هل بلغنا أوج الكارثة التعليمية؟

أفق جديد – ابتسام عبد الرحمن

رويدا رويدا يدلف أطفال البلاد المنكوبة بالجهل والحروب صوب نفق المجهول. وطبقا ليونيسيف فإنّ جيلاً كاملاً من الأطفال في السودان تعصف به أسوأ أزمات التعليم على مستوى العالم، جنبا إلى جنب أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم.

ولا يُعزى الأمر برمته لكارثة الصراع وحدها، إذ أن نحو 7 ملايين طفل كانوا خارج المدرسة بالفعل قبل اندلاع القتال، بفعل الفاقة وعدم الاستقرار. لكن البلاد التي كانت تكافح للخروج من ربقة الجهل نأت بأعباء حربية جديدة لتعبد طريقا سريعا للتشرّد، وتطل على مستقبلها من كوّة الضياع بعد انتزاعها ملايين إضافية من مدارسهم عنوةً.

وبحسب الإحصاءات الدولية فإن أكثر من 90 في المائة من أطفال البلاد -أي أكثر من 17 مليون طفل- خارج الصفوف الدراسية اليوم، من جملة 19 مليون يافع كان الأجدر أن تكتظ بهم مقاعد الدرس، لكنهم أضحوا في عهدة المنافي وملاذات النزوح.

وفي ظل التعقيدات البالغة التي تواجه العملية التعليمية، تتباين وجهات نظر المراقبين والمهتمين وأولياء الأمور إثر إعلان السلطات بولاية نهر النيل، الشهر الماضي انطلاق العام الدراسي الجديد على مستوى المراحل الحكومية والخاصة، إذ رأى البعض في الخطوة محاولة لكسب سياسي على حساب الواقع الاجتماعي.

وفي ولاية كسلا، شرقي البلاد عاد التلاميذ والطلاب إلى الدراسة، خواتيم سبتمبر الماضي، بعد تأخر العام الدراسي لعدة أسباب أبرزها تكدس المدارس بالنازحين الفارين من جحيم الحرب في الولايات الأخرى، وانتشار الكوليرا.

وقال وزير التعليم والتربية المكلف، بولاية كسلا، ماهر الحسين، إن “الوزارة أحرص على سلامة التلاميذ وأن السلطات الصحية أعطت الضوء الأخضر لفتح المدارس”.

وأوضح الحسين في تصريحات إعلامية، أن حوالي 29 مدرسة على مستوى الولاية تأوي نازحين، لكن الترتيبات مضت على أكمل وجه بعد اتخاذ الإجراءات الصحية في الرش بالمبيدات وصيانة دورات المياه.

وتحكي الأوضاع على الأرض في نهر النيل واقعا مماثلا؛ في ظل استضافة المدارس لآلاف النازحين ممن ينتظرون توفيق أوضاعهم والإجلاء وفقا للترتيبات الحكومية.

ووفقاً لتقديرات أممية، هناك 2600 مدرسة -أي نحو 13 في المائة من إجمالي المدارس في البلاد- تُستخدم دور إيواء، مما يعقَّد الجهود الرامية لتوفير بيئات تعليمية آمنة ومستقرة.

في الأثناء تترى وعود المسؤولين بجاهزية المحليات لاستقبال الطلاب من أبناء الولاية والوافدين في مقاعد الدرس.

وتقول مديرة مدرسة الأوسط بولاية نهر النيل، إيمان الفاضل، إن العام الدراسي السابق كان استثنائيا، وأتى في ظروف صعبة وحرجة، لكن تخطينا الصعوبات، وذللنا كافة التحديات، وقمنا بصيانة المدارس بالجهد الشعبي، خاصة مدارس المرحلة المتوسطة التي عادت مؤخرا.

وأشارت الفاضل في حديثها لـ”أفق جديد”، إلى إضافة 3 مدارس أخرى للعام الجاري ليبلغ العدد الكلي 11 مدرسة بالعون الذاتي.

لكن الوافدة أم أحمد ترى أن الوضع مازال يتطلب مراجعة فيما يتعلق بتوفير الكتب المدرسية والمقاعد الدراسية، مشيرة إلى هناك مشكلة أخرى تواجه الطلاب تتمثل في وجبة الفطور، بخلاف ما تسميه كذلك بـ”المعاملة السيئة لطلبة النازحين في الولاية”.

وأضافت، “لمسنا عدم التقدير لظروف النازحين، والاستهزاء بالطلبة الوافدين إلى الولاية.”

وكانت لجنة المعلمين السودانيين، اشترطت صرف رواتب المعلمين أولاً، قبل الحديث عن فتح المدارس. وطبقا لعمار يوسف، عضو اللجنة فإن قطاع التعليم تأثر بشكل كبير جراء الحرب، فبجانب عدم عودة الطلاب لمقاعد الدراسة خلال عامين دراسيين من عمر السودان ومستقبل الأجيال، كانت هناك آثار واضحة وبينة على البيئة التعليمية، إذ إن أكثر من 6000 مدرسة ما عادت صالحة للتعليم بصورة كلية أو جزئية؛ إما بسبب القصف المباشر، أو إثر تحويلها لثكنات عسكرية، أو جراء تحويلها لمراكز إيواء وباتت اليوم بحاجة إلى معالجات حتى تعود إلى البيئة التعليمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى