تلويحة الوداع بعيدة المنال

دارفور... مساعي الانفصال تهزمها الروح الوحدوية

“أيُّ انفصال تخشون وعلى ماذا تتباكون”؟!

الانفصال قد وقع وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان، لم يتبق إلا الإعلان الرسمي، إذا تشكّلت “حكومة السلام” المرتقبة أو لم تتشكل فدارفور الآن تلوِّح تلويحة الوداع الأخيرة، كلُّ شيء يقول إن هذا الإقليم الذي إنضم إلى الكيان الجغرافي المسمى بالسودان في العام 1905م لم يعد الآن جزءاً منه، ووجود مناوي وجبريل وتنمبور في صفوف القوات التي تقاتل الدعم السريع هو وجود مؤقت رهين الوقت فقط، الاصطفاف الآن بات واضحاً، ولا يمكن  التغافل عنه. بتلك العبارات حدثني الأكاديمي وابن إقليم دارفور آدم حسين الفضل، مضيفاً “أن إدارة الصراع بهذه الطريقة الطفولية التي تتم فيه خطل كبير”.

يقع إقليم دارفور في الجزء الغربي من السودان الحالي بين كردفان شرقاً وتشاد غرباً، ويمتد جنوباً إلى بحر الغزال وشمالاً إلى الصحراء الليبية. 

وبحسب دائرة المعارف البريطانية، فإن العرب يشكلون منذ فترة طويلة أغلبية السكان في الجزء الشمالي من دارفور، بينما يهيمن العرب والفور على الجزء الجنوبي، ومن بين المجموعات العرقية الأخرى في الإقليم، شعوب البجا والزغاوة والنوبة والداجو.

يتغافل الكثير من المراقبين عن أن ما يجري الآن من خطوات يهدف إلى ترتيب المشهد ليلوِّح هذا الإقليم الشاسع والغني بالموارد تلويحة الوداع، الأخيرة، وتتكامل عوامل عديدة لجعل الانفصال الذي يتفق الكاتب الصحفي السوداني المهاجر عثمان ميرغني والناطق العسكري باسم حركة العدل والمساواة العميد حامد حجر، على استحالته، تجعله للواقع أقرب، فتكثيف القصف بالطيران، إلى جانب الإجراءات الإدارية التي اتخذتها حكومة بورتسودان بإقامة امتحانات الشهادة السودانية، وتغيير العملة في ولايات دون الأخرى، مصحوب كل ذلك بخطاب موغل في الكراهية، يصدره منسوبو الحركة الإسلامية تجاه إنسان دارفور، لم تسلم منه حتى الحركات المتحالفة مع الجيش، يمثل الخطة الممنهجة التي يسعى التنظيم الإسلامي إلى تحقيقها. 

قصف الطيران:

تشهد العديد من مدن الإقليم قصفاً متواصلاً عبر الطيران. ويقول عدد من سكان الإقليم إن الطيران -في كثير من الأحيان- يستهدف التجمعات المدنية، لافتين إلى أن الخطاب الداعي لدك ما يعرف بحواضن الدعم السريع يجعل الأمر وكأنه متعمد. 

وفي نيالا، وصف شاهد عيان من مدينة بجنوب دارفور غارة الجيش على منزل بحي الوادي غرب بأنها جريمة مروِّعة، وتُشكل تصعيداً خطيراً في مسلسل الجرائم والمجازر غير المسبوقة في تاريخ حرب السودان المستمرة للشهر العشرين على التوالي، والتي تُرتكب في مدينة نيالا بشكل متكرِّر بواسطة الطيران.

والخميس الماضي، شنَّ الطيران غارة جوية استهدفت منزلاً في حي الوادي غرب، ما أدى لمقتل عائلة مكونة من 6 أشخاص بينهم طفلة، وقال شاهد عيان إن المواطن مصطفى يعقوب وزوجته وابنته، وشقيقتي زوجته وطفلة لقوا حتفهم جراء الغارة.

وتعد مدينة نيالا من أخطر المدن بسبب الغارات الجوية المتكررة، وازدادت حدة القصف في الآونة الأخيرة بسبب هبوط طائرات مجهولة بشكل متكرر في المدينة.

وأبلغ العديد من المدنيين “أفق جديد”، أن هذه الهجمات المتواصلة وغير الدقيقة أدت إلى ارتفاع كبير في أعداد القتلى في صفوف المدنيين في الأشهر الأخيرة.

وفي 17 ديسمبر الحالي، تعرّضت مدرسة نيالا الثانوية التي تُعد مركزاً لإيواء 200 أسرة نازحة من مدينة الفاشر لقصف أسفر عن مقتل شخصين وإصابة أكثر من 20 آخرين بجروح. ووقتذاك وصف رئيس الإدارة المدنية التابعة لقوات الدعم السريع محمد أحمد حسن القصف بـ”الممنهج” ضد الأبرياء العزل.

رعب المدنيين: 

وصف أحد سكان مدينة نيالا لحظة سماعه تحليق طائرة حربية تابعة للجيش بأنها أشبه بـ”فليم رعب حقيقي”.

وقال أحمد: “لحظة قدوم طائرة الجيش المقاتلة نعيش رعباً حقيقاً، ويصبح الوضع فوضوياً لا يوصف، بينما الأرض ونوافذ المنازل، والأبواب، والغُرف تهتز من قوة القصف”.

وأضاف: نحن نعيش مأساة مضاعفة، فبجانب الوضع الأمني المتردي، والأزمة الإنسانية المتفاقمة، والفراغ الأمني يزداد حالنا سوءاً بالتزامن مع غارات جوية عشوائية لا يعرف لها نهاية.

ردّات فعل متفاوتة ظلّت تخلّفها الغارات الجوية على سكان مدينة نيالا، وتركت في نفوسهم صدمات جديدة تنضم إلى رصيد صدمات الحرب التي اندلعت قبل عام ونيف.

“ما أن يقترب دوي الطائرات الحربية يتسبد الخوف زوجتي وأطفالي، لا أحد يملك اليقين أنه سيبقى حيَّاً حتى مغادرة الطائرة، نتخيل أن نكون أشلاءً متناثرة، أخشى على أطفالي، لكنني أطمئنهم وأدعو الله بأن يحفظنا”. يحكي أحمد “اسم مستعار” الذي يقطن بحي دريج المتاخم لمطار نيالا معاناته مع قدوم طائرة الجيش الحربية.

قد لا يستغرق الأمر أكثر من جولة مختصرة في شوارع المدينة أثناء تحلّيق طائرة حربية ما تابعة للجيش حتى تتجلى لك بوضوح آثار الخوف والرهبة التي تعتري السكان، على وجوههم وعيونهم ومخاوفهم المتجددة على حياتهم.

وتقول أسماء محمد إحدى سكان المدينة، إنها أُضطرت لترك منزلها في حي المطار بسبب الغارت الجوية المستمرة، حيث لم تعد تشعر بالأمان فيه، وخشيت على حياتها وحياة أبنائها، مشيرةً إلى أن الوضع هناك أصبح مخيفاً للغاية بسبب الغارات الجوية شبه المستمرة على المطار. 

وأوضحت أن السكان بحاجة ماسة لتدخل دولي لوقف الهجمات الجوية وحماية المدنيين، حيث لا يمكنهم تحمل المزيد من الخسائر، مضيفة “لقد دمرت الحرب حياتنا وأحلامنا، نناشد المجتمع الدولي ببذل مزيد من الجهود لإيقاف الحرب وإحلال السلام والأمان في السودان ومدينتنا”.

 وتصاعدت حدة المطالب بتفعيل قرارات مجلس الأمن القاضية بحظر الطيران في دارفور، في أعقاب الغارات المكثفة التي شنها الطيران الحربي التابع للجيش على سوق محلية الكومة ومليط بولاية شمال دارفور في 4 أكتوبر الماضي والتي أدت وقتذاك إلى مقتل وإصابة أكثر من 300 من السكان، بحسب المصادر المحلية.

أما الأوضاع في مدن الضعين، وزالنجي، وبابنوسة والفاشر لا تقل عن تلك التي استعرضناها في نيالا، إذ يقوم الطيران بطلعات شبه يومية قاصفاً تلك المدن ذات الكثافة السكانية العالية بالبراميل المتفجرة.

وطالبت كلٌّ من كتلة منظمات المجتمع المدني بدارفور، وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، وهيئات حقوقية، المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف الهجمات الجوية التي ينفذها طيران الجيش والتي أدت إلى سقوط عشرات الآلاف من المدنيين منذ إندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023م.

وفي 10 ديسمبر الماضي، قال الجيش السوداني في بيان، إن بعض الجهات السياسية المحسوبة على الدعم السريع -لم تسمها- درجت على ترويج الأكاذيب عقب كل استهداف تقوم به قواتنا لمواقع نشاط المتمردين في الوقت الذي تلتزم فيه الصمت حيال الفظائع والانتهاكات المتعمّدة والمروعة التي ترتكبها المليشيا بحق مواطنينا والأعيان المدنية بجميع أنحاء البلاد.

وأكد الجيش وقتها استمرارهم في ممارسة حقهم المشروع في الدفاع عن البلاد والتعامل بالأسلوب المناسب مع أي موقع أو مرفق تستخدمه المليشيا وأعوانها للأغراض الحربية ضد الدولة السودانية، مضيفاً -بحسب البيان- تقيدنا التام بقواعد الإشتباك والقانون الدولي الإنساني في استهداف الأهداف المعادية.

ويقول الدعم السريع إن الطيران الحربي لا يغيب عن سماء دارفور، وإن عدد طلعاته اليومية منذ بداية الحرب لا تقل عن 3 غارات يومية على مختلف المدن وتصل في بعض الأحيان إلى خمس طلعات، كما حدث بنيالا مؤخراً. وقدر الدعم السريع عدد الضحايا بما لا يقل عن ألفي مواطن مدني، في مدن الفاشر، ونيالا، والجنينة، وزالنجي، وبابنوسة، والضعين، مؤكداً أن ما لا يقل عن 9 ملايين مدني هم مجموع سكان دارفور الآن، في دائرة الخطر.

شبح الإنفصال:

في الأثناء، يرى مراقبون أن تحركات الإسلاميين تسعى جاهدة إلى فصل الإقليم، من خلال تكثيف قصف الطيران والضغط على الحركات المتحالفة مع الجيش واتهامها بالفساد، إلى جانب تغيير العملة وإجراء امتحان الشهادة السودانية دون أبناء الولايات الغربية. في ذات الاتّجاه يتم تفسير تأسيس الدعم السريع لإدارات مدنية في مناطق سيطرته، خطوة نحو التقسيم.

القيادي بلجان المقاومة أحمد السيد، ذهب إلى أن الوضع في دارفور معقد للغاية، وهناك تكهنات حول احتمال انفصال الإقليم عن السودان بسبب القصف المستمر، إضافة إلى أن الضغط على الحركات المتحالفة مع الحكومة، قد يزيد من التوترات ويؤدي إلى تفاقم الوضع، مما يمهد الطريق لانفصال الإقليم، ومع ذلك، فإن تحقيق الانفصال يتطلب عوامل متعددة، يشمل ذلك الدعم الدولي والإرادة السياسية من جميع الأطراف المعنية بالأزمة السودانية. ويمضي السيد إلى أن، قائد الدعم السريع، شدد على وحدة السودان، وسيادة أراضيه، خلال خطاب اتّهم فيه مصر بقصف قوات الدعم السريع بالطيران الحربي، لكن ذلك لم ينقص من تشدد الإسلاميين تجاه فصل الإقليم كعادتهم دائماً، وتصاعدت دعواتهم تلك عقب إعلان الدعم السريع تشكيل الإدارات المدنية لإدارة شؤون الحكم في المناطق التي تسيطر عليها.

انفصال دولة جنوب السودان، وجد وقتها دعماً من القوى السياسية الجنوبية والجماهير وجدت أن خيار الانفصال هو الأنجع لآلامها الأزلية، ترى هل يفكر الدارفوريون بذات الرؤية؟ الأستاذ هشام محمد قال: إن محاولات الإسلاميين فصل دارفور لم تبدأ مع موجة قصف الطيران فحسب، الذي يعتبر حلقة في سلسلة إجراءات كثيرة، فقد ظهرت مع بدايات الحرب في دارفور بشحن صدور المجتمعات المحلية، وإشعال الفتن هذا ضد هذا، بعدها مرحلة (شيلو تاركم)، والاتّهامات بعدم سودانوية هذا وذاك… ثم الآن مرحلة الجوازات وتغيير العملة والامتحانات.

ويمضي: ما يحدث الآن ضغط لدفع البعض لطرح خيار الانفصال، لأنه لا يمكن قانونياً ولا دستورياً الآن بتر أحد أطراف البلد، أو حتى المطالبة بذلك، فالرأي أن يدفعوهم إليه دفعاً، لكنهم تناسوا إرادة الشعوب، والانفصال ليس خياراً مطروحاً للدارفوريين أو (الكردافة) (كردافور)، وحتى إذا فرضنا ذلك جدلاً، فحدود دارفور وكردفان، شمالاً مصر، وشرقاً أمدرمان، فهل سيقبلون بهذه الخارطة.

البعض يرى أن حرب الخامس عشر، أخرجت أثقال النعرات القبلية والعنصرية، وما يتبدى الآن في سوح القتال، يحمل موروثات العنصرية والجهوية، التي تأسست في بدايات السودان الحديث وتمتد جذورها حتى الدولة المهدية. الصحفي والسياسي حافظ كبير، قال لـ”أفق جديد”: هناك تيار عنصري داخل الإسلاميين، يتعامل مع الدولة منذ سيطرتهم عليها في انقلاب الإنقاذ 1989م، ويرفض الآخر من دوافع أيديولوجية وعنصرية، هذه الصفات أصيلة في هذا التيار، وليست مرتبطة بالصراع السياسي وتداعياته، وعندما كانت الخيارات أمامهم بفصل الجنوب، أو التنازل قليلاً من أجل الوحدة وفق أسس جديدة؛ اختاروا الانفصال للمحافظة على مصالحهم الضيقة. وها هو الصراع السياسي يعود من جديد إلى محطة مفصلية من تاريخ البلاد، فاستخدم هذا التيار كل إمكاناته العسكرية والاقتصادية وخطاب الكراهية عبر الآلة الإعلامية المملوكة للدولة، عندما اقتربت الساحة السياسية من الوصول إلى اتفاق تاريخي يضع السودان في مرحلة جديدة للانتقال السياسي من حالة الصراع والعسكرة، إلى الاستقرار السياسي والحكم المدني الديمقراطي. 

ويمضي حافظ: لا أعتقد أن تيار الإسلاميين العنصري سينجح هذه المرة في فصل دارفور، مثلما نجح سابقاً في فصل الجنوب، لأن القوى السياسية المدنية، والمكونات الاجتماعية وحتى العسكرية المناوئة له، أقدر على مواجهة هذا التيار بأدوات شتى، وقادرون على هزيمته في ظل وعي سياسي يتجاوز الأطر الضيقة، وانفتاح على التعدد، وقبول الآخر. ورغم الصراع العنيف، المستمر منذ أبريل 2023م، والتداعيات الفظيعة التي تركها في الوجدان السوداني، إلا أن الوعي السياسي بالمصير المشترك لشعوب السودان في مختلف الأقاليم، متعاظم ومجمع عليه في الرأي العام والنخب والأغلبية العظمى من السودانيين. قضية الوحدة الوطنية مركزية لدى الجميع، والتيار العنصري مدحور ومهزوم لا شك في ذلك. 

من ناحيته، يقول القيادي الشاب إيهاب مادبو: ربما يذكر من عايش فترات ما قبل دولة الأخوان المسلمين، أن المطالبة بحق تقرير المصير والانفصال لم يكونا جزءاً من الأجندة السياسية للحركة الشعبية لتحرير السودان، أكبر الفصائل السياسية والعسكرية المناضلة من أجل حقوق السودانيين المهمشين في الجنوب وخارج السودان النيلي الأوسط، وقتها، كان سقف مطالب الحركة الشعبية في اتفاقية الميرغني قرنق 1988م، هو مؤتمر دستوري يؤسس لسودان جديد، قائم على المواطنة المتساوية والتنمية المتوازنة والهوية الجامعة، لكن الأخوان المسلمين استبقوا موعد انعقاد المؤتمر الدستوري بانقلاب 1989م، وفور وصولهم للحكم أعلنوا الجهاد الحربي على أهل جنوب السودان، ليفرضوا عليهم مشروعهم لـ”الأسلمة والتعريب” المسمى المشروع الحضاري. وعندما فشل الجهاد الحربي لعشرين عاماً من تحقيق أي هدف أمام صمود أهل الجنوب، فصلت الحركة الإسلامية جنوب السودان، بحجة أنه كان أبعد مما يمكن استيعابه في النصوص النفسية والفكرية والسياسية لبقية السودانيين، على حد كلمات نائب أمين عام الحركة الإسلامية وقتها. وقبل فصل الجنوب كانت الحركة الإسلامية قد طورت أيضاً استراتيجيتها للحكم لبقية السودان، وذلك في وثيقة شهيرة عرفت بـ”مثلث حمدي”، مضمون هذه الاستراتيجية أن “حواضن” الحركة الإسلامية “الحقيقيين” موجودون في مثلث جغرافي رأسه مدينة دنقلا وتمتد أضلاعه معها إلى الأبيض وسنار، وأن على الحركة أن تركز دعوتها وجهدها التنموي على هذا المثلث، ولا تبدد طاقاتها خارجه، بل وأن تتخلص منهم إن أصبحوا عبئاً عليها. وهو ما تحقق مع جنوب السودان.

ويمضي مادبو: اليوم، وبرغم كل الحجج التي تدعي العكس، يعود الأخوان المسلمون لنفض الغبار عن استراتيجية “مثلث حمدي”، بعد أن أصبحت دارفور، في تصورهم، عبئاً على مشروعهم للعودة إلى السلطة والحكم الأبدي. وكما يعلم الجميع نشطت دوائرهم الإعلامية خلال هذه الحرب في تغذية بطارية الصراع بخطاب العنصرية والكراهية ضد إنسان دارفور وكردفان، ونتج عن ذلك صناعة خطاب تحريضي ضد مكونات غرب السودان، بهدف تحقيق تطلعاتهم في فصل ذلك الجزء من الوطن. تتركز استراتيجية الإسلاميين من خلال قصف الطيران الممنهج للمواطنين، لانتزاع رغبتهم في الانفصال، وتحقيق استراتيجيتهم في جعل الأمر يبدو من أهل دارفور قراراً مصيرياً ضد البقاء في السودان موحداً، ولذلك هم يستهدفون المواطنين في الأساس، بغرض تفجير كوامن الغضب والتفكير جلياً في الانفصال. تقوم سياسة الأخوان على القصف الجوي، كذلك بالتركيز على المجموعات السكانية من غرب السودان، في مدن خارج جغرافية دارفور مثلما يحدث لمناطق جنوب الحزام “أمبدات، سوق ليبيا والعزبة”، وذلك يأتي في سياق إبادة هؤلاء على أساس التنميط الاجتماعي والثقافي.

غير أن الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي فتحي فضل، لا يستبعد إنفصال إقليم دارفور، وقال في حديث سابق إن احتمالية انفصال إقليم دارفور ليست مستبعدة، وأشار إلى أنه من المؤكد أن تقسيم السودان إلى دويلات هو مخطط قديم للقوى الإمبريالية الساعية للسيطرة على موقع السودان الجيوسياسي.

في حديث نقله عنه راديو “تمازج”، شدد فضل على أن التصدي لهذه الأطماع يعتمد على قوة وتماسك الجبهة الداخلية للقوى السياسية السودانية. 

ولم ينس فضل أن ينتقد المجتمع الدولي قائلاً إنه يسعى لإضعاف القوى السياسية ودفعها نحو الإنقسام، مستشهداً بمؤتمرات برلين وباريس التي دفعت بعض القوى السياسية للمشاركة في انتخابات 2020م، رغم قوة الحركة الجماهيرية الساعية لإسقاط نظام البشير.

خطوات الإسلاميين رغم قوتها، ربما تصطدم بخيارات الدارفوريين تجاه سودان موحد، على طريقة القائد الدكتور جون قرنق دمبيور، الذي ذهب بأحلامه التي اتّضح -على طاولات “نيفاشا”- أنها كانت تخصه وحده، الحديث الآن عن رؤية انفصالية حسب استطلاعات “أفق جديد” لا تمضي في اتجاه أهواء الانفصاليين، بل إلى سودان موحد، فهل تهطل غمامة حرب الخامس عشر من أبريل على السودانيين بأمطار السلام والوحدة؟ أم سيمضي السودان في اتّجاه التقسيم؟

وهو ما يؤكده حديث المتحدث العسكري باسم حركة العدل والمساواة المتحالفة مع الجيش في معركته ضد الدعم السريع العميد حامد حجر وهو يقول لـ”أفق جديد” لا يمكن لإقليم دارفور أن ينفصل، معدداً أربعة أسباب لذلك في مقدمتها عدم توافق كل القبائل مع وجهة نظر الدعم السريع، إلى جانب أنه ليس هناك قبائل أفريقية تتضامن مع طرح قبيلة الرزيقات السياسي في دارفور، وبالتالي محال أن تنفصل بجغرافيا البلد في ظل عدم وجود إجماع.

ويقول حجر الذي حاول في حديثه مع “أفق جديد” أن يرمي الدعم السريع وتحالف القوى المدنية الديمقراطية تقدم بالسعي للإنفصال “أن القوات المشتركة رقم لا يمكن تجاوزه لناحية استقرار دارفور للحالمين بدولة أو إنفصال، وستواجههم القوات المشتركة والجيش بقوة”، ويضيف “رغم مشاكسات تقدم والكلام في مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الواقع يقول بصعوبة تكوين حكومة فيما تسمى بالأراضي التي تسيطر عليها تقدم “الجنجويد”، وبالتالي يعتبر ذلك الحديث إستهلاكاً إعلامياً وسرعان ما يحرر الجيش والمشتركة هذه المساحات المزعومة”.

وبشأن مساعي الحركة الإسلامية البائنة لدفع مكونات إقليم دارفور إلى الاصطفاف مع بعضها بعضاً من خلال القصف بالطيران، وبث الخطاب العنصري يقول حجر “بالعكس، الإصطفاف سيكون لكل الشعب مع الجيش ومؤسسات الدولة”، فالتمرد أثبت -طبقاً لحجر- ومع مرور الأيام بأنه مليشيات جاهلة بصناعة الدولة وجاهلة بقانون الحرب وغير مكترثة بالقانون الدولي الإنساني، لذلك، الشارع السوداني سينحاز كلياً للجيش لحماية وجود السودان، أما الأحزاب الشمالية القديمة ونفوذ اليسار السوداني فيها من خلال (تقدم)، فإنها تظل بفعل أقل مما تستطيع لأنها لا تستطيع هزيمة الجيش وفرض أمر واقع.

ويظل الأمر شقشقة لليسار بشعاراته ضد اليمين والكيزان، لكن الشعب واعٍ لألاعيب الطرفين، ويردف نحن في القوات المشتركة لسنا في معرض صراع الأيديولوجيات ولا يهمنا ذلك، نحن مصلحتنا في بقاء السودان القديم وإصلاحه، كما سبق وأن طرحنا في اتفاقية جوبا للسلام، وفي الدوحة وأبوجا. نحن مع بقاء مؤسسات الدولة ولا نراهن على سراب بقيعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى