الدلنج.. صرخة استغاثة يجيبها الصدى

الأبيض: قرشي عوض

حذر ناشطون في مجال العمل الإنساني من أن العام القادم سيكون الأسواء على حياة النازحين في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان. مشيرين إلى الناس هناك سيجابهون ظروفًا مشابهة لتلك التي واجهوها في شهر يناير الماضي، التي لولا نجاح موسم الخريف لما تمكنوا من تجاوزها. 

وقال مصدر – فضل حجب اسمه – إن نجاح الخريف لم يساعد في إنجاح الزراعة حول المدينة أو في الأرياف لانعدام الأمن. مشيرا إلى أن النازحين والأهالي اضطروا إلى تناول أوراق الأشجار وبعض الأعشاب التي اتضح أنها سامة وتسببت في وفاة الكثير من الأطفال، ما دفع بعض الناشطين إلى إطلاق مبادرات توعية بشأن أنواع النبات وأوراق الأشجار التي يمكن تناولها. 

قوات الحركة الشعبية – جناح الحلو تحاصر المدينة من الجنوب وتمنع دخول السلع التي كانت تأتي من منطقة تسمى (أم جمينا)، ومن الناحية الشمالية تحاصرها قوات الدعم السريع وتمنع عنها وصول الإمداد من كوستي، أما الطرق الجانبية فتنتشر فيها عصابات النهب المسلح (الشفشافة). 

ووفقا لهذه الظروف فإن السلع والبضائع تصل إلى الدلنج عبر التهريب ما بين 12-10 جولات من الذرة لكل السكان، وهي كمية قليلة لا تصلح  لصناعة كسرة الخبز فتقوم الأسر بسلقها (بليلة). 

وبحسب تاجر يعمل بسوق المدينة، تحدث لـ”أفق جديد” فإن سعر كيلو الدقيق وصل في أوقات اشتداد الحصار إلى ٨ آلاف جنيه، وملوة الذرة إلى ٢٠ ألف جنيه،  وكل من العدس والأرز وصل الكيلو إلى ١٢ ألف جنيه والسكر ١٠ آلاف ورطل الزيت ٦ آلاف وكيلو الملح ٧ آلاف جنيه.

 إلى ذلك أضاف المصدر في إفادته لـ”أفق جديد” بأن هناك نقصا حادا في الأدوية قاد إلى وفيات كثيرة خاصة وسط مرضى القلب الذين لا تتوفر أدوية لعلاجهم، كما يتعذر نقلهم إلى خارج المدينة. فمؤسسات الدولة معطلة، واستجابة المنظمات العالمية ضعيفة وتأتي متأخرة، ويتم تقييمها بسعر الدولار، ورغم نداءات المستغيثين لكنها لا تستجيب. 

وقال ناشط مدني من أبناء الدلنج لـ”أفق جديد” إن الحديث عن المساعدات الإنسانية ليس له أي أثر على الأرض، مضيفا “الاتفاق بين دولة الجنوب وحكومة السودان لإيصال المساعدات ظللنا نسمع به منذ توقيعه، ولا نرى شيئا على أرض الواقع”. 

ويتفق الناشط المدني مع المصدر السابق في توقعه بأن العام القادم سيكون الأكثر صعوبة على حياة النازحين، لتوقف أعمال المواطنين وانعدام مصادر الدخل. كما أن المنظمات القليلة التي تعمل في توفير الغذاء سوف تغلق حساباتها بنهاية العام ولن يجد الناس حتى أوراق الأشجار ليأكلوها.

تشكل الزراعة التقليدية الحرفة الأساسية لسكان الدلنج والمناطق التي حولها، لذا ليس للمجتمع المحلي رؤوس أموال أو مدخرات مما جعل وجود النازحين يتسبب في ضغط كبير على حياة المواطنين مع قلة الدعم الحكومي. 

قبل اندلاع حرب 15 أبريل 2023 استقبلت المدينة نازحين من منطقة لقاوة، خرجوا من ديارهم بسبب المشاكل القبلية بين المجموعات العربية وقبائل النوبة مع تدخل للحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو. 

وبحسب الناشط الإنساني فإن هذه المجموعة من النازحين وجدت اهتماما في ذلك الوقت من المنظمات العاملة فأقيمت لها المخيمات وقدمت لها المساعدات من المعونة الأمريكية وبرنامج الأمم المتحدة للغذاء. 

ويضيف: بعد الحرب الأخيرة نزحت مجموعات كبيرة من العاصمة الخرطوم واستقر جزء منها في المدينة في حين ذهب آخرون إلى ذويهم داخل الجبال. وحصرت مفوضية العون الإنساني في بداية الحرب ٣٧٥٧ أسرة ورفعوا نتيجة الحصر للمانحين وسموا العملية (مشروع الطوارئ الإنسانية) من قبل ٦ – ٧ أشهر. 

ويتابع في إفادته بقوله “لكن استفاد من المساعدات ٢٢٠٠ شخص. ولم تصرف لكل الأسر المنحة المقدرة بـ ٣٠٠ دولار لمدة ٣ أشهر، وقد صرفت بسعر البنك الرسمي وقتها ١٨٠٠ فتحصلت الأسر التي صرفت المنحة على ٥٠٠ ألف جنيه. 

ويواصل الناشط الإنساني سرد ما حدث ويقول “احتج نازحو الخرطوم على حرمانهم من المنحة وقابلوا السلطات المحلية التي سمحت لهم بتكوين جسم يطالب بحقوقهم باسم (منصة نازحي الخرطوم)، وتم حصر ١٨٠٠ أسرة نازحة في الدلنج من الخرطوم إضافة إلى ٣٠٠ أسرة ذهبت إلى الأرياف وأخرى عادت إلى أم درمان، ليصل مجمل النازحين القادمين من العاصمة إلى ٢٢٥٠  أسرة. 

ويتابع قائلاً “مجموعة الخرطوم واحدة من خمس مجموعات نزحت إلى الدلنج، تليها مجموعة لقاوة، التقمة، الظلطاية وهبيلة. وكلها تمثلها لجان تتعامل مع المنظمات العالمية والسلطات المحلية والادارات الأهلية. 

ويوضح أن منظمة قول قدمت منحة بمبلغ ٩٧ ألف جنيه لكل أسرة لمدة ١٢ شهرا، وذلك لمجموع ٢٥٠ أسرة. كما طرحت منظمة (آي آر سي)  برنامجا لعدد ٣٧٥٧ أسرة على وثبتين، ونوه إلى البرنامج رغم أنه صمم للنازحين لكنه شمل بعض الأهالي. 

وقال “كما أن هناك مبادرات شعبية للنازحين والمتأثرين خاصة بعد تفشي المجاعة وسط الفئات الهشة وارتفاع نسبة وفيات الأطفال، إذ قدمت المجهودات الشعبية عونا كبيرا إلى أن تمكن الناس من الزراعة وقلت تبعا لذلك حالات التسول في السوق وانخفض سوء التغذية الحاد. كما وصلت مساعدات فيها أدوية وأغذية كالدعم الذي قدمته منظمة صدقات القطرية  التي فتحت مطبخا للأطفال وكبار السن، حيث قدمت فيه وجبات لنازحي الخرطوم. 

وأكد الناشط الإنساني وجود مبادرات شعبية يمولها أبناء جنوب كردفان خارج السودان. من بينها مطبخ جماعي يدعمه السيد مبارك أردول  المدير السابق لشركة الموارد المعدنية. 

ويضيف “كل هذه الجهود قادت إلى خروج الأطفال من حالة سوء التغذية الحاد بنسبة ٨٠٪، أما الأطفال الذين يعانون من المرض فيوجودن في المناطق التي تغلقها الحركة الشعبية. وقد تبقى في المرحلة المشار إليها ما بين ١٣٠-١٤٠ طفلًا حتى الآن.

ناشط آخر من منطقة هبيلة تحدث إلى “أفق جديد” وقال إن عدد الأسر التي استقرت في مدينة الدلنج عقب اجتياح المنطقة من قبل قوات الدعم السريع يبلغ يبلغ ٢٢٠٠ أسرة. مشيرا إلى ظل يموت منهم يوميا ما بين طفل إلى طفلين بسبب سوء التغذية الحاد. 

وناشد ناشطون أبناء المنطقة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والمجتمع المدني المحلي، وكل مواطن سوداني بالتدخل لإنقاذ الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل وأصحاب الحالات الخاصة. 

وأكدوا أن أغلب الأسر تناولت في فترة المجاعة والضيق السابقة أوراق الأشجار – وهو وضع لم يعد متاحا بعد نهاية الخريف -. منوها إلى  نفاد المِنح التي قدمت للنازحين مثل مِنحة عضو مجلس السيادة الفريق  شمس الدين كباشي، التي شملت 791 أسرة بواقع 9400 جنيه للأسرة الواحدة، وذلك من أصل 1100 أسرة. كذلك المنحة الصينية عبر حكومة الولاية التي قدمت 2 كيلو دقيق للأسرة. ومنظمة (قول) التي وفرت عيادة طبية جوالة وبرنامج (سقيا)، بينما وزعت منظمة (بلان سودان) مبلغ 700 ألف جنيه لكل أسرة، وقد غطت هذه المنحة عدد 700 أسرة من مجموع 1100 أسرة. 

وأشاروا إلى أن منظمة (آي آر تي) وعدت بتقديم منح لعدد 700 أسرة لم تحدد قيمتها بعد. ويضيف مستدركا “لكن غلاء الأسعار أغلق نافذة الأمل التي فتحتها هذه المنح، مما جعل المبالغ المقدمة لا تكفي الأسرة لمدة 15 يوما. 

وكان والي ولاية جنوب كردفان تبرع بعدد 115 جوال من الذرة بواقع 3-4 ملاوي للأسرة. كما وزعت بعض المنظمات موادا عينية من دقيق وزيت وأرز وعدس لعدد 40 أسرة. ووزع ديوان الزكاة 750 جوال دقيق ومثلها أرز. وبعدها انقطع عمل المنظمات والجهد الحكومي، ونتج عن ذلك دخول أغلب النازحين في مرحلة سوء التغذية الحاد خاصة الفئات الأكثر هشاشة، وواجه 67 طفلا الحالة الحادة وما يقارب 96 طفلا في الحالة المتوسطة.   

وكان نازحو منطقة (هبيلة) قد وصلوا إلى مدينة الدلنج في شهر ديسمبر من العام الماضي. فيما ذهب بعضهم إلى مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، والبعض الآخر إلى محلية (القوز) التي تضم كل من (الدبيبات والحمادي والقرضاية وقري القوز)، والمجموعة التي وصلت إلى الدلنج استقر جزء منها في مناطق الكرقل وحجر جواد. 

وواجهت المجموعة التي حضرت إلى الدلنج هجوما آخر نفذته قوات الدعم السريع على المدينة التي لجأوا إليها بعد أن هوجمت منطقتهم.  وصل النازحون إلى الدلنج وكانوا بلا مأوى أو مأكل أو مشرب أو متاع. توزعوا على أثني عشر مركزاً في المدارس التي كان قد سبقهم إليها نازحون من مناطق (البكمة ولقاوة) فيما استغل جزء آخر المنازل التي فر أهلها إلى أطراف المدينة. وقد واجهتم مشكلة الغذاء أول قدومهم في وقت توقفت فيه المنظمات العالمية عن العمل بسبب الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى