – 100% أعلى من المتوسط. هذه الزيادة تعكس التغيرات المناخية التي تؤثر على المنطقة. في سياق متصل، فإن الوارد عبر نهر عطبرة هو الآخر كان الأعلى خلال هذه الأيام. وأضافت بأن الزيادات تزامنت مع” اكتمال التخزين وامتلاء بحيرة سد النهضة”. حيث بدأ ومنذ يوم العاشر من سبتمبر 2025م، “تصريف المياه من البحيرة”، مما أدى إلى” اجتماع مياه موسم الفيضان مع تصريف المياه من السد”، حيث وصلت أمدرمان قيمة للتصريف إلى “750” مليون متر مكعب في اليوم. على الرغم من أن التصرفات في موسم الفيضان كانت تصل إلى قيم أكبر من ذلك، إلا أن توقيت هذه الكمية كان لها تأثير كبير في الأنماط الهيدرولوجية للمناسيب. نتيجة لهذه الزيادات، شهد مجرى النيل وفروعه ارتفاعاً ملحوظاً في المناسيب.
ولفتت الوزارة السودانية في بيانها، أن وصول المنسوب في أي محطة إلى مستوى الفيضان يعني أن المياه قد وصلت إلى حافة المجرى النهري، وليس بالضرورة غرق المنطقة بالكامل. الوزارة في أحدث تحذير عاجل لها في الخامس من أكتوبر الجاري، طالبت سكان المناطق الواقعة على ضفاف نهر النيل، بشأن احتمالات متزايدة لحدوث فيضانات، وذلك عقب تسجيل تصريف قياسي من سد جبل أولياء بلغ 173 مليون متر مكعب.
توضح وزارة الزراعة والري السودانية، أن سبب الفيضانات التي شهدها السودان يرجع أساسًا إلى زيادة تدفق المياه من النيل الأبيض، وهو أحد روافد النيل ولا علاقة له بإثيوبيا. كما أشارت وزارة الزراعة والري السودانية في بيانها إلى أن زيادة التدفق يمكن أن تعزى إلى تغير أنماط هطول الأمطار المرتبطة بتغير المناخ. كما أشارت السلطات السودانية إلى أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية السودانية خلال النزاع قد ساهمت في هذه الحالة.
السد والمناخ:
في مقابل تلك السرديات التي تبرئ وتتهم سد النهضة، فإن خبير ومختص في مجال هندسة وإدارة الموارد المائية يرى السلب مشترك ما بين سد النهضة وتغيير المناخ، ويقول المهندس خالد النور علي إن “التغير المناخي “هو جزء لا يتجرأ من المشكلة التي شهدها السودان، ولكن هنالك أسباب أخرى أدت إلى ما حدث من فيضان: تسريع إثيوبيا لإكمال ملء سد النهضة في هذا العام ليصادف الملء الكلي يوم الافتتاح في التاسع من سبتمبر الماضي بدلًا من نهاية أكتوبر الجاري، حسب ما توافقت عليه الدولتان وما أعقبه من تخفيض سريع لمنسوب البحيرة كان السبب الرئيسي لما حدث في السودان حيث لم يكن السودان مستعدًا لاستيعاب هذه الكميات الكبيرة الواردة من المياه.
ولفت إلى أن منظومة النيل الأزرق شهدت هذا العام فيضانات متأخرة كان بالإمكان تجنّبها لو فُعّلت الآلية المشتركة لتبادل المعلومات حسب الاتفاق الثنائي بين السودان وإثيوبيا في أكتوبر 2022 وحسب الترتيبات المنصوص عليها في اتفاق إعلان المبادئ الذي تم التوقيع عليه في الخرطوم بين السودوان ومصر وإثيوبيا في العام 2015. ويضيف أن التغيرات المناخية تعتبر واحدة من أكبر المخاطر التي تواجه العالم، ودول حوض النيل من ضمن المناطق التي تأثرت كثيرًا في السنوات الماضية ما بين فيضانات مدمرة وجفاف قاحل و من التوقع ان تتأثر كذلك في المستقبل. ويجب هنا الإشارة إلى ما يقوم به مركز الإيغاد للتنبؤات والتطبيقات المناخية “ICPAC ” من مجهودات جبارة في مجال التنبؤات المناخية الموسمية وتمليكها لصناع القرار علي مستوى دول الايغاد للاستفادة منها في التخطيط وعمل التدابير اللازمة للتعامل مع الفيضانات أو الجفاف حسب التوقع. وينوه إلى أن إنشاء السدود، يعد واحدة من الاليات المستخدمة في التعامل مع إشكالات الفيضانات والجفاف على المدى الطويل.
ما لم يفعله سد النهضة؟
ويرى أن سد النهضة كان من الممكن أن يلعب دورًا في تجنيب السودان كوارث الفيضانات وكذلك أخطار الجفاف إذا تم” تشغيله بصورة تراعي مصالح السودان”. ولكن التجارب في السنوات القليلة الماضية أثبتت “غير ذلك”، حيث أن التشغيل الأحادي للسد فاقم مشاكل السودان بين غرق وعطش. ويواصل المهندس خالد إنه
بالرجوع إلى ما حدث من فيضان في السودان هذا العام فإن استعجال الجانب الإثيوبي لإكمال الملء الأخير في التاسع من سبتمبر 2025 قبل 7 أسابيع من التاريخ المخطط في نهاية أكتوبر أدى إلى خلل واضح في التوازن المائي بين التخزين والتصريف، انعكس مباشرة على السودان عبر فيضانات كان يمكن “إدارتها بمرونة أكبر” إذا تم تنسيق مسبق بين إثيوبيا والسودان.
تحليل الهيدرولوجيا والعمليات التشغيلية:
يوضح المهندس خالد أن متوسط التصريف بعد ملء سد النهضة 730 مليون مليون متر مكعب في اليوم لمدة تزيد عن أسبوع. الوارد للنيل الأزرق في تلك الفترة: حوالي 430 مليون مليون متر مكعب في اليوم .
العجز الناتج من البحيرة: سحب صافي يقارب 300 مليون مليون متر مكعب في اليوم من التخزين.
أما آلية التصريف حوالي 180 مليون مليون متر مكعب في اليوم عبر التوربينات العاملة، بينما أغلب الكمية 550 مليون مليون متر مكعب تمت عبر” أبواب مفيض الطوارئ”. واعتبر أن السيناريو الأمثل في حال تم الملء في أكتوبر أن يكون متوسط الوارد في نهاية أكتوبر: 250 مليون مليون متر مكعب في اليوم وفي حال إضافة سحب 300 مليون مليون متر مكعب في اليوم من البحيرة: يكون إجمالي التصريف = 550 مليون مليون متر مكعب. وقابلية الاستيعاب: تصريف 550 مليون مليون متر مكعب في اليوم يمكن تمريرها عبر الرصيرص وسنار والخرطوم ومروي دون تجاوز حدود الفيضان.
مخاطر التشغيل الأحادي:
ويلفت المهندس خالد، إلى ان ما حدث يؤكد أن “القرارات الأحادية في تشغيل سد النهضة تخلق مخاطر مباشرة على السودان، حيث لم يتم إخطار السودان وجهاته المختصة مسبقاً بخطط الملء أو التصريف. ونبه إلى أن الالتزام بخطط الملء المعلنة حتى نهاية أكتوبر كان سيتيح تشغيلاً “أكثر أماناً” مع قدرة خزان الرصيرص على استيعاب 100 مليون مليون متر مكعب وتمرير 450 مليون مليون متر مكعب في اليوم للأسفل دون تجاوز المناسيب الحرجة. كما أن الاعتماد المفرط على “مفيض الطوارئ بدلاً من التشغيل المبرمج عبر التوربينات يضاعف من المخاطر ويقلل من كفاءة الاستفادة من المياه. ايضا ازدياد الوارد من النيل الأبيض زاد من حدة الفيضان، كما أن الوارد من النيل الأزرق في قمة الفيضان قبل إنشاء سد النهضة يصل إلى أكثر من” 800″ مليون متر مكعب في اليوم ويتم تصريفها عبر السدود السودانية دون إحداث فيضانات وهي أكثر من الوارد من سد النهضة والبالغ” 760″ مليون متر مكعب في اليوم و الذي تسبب في الفيضان هذا العام وعلي الرغم من ذلك حدث الفيضان بسبب عدم التنسيق مع الخزانات السودانية قبل موسم الفيضان لتستوعب الوارد من سد النهضة. لذلك ذكرنا أن تشغيل الخزانات في السودان يحتاج إلى تنسيق عالٍ مع سد النهضة خصوصًا سد الروصيرص الذي يقع بالقرب من سد النهضة.
ودعا خبير المياه إلى “تفعيل الآلية المشتركة لإدارة سد النهضة والزام إثيوبيا بتبادل البيانات في الوقت والزمان المحدد حسب الأعراف والمواثيق الدولية في ما يخص إدارة الأنهار العابرة للحدود، وتشمل تبادل البيانات اليومية حول الوارد، التصريف، والمناسيب”، مع إرساء بروتوكول إنذار مبكر ملزم لإخطار السودان ومصر قبل أي تغيير جوهري في التصريف أو الملء، وتطوير نماذج تشغيل تكاملي بين سد النهضة وخزانات الرصيرص، سنار، ومروي لضمان سلامة المجاري المائية وتقليل مخاطر الفيضانات. فضلا عن تفعيل العمل الدبلوماسي بغرض التوصل إلى اتفاقية ملزمة مع إثيوببا حول تشغيل سد النهضة بالصورة التي لا يتضرر منها السودان وإلا سوف تستمر معاناة أهل السودان بين غرق وعطش. مع تعزيز القدرة الوطنية السودانية للرصد والتحليل عبر تركيب محطات قياس آنية وربطها بأنظمة دعم القرار الإقليمي.
عدم تفعيل الآلية المتفق عليها:
ويشدد الخبير أان الفيضان المتأخر لعام 2025 في السودان لم يكن حتمياً؛ بل نتيجة مباشرة لغياب التنسيق الإقليمي والتعجل في إكمال الملء من قبل إثيوبيا. من الواضح أن الآلية المشتركة لإدارة منظومة النيل وفق إعلان المبادئ 2015 واتفاق الخرطوم 2022 لم يتم تفعيلها بالصورة المطلوبة أو ربما ليس لديها السند القانوني الملزم. لذلك الوصول لاتفاق قانوني ملزم حول الملء السنوي والتشغيل لسد النهضة يمثل الخيار الاستراتيجي الوحيد لضمان الاستخدام الآمن والمستدام لمياه النيل الأزرق، وهو خيار وجودي لا غني عنه البتة.ويلفت إلى أن السعات التخزينية لكل من خزان الروصيرص 7.4 مليار متر مكعب، خزان سنار 0.93 مليار متر مكعب وسد مروي 8.3 مليار متر مكعب. ويوضح أن تصريف مياه الفيضان يعتمد على كميه المياه المخزنة مسبقًا في هذه الخزانات عند بداية استقبال الوارد من سد النهضة.