رحلة البحث عن الأمن والأمان .. معاناة النزوح العكسي

أفق جديد

مع انطلاق الرصاصة الأولى صبيحة 15 أبريل/ نيسان 2023، بمقر المدينة الرياضية في العاصمة الخرطوم، اتجه النازحون الخائفون إلى مدينة مدني حاضرة ولاية الجزيرة بحثًا عن الدفء والأمان.
لكن عندما اجتاحت قوات “الدعم السريع”، مدينة مدني عاصمة ولاية الجزيرة، في 18 ديسمبر 2023، عادت بعض الأسر إلى منازلها في الخرطوم مرة أخرى في رحلة عكسية تبين حالة عدم الاستقرار والتوتر والقلق.
وفي رحلة عكسية أخرى، اضطرت ذات الأسر إلى مغادرة منازلها في الخرطوم خاصة منطقة “جنوب الحزام”، وكانت الوجهة إلى مدن شندي وعطبرة وكسلا وبورتسودان، هربًا من القصف العشوائي والبراميل المتفجرة، والجوع والمرض ونقص الغذاء والدواء.
في خضم الرحلات العكسية، واجه النازحون مواقف صعبة؛ من فقدان الأمل ومواجهة الظروف المعيشية القاسية، والإرهاق البدني والنفسي، إثر نفاد مدخراتهم المالية، وانسداد الأفق بشأن المستقبل.
مؤخرًا ذكرت طوارئ “جنوب الحزام” على صفحتها الرسمية عبر “فيسبوك”، إن “المنطقة تشهد نزوح عشرات الأسر التي عادت عقب سقوط ولاية الجزيرة تحت شعار (الدانة ولا الإهانة)، تغادر جنوب الحزام من جديد نحو رحلة نزوح ثانية من غير أمل العودة إلا إذا “توقفت الحرب.”
تفشي الأوبئة والأمراض
بالنسبة إلى عضو غرفة طوارئ جنوب الحزام، سعد سراج، فإن المنطقة تعاني تفشي “حُمى الضنك” والملاريا والكوليرا، ما أدى صعوبة الأوضاع الإنسانية.
وأضاف سراج في حديثه لـ”أفق جديد”، “حمى الضنك أصابت أعضاء في غرفة الطوارئ والعاملين في مستشفى بشائر.”
وأوضح أن مستشفى بشائر شهدت في سبتمبر الماضي، وفاة 8 أشخاص متأثرين بمضاعفات حمى الضنك، إذ تشهد المنطقة انتشارًا واسعًا للمرض في ظل شح الأدوية في الصيدليات وارتفاع أسعارها.
وأشار سراج، إلى أن الإصابات بحمى الضنك بلغت أكثر من ألف و450 حالة، وفق آخر إحصائية للمكتب الطبي بمستشفى “بشائر” جنوبي العاصمة الخرطوم.
وأضاف، “بينما سجلت المنطقة ألف و153 حالة إصابة بالحمى الحبشية، وفق الإحصائية الرسمية.”
وتابع، “بلغ عدد الوفيات 170 حالة خلال الأسبوع الحالي”,

ونبه سراج إلى أن قسم النساء والتوليد بمستشفى بشائر أعلن الخروج عن الخدمة في 18 أكتوبر الماضي، وربما يتوقف قسم الطوارئ حال عدم توفير الدم خلال فترة وجيزة.
رحلة الشتاء والصيف
يقول المواطن، عبد الله عيسى، إن “النزوح العكسي والتنقل من مدينة إلى أخرى أشبه برحلة الشتاء والصيف – إن جاز التعبير- وكارثة حقيقية تتعلق بحياة العائلات والأفراد إذ يواجهون تحديات جسيمة، بسبب النزاع بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع”.
وأوضح عيسى في حديثه لـ”أفق جديد”، أن العائلات التي هربت من العنف تركت ورائها كل ما تملك، بما في ذلك الأحباء والذكريات في رحلة مليئة بالخوف والأمل.
من جهتها تقول تيسير المبارك، إن النازحين الفارين من القصف العشوائي والجوع، يواجهون ظروفًا سيئة، وصعوبات في العثور على المأوى، والمشاكل النفسية حول فقدان المنازل والأموال والدفء والطمأنينة.
وأشارت تيسير في حديثها لـ”أفق جديد”، أن “العائلات عانت في رحلاتها العكسية من مدينة إلى أخرى الجوع والمرض والإذلال.”
وأضافت، “لكننا نتحلى بالأمل والعزيمة وروح التضامن في أحلك الأوقات والظروف. والإرادة البشرية دائمًا ما تكون ضد اليأس.”
وتابعت، “نحاول التغلب على المصاعب والبحث عن الأمل والسلام، والعودة إلى ديارنا مرة أخرى وإعادة بناء حياتنا لنعيش في أمن واطمئنان.”
يقول نصرالدين موسى، وهو صاحب مكتب سفريات بسوق “بروس” في منطقة مايو جنوب الخرطوم، “قبل أشهر شهدت منطقة جنوب الحزام عودة بعض السكان إلى منازلهم، ما أدى إلى ركود في سوق الحافلات السفرية المتجهة إلى المدن الآمنة.
وأوضح موسى في حديثه لـ”أفق جديد”، “خلال الأسابيع الماضية، شهدت منطقة جنوب الحزام، توترًا أمنيًا وقصفًا عشوائيًا غير مسبوق، ما أدى إلى رحلة نزوح عكسية غير اعتيادية إلى ولايات السودان المختلفة الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني.”
وأضاف، “انتعشت حركة الحافلات السفرية بمعدل 10 رحلات في اليوم إلى شندي وعطبرة وكسلا وبورتسودان.”
ونوّه موسى، إلى أن أغلبية العائلات غادرت منطقتي مايو والأزهري والسلمة جنوبي الخرطوم، بسبب الانفلات الأمني لعناصر قوات “الدعم السريع”، والقصف العشوائي للطيران الحربي التابع للجيش السوداني، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وندرة الأدوية المنقذة للحياة.
وأشار موسى أيضًا إلى انقطاع الكهرباء والاتصالات عن المنطقة لأشهر طويلة، وانعدام السيولة النقدية، ساهمت جميعها في رحلة النزوح العكسي إلى المدن الآمنة الأخرى في معظم ولايات السودان.
عمليات نهب وسلب
يقول داؤود عبد الرحمن، “قررنا مغادرة منطقة جنوب الحزام مرة ثانية، إلى ولاية نهر النيل، بعد ارتفاع وتيرة العنف وعمليات النهب والسلب في المنطقة.”
وأضاف عبد الرحمن في حديثه لـ”أفق جديد”، “الانفلات الأمني تسبب في عمليات نهب وسلب واسعة النطاق، ما أجبرنا على مغادرة المنطقة، التي وصلناها في رحلة نزوح عكسي أملًا في البقاء داخل منازلنا”.
وتابع، “هناك أزمة أخرى تتمثل في ارتفاع أسعار المواد التموينية وانعدام الكهرباء والمياه والاتصالات وشح السيولة النقدية.”
وزاد، “عناصر قوات الدعم السريع تسيطر على السيولة النقدية، وتخصم نسبة 20% إلى 25 % في عملية التحويلات المالية.”
ومضى عبد الرحمن قائلا: “عناصر قوات الدعم السريع، أصبحت تتحكم في جميع المبيعات في السوق، خاصة المواد الغذائية، لذلك قررنا مغادرة المنطقة والنزوح مرة أخرى بكامل أفراد أسرتي ولن نعود إلا بعودة الأمن والاستقرار.”
من جهته يقول المواطن محمد عمر، “عائلتي الكبيرة والصغيرة عادت مرة أخرى إلى جنوب الحزام، من مدني وسنار، والآن قررنا النزوح مرة أخرى إلى مدن آمنة شمالي السودان، بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية والإنسانية والمعيشية والصحية والبيئية والاجتماعية في أحياء جنوب الخرطوم.”
وأوضح عمر في حديثه لـ”أفق جديد”، “الوجهة الجديدة إلى ولاية نهر النيل بحثا عن الطمأنينة والسلام.”
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبًا أسوأ أزمة جوع في العالم”.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” حربًا خلّفت نحو 20 ألف قتيل وأكثر من 11 مليون نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
جنوب الحزام، الخرطوم، النزوح العكسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى