لا أحد ينتصر.. الجميع يخسر

أفق جديد – أبو بكر محمود

تعيش ولاية كسلا شرقي السودان المُكتظة بالنازحين؛ مأساة إنسانية بالغة التعقيد إثر تفشي “حُمى الضنك”، مع التردي البيئي للمستشفيات والنقص الحاد في الأدوية والمحاليل الوريدية.

ووفق إحصائية رسمية، فإن تفشي “حمى الضنك” في جميع أنحاء البلاد بلغ 7.6 آلاف حالة تشمل 253 وفاة.

وأبلغ مصدر طبي بوزارة الصحة بولاية كسلا، “أفق جديد” أن حالات حمى الضنك الرسمية وصلت إلى ألف و273 حالة، والوفيات المسجلة بلغت 5 حالات.

وطبقا للمصدر الطبي، فإن حالات كثيرة غير مسجلة في الدفاتر الرسمية تجري فحوصاتها عبر معامل تحاليل خاصة، وتشتري العلاج من الصيدليات الخارجية.

وأضاف، “الوضع الصحي كارثي ويمثل قمة جبل الجليد”.

بالنسبة إلى مسؤول لجنة الطوارئ الطبية بوزارة الصحة الاتحادية، د. الفاضل محمد محمود، فإن  الإصابات بـ”حمى الضنك” في تصاعد مستمر، وأن الحمى الفيروسية ليس لديها علاج سوى المسكنات.

وأشار محمود في حديثه لـ”أفق جديد”، إلى ارتفاع الوفيات بين النازحين إلى ولاية كسلا، دون تحديد أرقام محددة، لكنه أكد تقوية نظام الرصد المرضي ومعرفة نتائج الفحوصات المعملية بالمشافي الخاصة والمراكز الصحية.

وأوضح أن فترة إخماد ذروة المرض غير محددة، وأن عملية نقل “صفائح الدم” من متبرعين داخل الولاية الموبوءة ليست بالمشكلة فيما يتعلق بانتشار الوباء.

وأعلن محمود عن حملات وشيكة لرش البعوض الناقل للمرض، وهي بعوضة “الزاعجة” المصرية التي تظهر في مصادر المياه المكشوفة.

من جهته يقول مدير مركز القلب بمدينة كسلا، والسكرتير المالي لجمعية اختصاصي القلب بالسودان د. سمؤال عبد العزيز، إن “حمى الضنك قد تسبب مضاعفات في القلب خاصة إذا طال المرض المصابين بالسكري وضغط الدم.”

ودعا عبد العزيز في حديثه لـ”أفق جديد”، إلى ضرورة تكثيف الجهود لمحاربة البعوض الناقل للحمي، وطالب المجلس السيادي بالتدخل العاجل لحل مشكلات شح مراكز القلب واستكمال مركز كسلا باعتبار أن الحرب أوقفت العمليات بكل من مراكز أحمد قاسم ومستشفى القلب بمدينة مدني.

يقول المواطن، أحمد عبد الله لـ”أفق جديد”، “مع تفاقم الأوضاع الصحية بالولاية، ارتفعت الأصوات عبر منصات التواصل الاجتماعي للتبرع بالدم لإغاثة مرضى حُمى الضنك خاصة في صفوف النازحين، كما برزت إلى السطح انتقادات لتضارب نتائج الفحص المعملي الذي أربك حسابات المرضى.”

وأوضح عبد الله، أن “المدير التنفيذي لمحلية كسلا، إدريس محمد علي، أصدر مرسوما محليا قضى بمنع انتشار مصادر ومواعين المياه بالأسواق والأحياء، لكن  القرار لم يراوح مكانه ومازالت مواعين المياه منتشرة في الأسواق والأحياء السكنية التي تمثل مرتعا خصيبا لتوالد البعوض الناقل للحمى”.

من جهته يقول المواطن أحمد زين العابدين الذي نزح من مدينة سنجة حاضرة ولاية سنار جنوبي شرقي البلاد، ووصل إلى ولاية كسلا برفقة أسرته بعد 14 يوما من السير الطويل، “زوجتي أصيبت بحمى الضنك فور وصولنا إلى المدينة”.

وأضاف، زين العابدين في حديثه لـ”أفق جديد”، “بحثنا عن سرير لتنام عليه زوجتي لتلقي العلاج، وبعد جهد ومشقة وجدناه على مشفى خاص”.

وتابع، “تحسنت الحالة الصحية لزوجتي لكن الصفائح انخفضت إلى 30% بعدها لفظت زوجتي أنفاسها الأخيرة ليواري جثمانها بمقابر الختمية، وبعد أسبوع من رحيل زوجتي التحقت شقيقتي الكبرى بزوجتي بسبب تفشي حمى الضنك.

وأظهرت مؤشرات رسمية ومسح حشري أن 80% من البعوض الناقل لحمى الضنك يتكدس داخل المنازل وانبرت مجموعة تضم أطباء وشخصيات مؤثرة وإعلاميين لتنفيذ مبادرة من شأنها نظافة مصادر المياه داخل المنازل عبر السكان المحليين كل أسبوع.

يقول كادر طبي – فضل حجب هويته- لـ”أفق أجديد”، “اللافت للأنظار أن المشافي الحكومية والخاصة، اكتظت بالمرضى، والكوادر الطبية والإدارية طالها المرض، وأن مستشفى خاص أصيب طاقمه الإداري بحمى الضنك”.

وأوضح أن المرضى يضطرون لاستئجار الأسرّة لتلقّي العلاج إثر الضغط الكبير على المرافق الصحية الحكومية والخاصة.

ونوه إلى ارتفاع أسعار الأدوية والمحاليل الوردية في صيدليات المدينة، مع انعدام بعض الأدوية بسبب شح الإمداد الدوائي للولاية.

وأشار أن المبادرات الإنسانية ساهمت في توفير أدوية محاليل وريدية للنازحين الفارين من جحيم الحرب إلى ولاية كسلا.

وأكد أن السوق العام والموقف العام للمواصلات، شهد حملات للتبرع بالدم، استمرت لساعات طويلة، واعتبرها حملات مطلوبة لإنقاذ المدينة من الوضع الكارثي.

ومع تفاقم الوضع الصحي، أزاحت الهيئة الطوعية لنظافة وتجميل مدينة كسلا خلال ورشة نظمتها السبت الماضي الستار عن عدم توفر محارق للنفايات الطبية بالمستشفيات الحكومية والخاصة، وأن بعض المستشفيات ترمي نفاياتها بصورة عشوائية.

وحذرت الهيئة من مغبة نقل النفايات العادية عبر العربات البدائية التي يعمل فيها أطفال صغار، وشددت على ضرورة تسريع الخطى لقيام محارق طبية مستنكرة الطريقة التي يتم بها التخلص من النفايات الطبية بشارع الدكاترة في كسلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى