دان براون يعود.. من شيفرة دافينشي إلى (سر الأسرار) ماذا هتك من الأستار هذه المرة؟! (1-2)

بقلم : علاء الدين بشير 

أنهي الكاتب الأمريكي ذائع الصيت، دان براون قبل أيام حملته الزاخمة لإطلاق روايته الجديدة التي إختار لها عنوان “سر الأسرار The Secret of Secrets” . إمتدت الحملة شهر كامل وحملته إلى 12 بلدا في العالم حيث صدرت الرواية بـ16 لغة عالمية في وقت متزامن (ليس بينها اللغة العربية حتي الآن) في كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والسويد ودول أخرى. صدرت عن دار نشر “بنجوين راندوم هاوس” في الولايات المتحدة، ودار ترانسورلد” في إنجلترا. وطُبِع منها مع اول اصدار في أمريكا وحدها مليون ونصف المليون نسخة ورقية فاخرة هذا بخلاف النسخة الإلكترونية (كيندل) والطبعة الشعبية. وصدر من طبعتها الفرنسية وحدها نصف مليون نسخة عن دار نشر (جان كلود لاتيس) في باريس .تقع الرواية في (668) صفحة من القطع الكبير بحسب ما أعلنه ناشرها الأمريكي. ما اعتبره النقاد حدث نشر عالمي. وتباع النسخة بسعر (38 دولارا). 

جاءت “سر الأسرار” بعد غياب للكاتب استمر ثمانية أعوام عن آخر أعماله  “الأصل ORIGIN” وهي أطول فترة يقضيها بين عمل وآخر منذ اول اصدار له في العام 1998. 

منذ إطلاق “سر الأسرار” في سبتمبر ي وحتي الآن لا تزال تتصدر القوائم العالمية لأكثر الكتب مبيعا بينما لا تزال الرواية وكاتبها محل حفاوة الصحافة ووسائل الاعلام العالمية، وهذا إقرار ضمني على لهفة الملايين من القراء حول العالم الذين اعتادوا على وصفته الممتعة التي نصبته كأحد أميز الكتاب عالميا في هذا الضرب من الرواية الذي يمزج فيه التشويق والاثارة والتعقيد والغموض في الجرائم وعوالم المخابرات والمنظمات السرية مع تحديات التطور التكنولوجي والصراع التاريخي المتجدد بين العلم المادي والدين. وقد أعاد براون تعريف هذا النوع من الرواية متجاوزا به النمط التقليدي الذي يقتصر على إجابة سؤال من هو القاتل؟ وأصبح الأمر عنده رحلة معقدة متعددة المواضيع والقضايا يخوض غمارها القارئ مع المؤلف متتبعا الرموز الغامضة ومتقصيا شيفرات التاريخ والدين والفن مغازلا التوق الغريزي في الانسان للمعرفة ورفع حُجُب الغيب وسبر أغوار المجهول لكشفه وهتك الأستار للاجابة على اسئلة الوجود الكبري التي طالما شغلت الفلاسفة والحكماء والقصاصين على مر التأريخ. 

وأعلنت (نتفليكس Netflix) منذ مايو الماضي عن حصولها على حق إنتاج رواية “سر الأسرار” مسلسل تلفزيوني وسمّت لإنتاجه كارلتون كوس، المنتج التنفيذي، المعروف بالأعمال الكبيرة وأشهرها مسلسل “لوست Lost” لكنها لم تحدد تأريخا للبث كما انها لم تحدد الشخصية التي ستقوم بلعب دور المحقق البروفيسور روبرت لانغدون إلا أنها أكدت انه ليس النجم توم هانكس الذي ارتبط اسمه به من خلال اعماله السابقة.

هذا الإحتفاء العالمي ليس غريبا على مؤلفات دان براون فقد ترجمت أعماله إلى 56 لغة عالمية بينها العربية وبيع منها حتي الآن أكثر من 250 مليون نسخة وهو ما نصبه الكاتب الأكثر مبيعا على مر العصور. وكان براون قد أعلن منذ يناير الماضي أن روايته الجديدة “سر الاسرار” هي أكثر أعماله طموحا وتعقيدا وإمتاعا. 

وعن ذلك الاحتفاء العالمي “بسر الأسرار” يقول براون في لقاء نشر قبل أسابيع في صحيفة محلية في ولايته نيو هامبشاير: “تقضي ثماني سنوات وحيدا في الظلام، ثم فجأةً تجد نفسك في الخارج وتدرك عندما تلتقي بجميع معجبيك أن ما تفعله وحدك في الظلام له جمهور، لهذا تأثير ممتد في العالم، وهذا مُلهم، إنه يجعلك ترغب في تكرار ذلك”.

 في أسر دافينشي وشيفرته! 

يقال إن كاتب التشويق الذي يبدأ قصة دون أن يعرف وجهتها يكذب. ومع مزيج دان براون السحري متعدد الطبقات من العوالم الخفية والشفرات والرموز الغامضة المبثوثة بعناية في كل التفاصيل والمسارات المتعرجة للاحداث بإيقاعها السريع والمتلاحق من المتاهات والألغاز التي لا تخرج من أحدها إلا يسلمك لآخر وهكذا.. كل ذلك يشعرك أن الزمام  أوشك أن ينفلت.. لكن الكاتب يؤكد لك سيطرته الدائمة المُحكمة والمبدعة على المجريات وقدرته المدهشة على إبقاء كل شيء منظما ومشوقا وممتعا في الوقت نفسه عبر ابطال وشخوص رواياته وخاصة الأشهر بينها ( شيفرة دافينشي- The DAVINCI CODE) ..وعن ذلك  تحكي الكاتبة الروائية الأميركية تي جي نيومان لصحيفة لوس أنجلس تايمز  عندما صدرت (شيفرة دافينشي) في العام 2003 أنها كانت تقضي إجازة مع عائلتها في المكسيك وحملت معها الكتاب الضخم.. قالت: “لم أذهب إلى الشاطئ أو إلى مسبح الفندق.. بقيت في غرفة الفندق وقرأت”. وتضيف: “لقد اتقن دان براون الربط والتشويق والإثارة وكيف يأسر القارئ ولا يدعه يفلت من قبضته حتي تنتهي القصة”. تواصل: “من الصعب جدا إتقان كل ذلك، لكن براون يجعل الأمر يبدو سهلا، فغرائزه حول ما يجعل رواية الاثارة رائعة لا مثيل لها تقريبا، ولا يمكنك وضع كتبه جانباً”.

هذا ما كان من أمر الكاتبة الأمريكية الشهيرة. أما أنا فَلِي قصة أيضا مع دان براون وخلطته السحرية إذ لم يأسرني عمل إبداعي خلال السنوات العشرين الماضية كما فعلت (شيفرة دافينشي) أيقونة مؤلفاته. فحينما صدرت كنا نطوي عامنا الأول بصحيفة “الصحافة” الغراء بعد إندماج ثلاثة صحف فيها عبر تجربة ما عرف وقتها بـ(الشراكة الذكية).. استطاع رئيس التحرير الأستاذ عادل الباز الحصول على نسخة من الرواية وكانت لا تزال محل جدل بين النقاد والتشكيليين والمؤرخين ورجال الدين في العالم وكتب عنها 5 مقالات في بابه (علي كيفي) تفيض بالاعجاب والتشويق والتحريض على قراءتها. بعد فترة من ذلك اتصلت بي الصديقة والزميلة والكاتبة الصحافية مني عبد الفتاح من مغتربها بالمملكة العربية السعودية لترتيب أمر معاودتها الكتابة للصحافة السودانية بعد انقطاع سنوات عنها ومناقشة المواضيع المناسبة لتكتب عنها، وضمن ذلك الأمر سألتني عن ما إذا كنت قرأت رواية “شيفرة دافينشي”، فأجبتها بالنفي.. وعدتني بإهدائي نسخة.. وفعلا في غضون أسبوع وصلتني بغلافها المصقول وورقها الفاخر محوية في حقيبة أنيقة عليها شعار موزعها بالمملكة العربية السعودية “مكتبة جرير” الشهيرة.. بدت لي ضخمة جدا وصعب إكمالها خاصة مع ظروف العمل الضاغطة التي كانت تضعنا فيها رئاسة التحرير.. المهم وصلت البيت كالعادة بعد منتصف الليل.. أمسكت بالرواية وبدأت في القراءة يائسا من إكمالي لها في أقل من أسبوع.. رغم الإرهاق وجدت نفسي مشدودا مع ألغازها وأحداثها المتسارعة التي تحبس الأنفاس حتي صرعني النعاس فاستسلمت له مع تباليج الفجر.. كنت بطبيعتي وقتها قليل النوم.. صحوت بعد ساعتين تقريبا.. احتسيت الشاي وأغلقت الموبايل وانكببت على الرواية بذات الشغف الأول ووجدت نفسي مستغرقا معها تماما خاصة وأن البيت يكون خاليا إلاّ من الست الوالدة، متعها الله بالصحة والعافية بعد إنصراف الجميع كلٍ إلى شأنه الذي يُغنيه.. لم أنتبه إلى الزمن إلا وأمي تناديني لوجبة الإفطار عند الحادية عشرة.. تناولته سريعا ولم تفارق أالشيفرة يدي تلتهم عيناي السطور بينما التهم الطعام.. بعدها وجدت نفسي اتخذ قرارا صعبا وخطيرا بمعايير ذلك الوقت وهو الغياب عن العمل وعدم الذهاب إلى الصحيفة .. حوالي الرابعة عصرا كنت فرغت من قراءتها .. ثم سرحت لساعات بخيالي مع عوالمها العجيبة الساحرة ثم عدت مجددا لقراءة فقرات مثيرة وصادمة من بعض فصول الرواية خاصة تلك المحشودة بمعلومات غزيرة وجديدة في الفن والمنظمات السرية والوقائع التاريخية ودور العبادة واضرحتها العتيقة وبالأخص ما ورد من كشف لسر الدم الملكي والكأس المقدسة باعتبارها الجسد الذي حوي نسل السيد المسيح عليه السلام نتيجة زواجه من مريم المجدلية بدافع العطف والشفقة عليها ليرفع مكانتها عند نفسها وفي المجتمع، وأن الكنيسة سعت طوال تاريخها وبكل الوسائل لكتمان هذه الحقيقة للابقاء على الطبيعية الإلهية للمسيح . وهو ما يصادم الحقيقة الدينية المتوارثة في المسيحية والإسلام معا عن أن المسيح كان بتولا ولم يتفق له الزواج !! ولعل ذلك ما جعل الفاتيكان يصدر توجيها لاتباعه بالعالم في العام 2005 بالامتناع عن شراء وقراءة الرواية واعرب عن أسفه لانتشار الكتاب بين الشبان، مشيرا إلى أمر متداول في المدارس يحث الطلاب على قراءة هذا الكتاب لفهم الديناميكيات المحركة للتاريخ وحالات التلاعب الذي قامت به الكنيسة”. وأضاف: “لا يمكن صنع رواية بإضفاء طابع مخادع على وقائع تاريخية والتشهير بشخصية تاريخية تنبع مكانتها وشهرتها من تاريخ الكنيسة والبشرية”.

 في اليوم التالي ذهبت للصحيفة في حالة عالية من الانتشاء بمفعول الرواية وسِحرها الآخاذ ومستعد للتوبيخ العنيف من رئيس التحرير في الوقت نفسه.. بعد اجتماع التحرير الصباحي الروتيني ناداني إلى مكتبه وبدا صارما جدا وهو يسالني عن أسباب غيابي .. أجبته بهدوء وصدق:  كنت أقرا في رواية شيفرة دافينشي .. وجدتها ممتعة جدا وشدتني لدرجة اني لم استطع وضعها جانبا والحضور إلى العمل!! .. نظر إلى مليا ثم ابتسم  وسالني لقيتها وين ؟ .. أخبرته عن مصدرها .

 قال لي وهو يواصل الابتسام: إذا كنت تغيبت دون إذن بدعوي انك مريض لما كنت رحمتك لكن شيفرة دافينشي خارجتك منى!.

  اعتقال التشويق واحتجاز أمن الدولة! 

واستغرقني ذات الشغف بعد عامين تقريبا وانا أقرأ لدان براون روايته الأخرى (ملائكة وشياطين – ANGELS AND DEMONDS) وهي الرواية التي سبقت (شيفرة دافينشي) وصدرت في العام 2000 . 

بينما كنت في طريقي من القاهرة إلى مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء لإنجاز تحقيقي (مهمة على مشارف إسرائيل) الذي تقصيت فيه آثار وأسباب تسلل اللاجئين السودانيين بمصر وقتها عبر الحدود إلى الدولة العبرية. فقد ظللت منكبا التهم سطور الرواية الضخمة منذ تحركي من القاهرة وحتي إيقافنا بواسطة الشرطة في مدينة الإسماعيلية عند مدخل كبري السلام الذي يمر فوق قناة السويس . تم فحص اوراقنا الثبوتية وحينما علم ان مقصدنا انا ورفاقي من مكتب الحركة الشعبية في مصر محافظة سيناء، وجه الضابط رئيس قسم  الشرطة اثنين من عناصره بصوت حازم: (خدوهم على امن الدولة في القنطرة)!!..

 

 احتجزنا بمكاتب أمن الدولة لخمس ساعات كانت هي الفترة الزمنية التي استغرقتها إجراءات التقصي وجمع المعلومات حولنا، ورغم الوضع المأزقي والرعب الذي كان ينتاب الناس لمجرد ذكر جهاز أمن الدولة المصري في عهد الرئيس الراحل مبارك وهو ما اتفق لي مشاهدته عيانا حينما أمر قسم الشرطة سائق عربة الأجرة التي كان يستقلها معنا عدد من المواطنين المصريين، إحالتنا إلى امن الدولة. لكن (ملائكة وشياطين) عصمت عقلي من تمدد سيناريوهات الرعب التي يمكن ان تحدث لنا عبر احداثها الشيقة ووقائعها المكتنفة بالغموض والإثارة والتي تبدأ بجريمة قتل  غامضة لعالم  فيزياء شهير داخل مختبر أبحاث في سويسرا وترك رمز غريب محفور بقضيب حديدي ملتهب على صدره يتضح لاحقا انه يشير إلى اخوية قديمة تُدعي (المتنورون) اقوى منظمة سرية في العالم الأمر الذي اربك المحققين هناك واصابهم بالحيرة، فيُستدعي البروفيسور الأمريكي، روبرت لانغدون، عالم الرموز (السيميلوجيا) الشهير في جامعة هارفارد للمساعدة في فك طلاسمها، لينقلنا تتبع الأدلة والرموز الغامضة في زخم من الاثارة المتقلبة والإيقاع المتسارع الآسر إلى قلب دهاليز الفاتيكان العتيقة. كان ذلك كفيلا بتبديد ملل الانتظار عندي إذ ظللت مستغرقا مع أحداثها طوال الساعات الخمس التي اُحتجزنا خلالها لدرجة ان احد افراد امن الدولة لاحظ ذلك وربما عده إستهتار مِني مع انه لم يكن ابدا على بالي ما تخيله ،فسألنى: ايه إللي في إيدك ده؟ ،فاجبته بكل هدوء بأنها رواية أجنبية!.  

 

قال براون في لقاء أجرته معه صحيفة (GLOB AND MAIL) 

الكندية نشرته هذا الشهر: 

“اكتب الكتب التي ارغب في قراءتها وانه لأمر مُرضي للغاية أن يشاركني هذا العدد الكبير من الناس ذوقي”.  ويضيف مهمتي الأولي هي الترفيه وإلاّ فلن يقلب أحد صفحات الكتاب. مهمتي الثانية هي إثارة فضولك تجاه موضوع ما لدرجة إغلاق الكتاب والتعمق فيه لمعرفة المزيد عنه .. اكتب في المنطقة الرمادية ما بين قوة الروح والمادة وتاريخ الفاتيكان والامن القومي وخصوصية المدنيين في ظل التطور الرقمي الهائل”. 

 

 من الورق إلى الشاشة 

إذا كان أحد تعريفات الرواية أنها  مناقشة الواقع في قالب إبداعي فإن السينما تمثل مرآة لتجسيد ذلك الواقع أمام أعيننا ،ويلعب كلا الجنسين الإبداعيين في أحيان كثيرة حينما يقتحمان تابوهات الواقع ادوارا خفية في تحريك التأريخ ويتجاوزان حدود الترفيه إلى فضح نظريات المؤامرة ونقد العقائد والتصورات النخبوية التي تمسك الخيوط من وراء ستارة مسرح الأحداث ،ويصبحا أدوات للتفكير العام في مصير المجتمع البشري على ظهر هذا الكوكب الحزين ما ينم عن أن (الخيال) يكون أحيانا أصدق من الواقع. وهذا في تقديري ما فعله دان براون بقصدٍ أو دون قصد منه. خاصة حينما اقتحمت بعض مؤلفاته عرصات الفن السابع وتحولت إلى إنتاج سينمائي ضخم.

بعد توقيع إتفاقية السلام بين الحكومة والحركة الشعبية/الجيش الشعبي بنيروبي في يناير 2005 وقبل اشهر من أحداث العنف المؤسفة بالخرطوم التي أعقبت مقتل الزعيم الراحل النائب الأول لرئيس الجمهورية، الدكتور جون قرنق في حادث تحطم المروحية المأساوي في أغسطس 2005 كان المشهد ملبدًا بالغيوم وينذر بإحتقان كبير جراء حملات التعبئة والكراهية المنظمة والعشوائية التي تبث من مؤسسات صحافية ومنظمات سياسية ومن على منابر المساجد بتأييد ودعم واضح من مؤسسات السلطة وفي اعلي مستوياتها في ذلك الوقت ..شغلت تلك الأجواء وعواقبها الخطيرة المحتملة دوائر محدودة جدا في  مجتمعات السياسة والصحافة وبعض مراكز البحث والتفكير والثقافة المحدودة في البلد . في ذلك الخِضّم المحتقن إستلفت من صديق فيلم (RWANDA HOTEL – فندق رواندا) للنجم الأمريكي، دون شيدل الذي يتناول احداث الابادة الجماعية والتطهير العرقي بين قبيلتي التوتسي والهوتو في النصف الاول من تسعينيات القرن الماضي في دولة رواندا في منطقة البحيرات الإفريقية . كان الفيلم حديث الإنتاج ولم يشق طريقه إلى القنوات التلفزيونية بعد واثار ضجة كبيرة في العالم بإعادة طرحه مخاذي المجتمع الدولي وتقصيره اللافت في التقاعس عن إيقاف المجازر العرقية وحماية الضحايا وأسهم كثيرا في إعادة تشكيل الرأي العام العالمي وكذلك القرارات والرؤية العالمية لاحقا تجاه مثل تلك الجرائم. 

تم الإعلان بالصفحة الاخيرة من الصحيفة عن عرض الفيلم بصالتها اليوم التالي .. استعنا بجيراننا في المركز الثقافي الفرنسي وطلبنا منهم جهاز التشغيل السينمائي وشاشة متحركة فاستجابوا لنا بسخاء  معهود في تجارب تعاملنا معهم واوفدوا مع المعدات فني التشغيل العامل عندهم .. وفي منتصف نهار اليوم التالي امتلأت صالة الصحافة عن بكرة ابيها لمشاهدة الفيلم المنتج حديثا والذي أثار ضجة كبيرة في العالم وقتها  .. انتهي الفيلم بإعجاب كبير وبخوفٍ جارف أيضا من سيناريوهات الفتنة المشابهة والمحتملة التي يمكن أن تطال بلادنا في ظل واقعنا السياسي والاجتماعي المعقد والمحتقن .. 

بعد إنتهاء العرض تجاذبت الحديث مع مراسل إذاعة وتلفزيون بي بي سي وقتها صديقنا العراقي الجنسية صفاء الصالح وكان دارسا ومتخصصا في النقد السينمائي ثم سألني ما إذا كنت شاهدت فيلم (شيفرة دافينشي)، أجبته بأنني قرأت الرواية واسرتني جدا بعوالمها الشيقة والغامضة ولكني لم أشاهد الفيلم ..قال لي ان الفيلم الذي كان منتجا حديثا ايضا لا يقل روعة عن الرواية ولابد لي من مشاهدته لتكتمل عندي الصورة كما يمكن عرضه بصالة تحرير الصحافة أيضا ووعدني بإهدائي نسخة من، الفيلم واوفي بوعده فعلا وقمنا بعرضه بنفس الطريقة السابقة وحصد حضورا وإعجابا كبيرا وفعلا لم يكن الفيلم يقل روعة وتشويقا عن الرواية .. بعد يومين عرض المركز  الثقافي الفرنسي الفيلم أيضا فذهبت وشاهدته مرة أخري للمرة الثانية.. مرت سنوات أخذت بعدها قنوات الافلام في الفضائيات المختلفة وخاصة (mbc2) و (Dubi 1) يعرضون فيلمي (شيفرة دافينشي) و(ملائكة وشياطين) وخاصة مع حلول عيد الميلاد المجيد .. شاهدته فيهما اكثر من 10 مرات واجدني مستغرقا في مشاهدته بذات الشغف الذي قرأت به روايات دان براون اول مرة وقد زاد التجسيد المتقن والأداء الرفيع للنجم توم هانكس لدور البروفيسور روبرت لانغدون من المتعة وجعل أفكار الرواية اكثر رسوخا في الأذهان.

 

 شيفرة النجاح 

 

تعد (شيفرة دافينشي) أشهر أعمال دان بروان وأكثرها إثارة للجدل الديني والتاريخي والفلسفي وهي التي صعدت به إلى أعلي ذري المجد والشهرة إذ بيع منها أكثر من 80 مليون نسخة وترجمت لأكثر من خمسين لغة في العالم واُنتِجت في فيلم عام 2005 حقق (111 مليون دولار) خلال الأسبوع الأول من عرضه في أمريكا الشمالية وحدها.

عام 2005 اختارت مجلة (تايم) الأمريكية الشهيرة مؤلف الرواية دان براون ضمن اكثر (100) شخصية تأثيرا في العالم بسبب إبقائه على صناعة النشر حية ،ولتجديد الإهتمام  بتاريخ المسيحية القديم وبأحد رواد عصر النهضة الفنان الشهير ليورنادو دافينشي ،ولرفعه أرقام السياحة إلى مدن باريس وروما ولندن ،ولزيادة عدد المنضوين إلى الاخويات والجمعيات السرية. وإضافة إلى ذلك أشارت المجلة إلى أن من التأثيرات التي أحدثها غضب الكرادلة في الفاتيكان وصدور ثمانية كتب تفند المزاعم الواردة في روايته (شيفرة دافينشي) وسبعة أدلة للقراءة معها إلى جانب تنقيبه وإخراجه لطوفان من الروايات التاريخية المثيرة للجدل ، والامتياز الكبير الذي منحته أعماله للأفلام السينمائية.

في روايته الجديدة الأكثر طموحا وتشويقا (سر الأسرار) لا يبتعد دان براون عن وصفته المجربة ولكن بحثه عن الرموز لا يكون على جدران المباني القديمة وأعمال أساتذة الفن الكبار وإنما يسعي من خلالها لفك شيفرة الوعي البشري وسؤال ما بعد الموت ويحوم فيها حول حمي قضايا عرفانية كبرى سبر غورها بعمق كبار العارفين بالله من المتصوفة المسلمين.. وسافصّل ذلك في المقال القادم إن شاء الله.

نواصل

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى