توحيد التقويم .. توحيد للنظام التعليمي أم ضرورة أملتها الظروف؟
الخرطوم : إبتسام حسن
أثارت توصية وزارة التربية والتعليم بتوحيد التقويم الدراسي جدلاً واسعاً بين الخبراء، إذ يجد السودان نفسه اليوم بين مطرقة واقع أمني ومناخي متقلب، وسندان الحاجة إلى نظام تعليمي قومي موحّد.
وبينما يرى البعض أن اختلاف المناخ واتساع البلاد يجعل التقويم الموحد أمراً صعب التطبيق، يعتبر آخرون أنه ضرورة فرضتها الحرب وتشتت المدارس واتساع الفجوات التعليمية.
و دخلت التوصية دائرة النقاش، بين من يراها خطوة إصلاحية نحو وحدة النظام التعليمي، ومن يعدّها قرارا قد لا يحتمله الظرف الراهن.
دفعت وزارة التربية والتعليم بالتوصية التي أخضعتها لتقييم من مختصين خلال ورشة عمل “توحيد التقويم الدراسي” .
تباينت آراء من خبراء تعليم الذين تحدثوا ل (أفق جديد) خاصة أن السودان بلد مترامي الأطراف بالتالي متعدد المناخات، ففرض تقويم موحد يبدو خياراً غير ممكن حسب خبير تربوي.
بينما يرى مدير مكتب تعليم أن التقويم الموحد ليس خياراً أمثل وإنما ضرورة تمليها الظروف من حروب واختلاف في المناخ في الولايات المختلفة، بينما يرى مدير المركز القومي للمناخ أن توحيد التقويم الدراسي يحقق العديد من المزايا كتوحيد النظام التعليمي على مستوى القطر وتحقيق قوميته.
المناخ
ظروف المناخ لها تأثير كبير على الدراسة في المدارس حيث أن هطول الأمطار يختلف من ولاية إلى أخرى، إذا تم إقرار شهر يوليو فهنالك ولايات من المستحيل أن يتم فتح المدارس في هذا الشهر وإذا تم إختيار شهر سبتمبر مثلا توجد ولايات لا تستطيع بدء الدراسة في هذا الشهر، وإذا تم اختيار شهر آخر مثلاً ستواجه عقبة إكمال الفترة الدراسية الكاملة (210 يوم) بدون الدخول في شهور حرجة وهذا الاختلاف يجعل ضرورة إخضاع التوصية لدراسة عميقة.
يرى مدير المركز القومي للمناهج معاوية قشي، أن الخطوة جيدة دون شك حسب تعبيره وتحقق العديد من المزايا كتوحيد النظام التعليمي على مستوى القطر وتحقيق قوميته، كما أنه يتمتع بالمرونة التي تتيح الولايات مراعاة ظروفها الداخلية في المدى بين بداية العام الدراسي ونهايته.
بدوره يقول الخبير التربوي سامي الباقر، إن الأنسب ترك التقويم للولايات، ودعا سامي لضرورة التفكير بصورة جدية في بديل مناسب إسترشاداً بالتجارب في العالم والمحيط الإقليمي.
ووصف في حديثه للأناضول توحيد التقويم بالممتاز إذا كان هنالك إمكانية لتنفيذه واستطرد الباقر :”لكن بالتجربة ثبت صعوبة هذا الأمر خاصة بعد الحرب”.
وأضاف: “أعتقد النظر بموضوعية يجعلنا نفكر في بدائل في كل المسلمات (التقويم الموحد + الشهادة الموحدة + المنهج الموحد)
إضافة إلى النظر بالتكلفة العالية لامتحانات الشهادة بشكلها الحالي وزيادة التسرب بصورة مخيفة”.
الأمن القومي
يقول الباقر إن عقد امتحانات الشهادة الثانوية السودانية التي تعتبر شهادة قومية. وبعد زيادة أعداد الطلاب بصورة كبيرة (ما يقارب ال600 ألف) مقارنة ما أفرزته الحرب الآن، أصبح عقد هذه الامتحانات بهذه الصورة في كل السودان شبه مستحيل والدليل الآن أن العدد الممتحن أقل من 30 في المئة من جملة الطلاب.
توحيد المنهج
ويرى الباقر أن توحيد المنهج يجب أن يتم تصميم فلسفة وغايات وأهداف التعليم بما يدعم الوحدة الوطنية ويبني الشخصية السودانية بصورة تمكن من بلوغ الغايات، وأن يتم التعامل مع المنهج على اعتبار أنه وسيلة تترك مساحة للولايات لإبراز الشخصية السودانية بصورة تعزز البعد القومي دون تجاوز البيئة المحلية وما تزخر به هذه الولايات.
موانع
يعتبر مدير مكتب تعليم د. الإمام عبد الباقي الإمام، أن التقويم الموحد ليس خياراً أمثل وإنما ضرورة تمليها الظروف.
وأضاف في حديثه لافق جديد: أن عوامل كثيرة تؤدي لتوحيد التقويم أو تركه لكل ولاية حسب الظرف الذي تعايشه فهناك الظروف الطبيعية مثل المناخ الذي يتباين بين الولايات وبيئة كل منطقة وما تفرزه من آثار مثل الحرارة والبرودة والأمطار والبني التحتية لمؤسسات التعليم كل ذلك في الحسبان علاوة على كمية المقررات ونوعها وحجمها وعدد أيام الدراسة.
وتابع الإمام قائلاً: إن هناك بعض الدول لا تزيد أيام الدراسة فيها عن مائة وستين يوماً بينما أيام الدراسة عندنا تترواح ما بين (180) يوماً وأحياناً (210) يوماً، مردفاً (في تقديري العبرة بالكيف لا الكم فالحقيبة التي يحملها الطالب حقيبة مثقلة بالغث والثمين والهزيل والسمين”.
ودعا القائمين على أمر التعليم تقليل حجم المقررات وأيام العام الدراسي حتي يجد الطالب وقتاً للراحة وإنجاز برامج ثقافية واجتماعية وترفيهية تقتل الملل والديمومة والرتابة والنمطية التي لازمت المعلم والمتعلم علي حد سواء.
وأشار إلى أن التربية متجددة والمجتمع متجدد والأفكار هي التي تولد ناتجاً إضافياً.
ظرف غير
غير أن الواقع الحالي من حروب يفرض علي مسؤولي التربية والتعليم أمر آخر ويمكن أن يدفع ذلك الواقع بقرار ينسف التوصية.
وتقول القيادية بلجنة المعلمين قمرية عمر ل (أفق جديد) إنه إذا تم توحيد العام الدراسي في حاضر آخر غير وضع البلاد الراهن وما تعانيه من حروب ونزوح وإذا تم إخضاع توصية توحيد العام الدراسى لورش ونقاش من المختصين والخبراء وتم صدور قرار تكون التوصية ذات جدوى.
واستدركت : “لكن الوضع الراهن للبلاد قياساً بالنظر الي هذه القضية يمكن أن يكون مداعاة لهدم توصية وزارة التربية”.
وعادت قائلة : “لكن إذا درس المختصين كل الأمور المحيطة بتوحيد التقويم الدراسي في جوانب عديدة منها متى يتم تنفيذ التوصية ومراعاة ظروف الولايات في مثل هذه الشهور يمكن أن يتم تنفيذ التوصية”.
وأردفت قمرية: أن التقويم الذي تريد وزارة التربية والتعليم تنفيذه هو نفس التقويم القائم حالياً وهو بداية العام الدراسي في شهر أغسطس ونهايته في شهر أبريل العام المقبل وكان من قبل يبدأ العام الدراسي شهر يوليو حتي العام الجديد من الشهر الذي يجلس فيه الطلاب لامتحانات الشهادة في نصف مارس وهذا هو التقويم الذي كان معمول به في الماضي.
واشارت إلى أنه لظروف المناخ كانت هناك ولايات مستثنية من هذا التقويم والآن إذا تمت دراسة هذا الموضوع واتضح أن توحيد التقويم فيه فائدة للاطلاب والعاملين بحقل التعليم يكون ذلك الأمر جيد وتخوفت من القرارات الغير مدروسة والتي لا تخضع لتقييم المختصين والتي من شأنها ترجع سياسات الوزارة إلى الوراء بحيث لا يستفيد منها التلاميذ والطلاب.
واعتبرت أن مثل تلك القرارات تعتبر (عنتربات) وذلك برغبة كل مسؤول بوضع بصمته بغض النظر إن كانت هذه البصمة صحيحة أم خاطئة وأن سياسة المسؤولين في هذا الصدد تخضع التعنت لمحو قرارات من يتقلد المنصب من قبله.
ودعت لضرورة أن تخضع السياسات لهدف واحد مثل المعمول به في دول العالم من إتباع منهج واحد بغض النظر عن من يتقلد المنصب بحيث لا يكون هناك تغيرات في الأهداف والسياسات.
وزادت: “لا مناص أن يضع المسؤول بصمته في تنفيذ سياسة من سبقه في المنصب”.
مرونة النظام
يقول مدير المركز القومي للمناهج معاوية قشي ل (أفق جديد ) إن توصية توحيد التقويم أن صعدت المرتبة قرار ، فهو قرار جيد دون شك يحقق العديد من المزايا كتوحيد النظام التعليمي على مستوى القطر وتحقيق قوميته، كما أنه يتمتع بالمرونة التي تتيح الولايات مراعاة ظروفها الداخلية في المدى بين بداية العام الدراسي ونهايته.
وأشار إلى أن النظام فيه مرونة تتيح للولايات التعديل داخله في المدى الزمني للعام الدراسي وفقاً لمتطلبات البيئة والظروف المناخية.
وأوضح قشي ان الولايات كلها كانت حاضرة في الورشة التي أوصت بتوحيد العام الدراسي وتمت مناقشة الأمر من كل جوانبه والإتفاق عليه.
وأضاف أن وجود منهج قومي واحد وشهادة سودانية واحدة أدعى لتوحيد التقويم حتى تتحقق قومية التعليم وعدالته.





