انقطاع خيط الأمل.. عن رحيل الشاعرة والمعلمة هاجر مكاوي

جالا زهاء
في ديسمبر من عام 2025، في القاهرة، فُجع الوسطان الثقافي والإعلامي في السودان برحيل الشاعرة والمعملة بالمدارس، هاجر عبد الكريم مكاوي، وهي من أنبل الأصوات وأكثرها صدقًا وتأثيرًا. لم يكن غيابها مجرّد فقدان فردي، بل خسارة عامة لرمز شعري وإنساني عبّر عن الإنسان السوداني بأدوات الكلمة المشعرنة والطبشور الأبيض، وخلفت فراغًا لا يمكن ملؤه بسهولة، خاصة في هذه اللحظة الوطنية الحرجة التي يحتاج فيها الناس إلى من يمنحهم الأمل والبصيرة.
صدر لهاجر ديوانين شعريين، وانشات في القاهرة، مع رفيق دربها الأستاذ محمد الحلو مؤسسة العلياء التربوية بالقاهرة والتي حققت نجاحات باهرة في فترة قصيرة جدا وصارت من المؤسسات التعليمية السودانية التي يشار إليها بالبنان.
تقول عنها “كانت الأستاذة هاجر معلمةً للأخلاق قبل أن تكون معلمةً للعلم، إنسانةً تُعلِّم بالقدوة قبل الكلمة، وبالحب قبل المنهج. جميلة الروح، راقية في تعاملها، محبةً لزملائها المعلمين، احتوتهم باحترامٍ صادق، فكانت لهم أختًا وسندًا ومرشدًا، ومنحتهم شعور الأسرة قبل أن تكون صاحبة مدارس”.
وتضيف في حديث إلى “أفق جديد”: “كنتُ أنا معلمةً للمهارات اليدوية داخل المدرسة، فوجدتُ فيها عينًا ترى الجهد وقلبًا يقدّر العطاء. كانت تشيد بعملي وبما أقدّمه للأطفال من مهارات ومواد، فكان دعمها إيمانًا بي، ودافعًا حقيقيًا للاستمرار، ومساحةً آمنة للإبداع”.
يقول الناقد صلاح القويضي إن الرحيل المبكر للراحلة الشاعرة هاجر مكاوي فاجعا. رحلت الأستاذة هاجر وهي في قمة عطائها التربوي والإبداعي، وظلت مشغولة طوال حياتها بقضايا التعليم العام ومشكلاته. قبل رحيلها بأيام نشرت على صفحتها في الفيسبوك مقالا عن ارتفاع تكلفة التعليم الخاص، ابدت فيه تعاطفا كبيرا مع أطفال أسر النازحين وخصوصا الأسر الفقيرة.
ويضيف القويضي في حديثه إلى “أفق جديد”: “على المستوى الشخصي فإن رحيلها الفاجع مثل لي فقدا لصديقة عزيزة ومعلمة متميزة وشاعرة واعدة وناشطة ثقافية منحازة لقضايا التغيير. كانت تشكل حضورًا مميزاً في أغلب الفعاليات الثقافية بالخرطوم، قبل أن تغادرها للقاهرة، وكنت إلتقيتها لآخر مرة خلال أيام جمهورية ساحة الاعتصام المجيدة. جاءت الراحلة من القاهرة خصيصا للتضامن مع الشباب المعتصمين، قبيل فض الاعتصام بيوم واحد. قضينا وقتا طويلا في التجول بين الخيام والتحدث مع الثوار الشباب، وحضرنا تابين شهداء انقلاب ٢٨ رمضان. قابلنا العديد من الاصدقاء المهتمين بقضايا الثقافة”.
وتقول الكاتبة سارة الجاك إن هاجر مكاوي، القادمة من كوستي، كانت تحمل في قصائدها مزيجًا من رهافة الشعر ووضوح الفكرة. كتبت للأطفال والنساء والمنسيين، ونقلت روح الثورة في سطور ناعمة لا تخلو من الحدة. اشتغلت على أدب الطفل كما اشتغلت على قضايا الوطن الكبرى، وكانت ترى في الشعر وسيلة للمقاومة الهادئة وبناء وعي جديد. لم تسعَ للشهرة، بل كانت تسير بثبات نحو ما تؤمن به، شاعرةً تحمل حلمًا لوطن يسع الجميع، حيث الكلمة مساحة للحياة، لا أداة للتضليل أو الإقصاء. وتضيف بحزن: “هاجر لم تمضي بعيدًا، هي بيننا، في ذاكرة الحلم، وفي ما تبقّى من صوت، ومن قصيدة، ومن خيط أملٍ نُمسكه في الأيام الصعبة”.





