رديف البرهان.. سيرة غامضة


لا تنتهي غرائب ودلالات عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية على أطراف الحرب في السودان، أولى هذه العجائب والدلالات أنها صدرت في حق قيادات الحركة الإسلامية من المدنيين قبل قيادات الجيوش المتحاربة، فهي صدرت في حق الأمين العام للحركة علي أحمد كرتي، قبل أن تصدر في حق قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان “حميدتي”، وبعدها بأسبوعين صدرت في حق قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، غير إن القرار الذي صدر في حق البرهان وضع السوداني الأصل الأوكراني الجنسية، رجل الأعمال عبدالله أحمد خلف الله، رديفًا له في القرار، إلى جانب شركته “بوتريكس تريد ليمتد”، غير أن السودانيين بعد النطق بالقرار طفقوا يبحثون عن الرجل الذي لم يجدوا من سيرته إلا القليل، ومع ذلك كان يشي أن عبدالله كان يتحرك في منطقة حمراء شديدة الخطورة قبل وبعد الثورة.
علاقة عبد الله أحمد، الذي صدرت في حقه عقوبات ضمن قرار عبد الفتاح البرهان، بدأت بقيادات الجيش السوداني قبل سنوات من الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير، وكشفت مصادر عليمة أن الرجل كان وراء صفقات سلاح مختلفة من أزربجان وبلاروسيا، وفي سنوات قبل السقوط أصبح السمسار الأول لجميع صفقات الأسلحة من دولة بلاروسيا. وقال مصدر من الجيش طلب حجب اسمه: “الجيش اعتمد على سماسرة مختلفين في توفير السلاح، وبالذات للمدرعات؛ من بينهم مستثمرة صينية، غير أن عبد الله في وقت وجيز أصبح السمسار الأول”. وأشار المصدر إلى أن الرجل كان يتحرك في دائرة محدودة داخل الجيش، معنية بالعلاقة مع روسيا ودول دائرة التسليح، ومن بينهم الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، الذي تولى منصب وزير الدفاع في وقت سابق. كذلك له علاقة وطيدة مع قادة هيئة التصنيع الحربي ومنظومة الصناعات الدفاعية، وفي مقدمتهم رئيس المنظومة ميرغني إدريس، الذي صدرت في حقة عقوبات مماثلة، ونائب رئيس منظومة الدفاعات الجيلي تاج الدين أبوشامة، ومستشارها الاقتصادي ومديرها الحالي د. طه حسين. وأشار المصدر إلى أن له صلات وطيدة مع عدد من مديري مكاتب القيادات من الضباط وغالبهم عرف بقربه من الإسلاميين وقيادات النظام البائد.
صفقات بملايين الدولارات
من بين أسباب فرض عقوبات على عبد الله أحمد شراء أسلحة للقوات المسلحة السودانية، وتزامن إعلان العقوبات على البرهان وعبد الله مع نشر عدد من التقارير الصحفية التي تكشف عن أن الجيش تحصل على أسلحة محرمة دوليًا من بينها سلاح كيميائي، وينظر كثيرون إلى هذا التزامن بأنه شديد الصلة بفرض عقوبات على الرجلين، ولكن الأهم الذي ذكرته مصادر متطابقة أن عبد الله ظل سمسارًا رئيسيًا في معظم صفقات الأسلحة من قبل سقوط نظام الإسلاميين، وفي أثناء الحرب الدائرة حاليًا، التي استطاع أن ينجز فيها صفقات بملايين الدولارات، اشتملت على ذخائر وطائرات ومسيرات وقطع مدرعة ومدفعية. وكشف مصدر عن أنه كان منسق جسر إمداد جوي بين بورتسودان وبلاروسيا في الأشهر الأخيرة، وكان الاتصال بينه والبرهان وقيادات في الجيش مباشرًا على الرغم من أن بعض الصفقات تلقى دفعياتها من طرف ثالث أمسك المصدر عن ذكره، ومن بين الصفقات الكبيرة التي كان طرفها عبد الله صفقة بيع ذخائر الكلاشنكوف والدوشكا المصنعة في السودان لصالح الجيش الأوكراني مقابل أسلحة متطورة ومسيرات للجيش، وفي مرات أموال نقدية، وهي صفقات لم يكشف عن تفاصيلها بعد وتحاط بسرية كبيرة.
صفقة الطائرة الأمريكية (130c)
قال ضابط في سلاح طيران الجيش السوداني إن عبد الله كان وراء صفقة بيع طائرات 130 c ، وهي طائرات أمريكية الصنع ذات كفاءة عالية حصل عليها الجيش السوداني في عهد الرئيس نميري من تصنيع شركة ” لوكهيد”.
لوكهيد شركة أمريكية تأسست في 1912 وتنتج طائرات ذات سمعة جيدة تم شراؤها في 1995 من شركة بريطانية وتحولت إلى شركة بريطانية أمريكية.
وقال ضابط سلاح الطيران: “شاركت هذه الطائرات في حرب جنوب السودان، وكانت الصفقة تتكون من (5) طائرات وتزويد بقطع الغيار وتدريب الطيارين والطواقم الفنية، واستمر هذا الاتفاق إلى وقت طويل”.
وأشار إلى أن إحدى هذه الطائرات سقطت في حادثة مطار جوبا في 1990، عندما أصر الفريق عبد الرحيم محمد حسين أن تغادر إلى جوبا، رغم أن الظروف لم تكن مناسبة، وهبطت في مطار جوبا دون إضاءة كافية لترتطم بشجرة وتحترق، وعلى متنها عدد من جنود وضباط المظلات، وكان في قياداتها الطيار شريف الزين. وكان تحذير الضباط بأن التأمين حول مطار جوبا لم يكن متوفرًا، لذلك يعتقد البعض أنها استهدفت من قوات الجيش الشعبي التي كانت قريبة من مدينة جوبا وقتها. وتحطمت أخرى في مطار رمبيك.
وقال إن عبدالله وعددًا من قادة الجيش قرروا بيع طائرتين من طراز 130 c وفعليًا تم بيعها مع قطع الغيار بمبلغ (14) مليون دولار، وبينما قام رجل الأعمال البلاروسي ببيع طائرة واحدة مع قطع الغيار بمبلغ (50) مليون دولار بحسب ما توفر من معلومات. وأضاف إنهم لا يملكون وثائق للصفقة التي تمت في دائرة ضيقة جدًا.
الوصول إلى أموال محظورة
ورد في قرار الخزانة الامريكية القاضي بفرض عقوبات على السوداني الأوكراني عبدالله أحمد خلف الله، أنه ظل يشتري السلاح للقوات المسلحة السودانية، ولكن هذا ليس هو الجرم وحده، فشراء هذه الأسلحة كان من أموال خاضعة للحظر أو العقوبات كما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، التي أوردت في نص القرار أنه قام بشراء أسلحة للجيش السوداني من مورّد خاضع للعقوبات، عبر شركة بورتكس تريد ليميتد، ومقرّها في هونغ كونغ التي أدرجت في قائمة الشركات المحظورة بموجب العقوبات الأمريكية. وعند استفسارنا عن تلك الأموال أو الموارد الخاضعة للعقوبات كشف مصدر مطلع لـ”أفق جديد” أن هذه الأموال تتبع لمنظومة الصناعات الدفاعية نفسها التي بعد فرض عقوبات عليها في العام الماضي حولت كثيرًا من مواردها لصالح شركة “بورتكس ليمتيد” التي يملكها عبد الله، إضافة إلى شركة ماستر تكنولوجي التي فرضت عليها عقوبات هي الأخرى وتتبع للجيش، إلى جانب شركات صغيرة وحسابات مصرفية تتبع للشركتين المعاقبتين في يونيو من العام الماضي. وأضاف المصدر: “بعد فرض العقوبات الأمريكية على شركات الجيش، وتتبع وزارة الخزانة الأمريكية وإدارة الأصول الخارجية الأمريكية للحسابات المصرفية والشراكات للشركتين، وبعد فرض عقوبات على رئيس المنظومة ميرغني إدرييس، انتقل التعامل والأموال إلى عبد الله أحمد، ولم يكن يعلم أنه مراقب”. وأشار المصدر إلى أن منظومة الصناعات الدفاعية تدير أموالها بطريقة غامضة عبر شراكات خفية وتقدر أموالها بأكثر من (2) مليار دولار قبل الحرب .
استثمارات أخرى
خلال وجوده في السودان قبل سقوط نظام عمر البشير حاول عبد الله الدخول في عدد من الاستثمارات مستفيدا من علاقته بقادة الجيش، الذين يسيطرون على مقاليد السلطة في السودان، وفعليًا استثمر في تجارة الذهب مع شركات روسية وأوكرانية ومستثمرين من بلاروسيا.
وعبر علاقته مع قادة الجيش حصل على مساحة واسعة على شارع النيل أطلق عليها نادي الألعاب المائية في منطقة استراتجية لا تبعد كثيرًا عن فندق كورينثيا، أحد أشهر الفنادق في العاصمة الخرطوم، كما كانت له اسثمارات عقارية في مناطق راقية في وسط الخرطوم، وفي مناطق تجارية استثمارية حصل عليها عبر تسهيلات كبيرة بعد صفقات سلاح مع قيادات في القوات المسلحة، إضافة إلى أنه كان يستثمر في شركة للإنتاج الإعلامي، أطلق عليها أسم “سومي”، مقرها في المنشية.
قرار مفاجئ
قالت مصادر ذات علاقة بمنظومة الصناعات الدفاعية أن إدارة المنظومة علمت بأمر العقوبات عليها وعلى مديرها ميرغني إدريس من قبل إعلانها من وزارة الخزانة الأمريكية بأشهر، وعملوا ترتيبات لتفادي العقوبات حتى يحصل الجيش على السلاح، وفي سبيل ذلك تعاملوا مع شركات خاصة تتبع لرجال أعمال مقربين من البرهان نشطت في شراء المسيرات وذخائر الطائرات، غير أن التعويل الأكبر كان على عبدالله أحمد لجهة أنه غير معروف وله تعامل مستمر مع جيش، وتم إختيار شركته في هونج كونج لكون أنها بعيدة عن الرقابة الأمريكية لذلك كان القرار مفاجئًا وأربك الكثير من الحسابات على حد قول المصادر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى