كيف أثر انقطاع الإنترنت على سكان مدينة الأبيض؟
الأبيض – فتح الرحمن حمودة
يعيش المواطنون في مدينة الأبيض، الواقعة بولاية شمال كردفان غرب السودان، أوضاعًا كارثية متفاقمة نتيجة انقطاع شبكات الاتصال المستمر، ما أثر على حياتهم اليومية بشكل ملحوظ.
فالشاب “مازن”، في العشرينات من عمره، مثال على ذلك، فهو يعيل أسرته منذ اندلاع الحرب، وأصبحت الأسرة تعيش على وجبة واحدة يوميًا بعد توقف مصدر رزقه بسبب انقطاع الشبكة.
حال أسرة مازن لا تختلف عن مئات الأسر التي أصبحت تواجه ضغوطًا اقتصادية خانقة في ظل انقطاع التواصل والحصار المفروض على المدينة منذ مايو/ أيار الماضي.
ومع انقطاع شبكة الاتصالات، ازدادت الأزمة تعقيدًا؛ حيث يعاني السكان من انعدام السيولة النقدية بسبب تعطل تطبيق “بنكك” الذي يعتمد عليه السودانيون لتحويل الأموال، ما جعل الحصول على الأموال أمرًا بالغ الصعوبة، خاصة لأولئك الذين يعتمدون على تحويلات من الخارج.
وتحدثت الطالبة الجامعية “ن. ص” لـ”أفق جديد” عن آثار انقطاع الإنترنت، قائلة: “إن العزلة الاجتماعية والانقطاع عن الأهل والأصدقاء أثرا سلبًا على حياتها، ولم يقتصر التأثير على الجانب الاجتماعي فحسب، بل امتد ليشمل الجانب الأكاديمي والاقتصادي؛ حيث أصبح الوصول إلى المواد الدراسية أمرًا مستحيلًا، إلى جانب صعوبة الحصول على أموالها من التطبيقات البنكية.”
أما المواطنة “ع. أ”، فأشارت في حديثها لـ”أفق جديد”، إلى تأثير انقطاع الإنترنت على أعمالها اليومية؛ حيث بات من الصعب تلبية احتياجات أسرتها وتسيير أعمالها المرتبطة بولايات أخرى داخل البلاد، بجانب القلق الناتج عن انقطاع الأخبار وغياب التواصل مع الأهل والأصدقاء.
بينما شكا الطالب “ي. خ” أيضًا من انقطاع التواصل بينه وبين أسرته المقيمة في مدينة “أم روابة”، التي تسيطر عليها قوات “الدعم السريع”، وقال لـ”أفق جديد” إنه يعتمد كُليًا على الإنترنت في دراسته، وأصبح الانقطاع عائقاً أمام تحصيله الدراسي.
وفي خطوة متأخرة، سمحت السلطات في المدينة باستخدام أجهزة “ستارلينك” بعد سلسلة من المنع والمصادرة، وهي واحدة من القيود الأمنية التي ظلت تمارسها الحكومة على المدنيين. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن أسعار الاشتراك فيها لا تزال مرتفعة، ما أبقى الاستفادة منها شبه مستحيلة لكثير من المواطنين.
وأفادت مصادر مطلعة لـ”أفق جديد” أن الحصول على تصديق لهذه الأجهزة ليس بالأمر السهل؛ إذ يتطلب كفالة من أحد أفراد جهاز الأمن، يكون الشخص الذي يريد التصديق على رابط مع فرد الجهاز، وبالرغم من ذلك، قد تُصادر الأجهزة في أي وقت.
وأضافت المصادر بأن البعض تمكن من الحصول على تصاديق مجانية، بينما اضطر آخرون لدفع مبالغ تتراوح بين “400” ألف ومليار جنيه.
المواطن “ع. م” أعرب عن استيائه من ارتفاع أسعار استخدام أجهزة “ستارلينك”، وقال لـ”أفق جديد” إن تكلفة الساعة الواحدة تتراوح بين “3000” و”5000″ جنيه سوداني، ما يشكل عبئاً إضافياً عليه وعلى سكان المنطقة.
بينما قالت المواطنة “ص. أ” إنها لا تستطيع الاستفادة من الخدمة بسبب ظروفها الاقتصادية الصعبة، مضيفة بأن المبالغ التي قد تنفقها للتواصل مع الخارج تكفيها لتأمين احتياجات يومية لها ولاسرتها.
وقد ساهم الإنترنت في البلاد بشكل ملحوظ في تعزيز التدفقات التجارية من خلال تسهيل عمليات تصدير واستيراد السلع والخدمات، إلى جانب المعاملات البنكية التي ظل يستفيد منها المدنيون، خصوصاً خلال فترة الحرب الحالية. ومع توقفه، انقطع اتصال مدينة الأبيض بالعالم الخارجي، مما خلف حالة من الضيق والاستياء لدى المواطنين والمؤسسات على حد سواء.
هذا الوضع لا يثقل كاهل سكان المدينة وحدهم، بل يعاني أبناء المنطقة المقيمون في الخارج من صعوبة التواصل والاطمئنان على ذويهم، بالإضافة إلى معاناة التحويلات المالية الضرورية لسد احتياجات أسرهم، التي أصبحت تواجه تحديات صحية واقتصادية إضافية، أبرزها نقص الأدوية والمواد الغذائية الأساسية نتيجة عدم توفر السيولة.
الشاب أحمد كرار، المقيم خارج السودان، اعتاد التواصل الدائم مع أسرته في الأبيض، لكن انقطاع الاتصال قطع عليه هذه الطمأنينة وألقى به في قلق متزايد بسبب عدم قدرته على التأكد من سلامة عائلته، فضلاً عن صعوبة إجراء التحويلات المالية التي تعتمد عليها أسرته لتلبية احتياجاتهم اليومية.
بينما محمد الهادي، شاب آخر من أبناء المدينة، أوضح أن انقطاع الاتصال خلق حالة من العزلة التامة عن الأهل، مشيراً إلى عدم توفر أخبار دقيقة عن أوضاع المدينة، وإلى ارتفاع تكلفة أجهزة “ستار لينك” بالنسبة للأهل في الداخل.
إلا أن عبد الله بشير قال لـ”أفق جديد”، إنهم يواجهون تحديات وقلقًا مستمرًا حيال أوضاع أسرهم وأهلهم، إذ يواجهون صعوبة كبيرة في التواصل والاطمئنان عليهم. ورغم أن خدمة “ستار لنك” تعد الوسيلة الوحيدة المتاحة، إلا أن الوصول إليها صعب ومكلف. ويضيف بأن تعقيدات التحويلات البنكية أثرت سلباً على قدرة الأهالي في الحصول على مصاريفهم، إلى جانب التحديات المرتبطة بالإنتاج بالنسبة لسكان المنطقة.
ويواجه المغتربون من أبناء المنطقة مشاعر من الخوف والقلق المتزايد على أوضاع أسرهم في ظل أجواء الحرب، إذ باتوا يجهلون أحوال أحبائهم، وامتلأت مجموعاتهم على منصات التواصل الاجتماعي بأسئلة مليئة بالشفقة والاهتمام حول مصير أهاليهم والمجريات في مناطق النزاع، لكن تلك الأسئلة غالباً ما بقيت بلا إجابة، تاركةً المغتربين في حالة من الحيرة والاضطراب.
ومع اندلاع القتال بالعاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، شهدت مدينة الأبيض، حاضرة ولاية شمال كردفان، مواجهات عسكرية دامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى وسط المدنيين جراء القصف العشوائي المتبادل.
ومنذ 15 أبريل/ نيسان 2023، تحاول قوات الدعم السريع دخول المدينة التي ما زالت تسيطر عليها قيادة الفرقة الخامسة مشاة التابعة للجيش السوداني؛ لتمتعها بموقع استراتيجي في غرب البلاد، حيث تضم أكبر سوق لمحصول الصمغ العربي على مستوى العالم، وأسواقًا أخرى للمحاصيل والماشية، إلى جانب ارتباطها بطريق الصادرات الرابط بين ولايات غرب السودان المختلفة