الدكتور جمال الطيب لـ NPR: هذه الحرب لا تشبه أي صراع آخر والمدنيون هم الهدف

مدير مستشفي النو الحائز على جائزة المليون دولار ..

أفق جديد
أجرت الإذاعة الوطنية العامة الأميركية (NPR) حواراً مع مدير مستشفى النو الدكتور جمال الطيب، الفائز بـ جائزة أورورا لإيقاظ الإنسانية البالغة قيمتها مليون دولار أمريكي، تقديراً لشجاعته وتفانيه في تقديم الرعاية الطبية وسط أهوال الحرب التي عصفت بالسودان منذ عام 2023.
تحدث الطيب من قلب الميدان عن ظروف العمل القاسية التي يعيشها الأطباء والعاملون في القطاع الصحي، وعن الصمود الإنساني في وجه الدمار، وعن نداء السودان الذي لا يزال ينتظر صدى العالم، قائلاً: لقد كان ذلك واجبي تجاه وطني وشعبي، فالناس بحاجة إلى من يبقى إلى جانبهم .

كيف تُعامل المرضى في ظل هذه الحرب؟

تقديم الرعاية الصحية بموارد قليلة جدًا من أصعب المهام. نعمل يومًا بعد يوم في ظروف قاسية، بالكاد تتوفّر الأدوية والمستلزمات والمياه النظيفة والكهرباء، وحتى الأدوات الطبية الأساسية. لكننا نتعلّم الارتجال ونحافظ على هدوئنا وسط الفوضى، ونحاول أن نصنع شيئًا من لا شيء. أحيانًا تكون ضمادة واحدة، أو بعض الأقراص، أو مجرد إمساك يد مريض والتحدّث معه، كل ما لدينا. ومع ذلك فإنّ لهذه الأشياء أثراً هائلاً على المرضى، وعلى العاملين معنا.

كيف هي بيئة العمل لك ولزملائك في قطاع الصحة أثناء الصراع؟

هم فعلاً أبطال. جاؤوا إلى المستشفى وهم يعلمون أن حياتهم معرضة للخطر. يسود الخوف، ومع ذلك بقوا. يواصلون رعاية المرضى لأنهم يعرفون أن غيابهم يعني مزيدًا من الوفيات. البساطة في الفكرة هو البقاء لإنقاذ الأرواح هي ما يدفعهم.

ما الذي تريد أن يفهمه الناس عن ما يحدث في السودان؟

الوضع مروع، وما يزيد الجرح أن العالم صامت في كثير من الأحيان. ظهرت تقارير عن السودان في بعض الوسائل، لكن ذلك لا يكفي. نحتاج إلى اهتمام أوسع وتغطية أعمق وتواصل أكبر مع المجتمع الدولي. يجب أن يعرف الناس أن هذا البلد ما زال ينزف. وبكل صراحة، لا تشبه هذه الحرب أي صراع آخر. في الحروب المعتادة يستهدف الخصم مؤسسات أو بنى تحتية، وقد يتضرر المدنيون كأثر ثانوي. هنا في السودان المدنيون هم الهدف نفسه. يبدو أن هناك مسعى لإبادة جماعات كاملة.في وطننا تُدمر مجتمعات وتُشرّد أسر، ويُقتل الناس لمجرد انتمائهم.
لو شاهد الناس ما نراه كل يوم، لو سمعوا صرخات الليل، لما بقي الصمت خياراً. على العالم أن يتحرّك الآن.

ما نوع العنف الذي شهدته؟

ما يحدث يفوق التصور. لم أتخيل أن أواجه مثل هذه المشاهد خلال مسيرتي المهنية؛ وكانت صدمة حقيقية، خاصة أن الأطفال والنساء كثيرون بين من تعرضوا للتعذيب أو للصدمة أو تُركوا في حالة يرثى لها. وما يحدث في الفاشر ليس مجرد قتال؛ إنه يلامس حدود الإبادة الجماعية.

هل أرقام الوفيات دقيقة؟

من المرجّح أن الأرقام المعلنة أقل كثيرًا من الواقع. مدن أُخليت، أسر تفرقت، وأجيال تضررت.

ماذا يعني لك الفوز بهذه الجائزة؟

هي رمز للأمل. فهويذكّر الناس أنهم ليسوا وحدهم، وأنهم لم يُنسوا.

ما الذي يبقيك مستمرًا في العمل؟

هناك أيام تكون المعاناة فيها مرهقة جدًا، وتتساءل إن كان ما تفعله سيكفي. لكنك عندما ترى مريضًا يلتئم، أو تسمع طفلًا يستعيد أنفاسه، فتستمد قوة داخلية للاستمرار. وسط الدمار والفقد أرى قوة لا توصف: أمهات فقدن كل شيء ومع ذلك يتقاسمّن ما يملكن، أطفال يبتسمون رغم الجوع، أطباء وممرضين ومتطوعين يواصلون العمل رغم الخوف والإرهاق، بدافع من قلوبهم وشجاعتهم.
علّمنا الشعب السوداني أن الأمل لا يُنتظر بل يُبنى. في أحلك اللحظات، كل لفتة رحمة، وكل نبضة حياة مستمرة، هي فعل تحدٍ. هي رسالة للعالم أننا هنا وأن حياتنا ثمينة. وطالما بقي طفل واحد أو أم واحدة، سأواصل عملي؛ لأن الأمر يتجاوز البقاء إلى الكرامة والإنسانية والأمل الذي لا يموت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى