صقور الجديان إلى “الشان” و”الكان” ونظرة إلى العالم.. ماذا ينتظر ساسة السودان!!

 

د. أكمل طه حسين

 فرحة جامعة لأهل السودان عقب خبر تأهل صقور الجديان منتخب السودان الأول لكرة القدم لنهائيات “الشان” فبراير المقبل 2025 في ثلاث دول، سبقها تأهل الصقور لنهائيات “الكان” المغرب نهاية عام 2025، مع نظرة مستقبلية كما يقول أهل المال والاقتصاد للتأهل لنهائيات كأس العالم في متبقي المباريات التي يقف السودان على رأس إحدى مجموعاتها، حُق للشعب السوداني أن يفرح أيما فرح وهو الذي حرم منه نحو عام وثمانية شهور يعدُها بعضهم بالسنوات العجاف، مات فيها من مات بالقهر لترك منزله، أو بالجوع، أو بغيرها فطعم الموت واحد وإن اختلفت أدواته.

لماذا لا يفرح هذا الشعب وهو الذي لم يعرف الفرح خلال الحرب الحالية فقط، فمآسي السودانيين أكثر من أن تعد وتحصى، مليون ميل مربع تقلصت لاحقًا تنعم بكل خيرات الأرض من ماء وأرض وإنسان وموارد والمحصلة، الملاريا تقتل الآلاف سنويا، والآلاف من صغار السن يفارقون مقاعد الدرس لبيع” الأكياس في الأسواق عندما كانت هناك أسواق”، والنساء الحوامل يعانين الوصول للمستشفيات، ويهرع الناس لتعدين الذهب وترك مهن عظيمة مثل التدريس ليعالجوا أوضاعهم الاقتصادية مستخدمين السيانيد ليعجلوا بالسرطانات أشكالًا وألوانًا.

في هذه الفرحة بما حققه صقور الجديان من إنجازات وانتصارات أليس من الحكمة أن يأخذ ساسة السودان درساً من هذه المسيرة، كيف تجمع هؤلاء الشباب وفي أشد الأوقات قتامة وألمًا ليحولوا هذه الآلام والقتامة إلى أفراح داخل كل بيت سوداني، فالنتيجة أن لا مستحيل مهما كانت الأحوال التي يعيشها البلد أو الشعب، فقد مللنا تكرار تجربة رواندا في التعافي من الحرب الأهلية فلا آذان صاغية، ولا تطبيق على أرض الواقع وما أكثر العبر من حولنا والدروس وما أقل المعتبرين في ربوع بلادي من السياسيين، لذلك دعونا نأخذ من تجربة المنتخب السوداني الأول لكرة القدم هذه المرة العظة والدرس ونستهدي بها في مقبل الأيام، فعندما يمرر “محمد مصطفى” أو “أبوعشرين” الكرة لزميل له من المدافعين فليكن “كرشوم” الذي يمررها بدوره إلى “عبد الرؤوف” ومن ثم إلى “محمد عبد الرحمن” الذي يحرز هدفًا.

هذه المعادلة المبسطة دعونا نطبقها على أرض الواقع سياسة لنرى إلى أين ستقود، فإن قادتنا إلى “خارج الخشبات” كما يحدث دائمًا في مشهدنا السياسي منذ الاستقلال إلى يومنا هذا الذي وصل العام 69، دون تنمية ولا وحدة ولا إنتاج ولا تطور، فإن لم يُحرز الهدف المنشود وهي اللاءات سابقة الذكر فعلى الساسة أن يعترفوا أنهم غير قادرين على الخروج بالسودان من المأزق الحالي وليعلنوها للملأ فالاعتراف بالخطأ خير من التمادي فيه وليفسحوا الطريق لغيرهم، فبعد أن كان السودان في ثمانينيات القرن الماضي رجل إفريقيا المريض فهو الآن في أشد حالات الإعياء والمرض والسبب نخبته السياسية، ألم يقل المفكر الراحل منصور خالد – عليه الرحمة – إن هذه النخبة أدمنت الفشل!!

صقور الجديان وصلوا إلى نهائيات “الشان” بينما شأن السياسة في السودان وأحوال البلد بصفة عامة في محل السر لم تفارق ذاك المشهد حينما اختلفوا عند إعلان الاستقلال في الاتحاد أم لا وعندما تم حل البرلمان الذي كان سيضع اللبنة الأولى للدولة المدنية، ثم من بعدها عندما استعان الساسة بالجيش ليغير المعادلة السياسية، وهكذا أصبح شأن السياسيين ينقضون الغزل مرة تلو الأخرى، ثم إن صقور الجديان حلقوا وحجزوا مقعدا في “الكان” بينما لا تزال السياسة والاقتصاد في بلادي في خبر كان لم تفارقه طوال 69 عاماً هشاشة وتشظيًا وفقرًا ومرضًا وفوق كل ذلك نزوحًا وتشردًا، لا أحد يعرف له نهاية ولا مدى، ثم إن صقور الجديان يتطلعون إلى المشاركة في تصفيات كأس العالم المقبلة 2026، وعشمنا كبير في حصولهم على هذا المقعد الذي يستحقونه عن جدارة، والسودانيون يتطلعون إلى احتفالات عيد الاستقلال الـ 69 بعد أيام قلائل فهذه دعوة لساسة بلادي أن يوحدوا كلمتهم ويضعوا هذا الشعب في أولويات أجندتهم ويتناسوا خلافاتهم ويضعوها جانبًا ولو قليلًا لتهدأ أنفاس هؤلاء النازحين الكادحين المتعبين من رهق الحرب والتشظي والأنانية والإفقار الممنهج، ليتواثقوا على ميثاق جديد اسمه سودان على نهج صقور الجديان بكل سحناتهم وألوانهم وأعراقهم وقبائلهم وأعمارهم، همهم إحراز الهدف هنا بمعنى الفوز وفي السياسة بمعنى إعلاء اسم السودان وغخراجه من وهدته التي طالت، وبناء دولة الإنسان بعيدًا عن العصبية والقبلية والحزبية قولًا وفعلًا، ليكن الاختلاف فيمن يرفع راية السودان بالبرامج التنموية والإعمار والوحدة، لا أن يكون الخلاف فيمن يحكم السودان لأن الحكم تكليف لا ميزة فيه إلا بقدر العطاء ونجاح المشروعات التنموية لا بمقدار الوزارات والإدارات التي يتولاها السياسي.

صقور الجديان حلِقوا أكثر للأعلى لعلّ هناك من يأخذ الدرس منكم!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى