حزب المؤتمر السوداني من التحرر الأيديولوجي إلى المشروع الوطني الجامع

 بعض ممن جالستهم في نقاش سياسي  ينظرون لحزب المؤتمر السوداني كتنظيم بلا نظرية فكرية سياسية واضحة. هذا الاتهام ينبع غالبًا من أن هؤلاء يقيسون الفكر السياسي بمعيار الأحزاب السودانية التقليدية التي قامت على أسس أيديولوجية عقائدية صارمة إما يسار شيوعي، أو يمين ديني/طائفي.. ولكن، الحقيقة هي أن حزب المؤتمر السوداني ليس حزبا بلا نظرية أو يفتقد للرؤيا الفكرية السياسية، وإنما يحمل  نظرية مضادة ومتحررة تناما من أي  أطر أيديولوجية كلاسيكية، وهي نظرية تستمد قوتها ومنطقها من واقع الأزمة السودانية التاريخي. فالأسس الفكرية والسياسية للمؤتمر السوداني الذي نشأ من رحم الحركة الطلابية المستقلة، تمثل في جوهرها مشروع وطني يهدف إلى إعادة بناء الدولة على أساس المواطنة والتحرر من الأيديولوجيا والانتقال الى القومية السودانية الجامعة.

اذن النظرية السياسية للمؤتمر السوداني تبدأ برفض منطقي ومحوري لفشل النماذج السابقة، هي نظرية تعتمد على المبادئ التالية:

*أولاً: التحرر* 

التحرر من الاستلاب العقائدي، حيث يتبنى الحزب مبدأ الاستقلالية الفكرية، التي تعني التفكير والعمل من موقع الحرية، والتحرر من القيود الأيديولوجية وأنماط التفكير الأحادية (يسارا أو يمينا عقائديا). ومن هذا التوجه النظري يرى المؤتمر السوداني أن تمسك الأحزاب الكبرى بأيديولوجياتها العقائدية كان السبب الجوهري في الصراع وتفكك النسيج الاجتماعي السوداني. هذا التحرر والانفكاك  الايديولوجي هو في حد ذاته نظرية فكرية تنظر إلى الأيديولوجيا كعائق أمام الوحدة الوطنية كتوجه سياسي أصيل.. 

 

*ثانياً: القومية السودانية:*

كنظرية بديلة للأيديولوجيا يطرح المؤتمر السوداني القَومية السودانية التي تقوم على الاعتراف بأن السودان دولة تعدد ثقافي وعرقي وديني وإقليمي، وبالتالي  يرفض اي مفهوم “لبوتقة الانصهار” الذي حاولت الحكومات المتعاقبة فرضه، بل يتبنى مفهوم الهوية الجامعة العابرة للجهويات لتستوعب كل الثقافات وتجعل من التنوع مصدر قوة، لا سببا للنزاع. وهي بذلك تجاوب على أزمة الهوية التي كان من نتائجها انفصال جنوب السودان.

ولترجمة هذه الرؤيا القومية تبني المؤتمر السوداني مفهوم المواطنة والدولة المدنية الحديثة كإطار سياسي متكامل ومحدد المعالم يقوم على مبدأ المواطنة كحق أصيل ومبدأ وحيد تُبنى عليه الدولة التي من الضروري أن تقف على مسافة واحدة من كل أبناء الوطن دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الثقافة. ولضمان ذلك تبنى المؤتمر السوداني مبدأ *”حياد الدولة”* كآلية سياسية ضرورية. فمن واجب أن تكون حيادية ومحايدة تماما تجاه الهويات الثقافية والدينية والقبلية لضمان أن لا يشعر أي فرد ضمن المكونات الاجتماعية المختلفة بأنه مواطن من الدرجة الثانية. 

هذا هو جوهر النظرية السياسية التي يتبناه المؤتمر السوداني  لإنهاء الصراعات ذات البعد الهوياتي والديني.

 

*ثالثاً: الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة:* 

الديمقراطية بالنسبة للمؤتمر السوداني هي سلوك اجتماعي وسياسي عام، لا مجرد صناديق اقتراع. يرتكز فيها الحزب فيها على مبدأ التداول السلمي للسلطة وحماية الحريات العامة، ويرى أن النظام الديمقراطي التعددي هو الآلية الوحيدة التي تستوعب التنوع الهائل في السودان.

 

*الخلاصة:*

الاساس النظري الذي يقوم عليه المؤتمر السوداني هو مشروع بناء الدولة، وأي ادعاء بأن المؤتمر السوداني “بلا نظرية” هو اتهام يجانب الصواب؛ بل إن ما يتبناه من رؤيا سياسية وفكرية هي الأكثر ملاءمة لواقع السودان المركب بعد عقود من الفشل الأيديولوجي العقائدي.

 

احمد عثمان محمد المبارك المحامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى