كرامة جنرالات البشير وديموقراطية آل دقلو!!

رشاد عثمان

ليس أشد مضاضة على النفس من رؤية أقذر أنماط البنادق قضيةً، وأحط نماذج الخطاب وأشدها قُبحاً وبدائيةً، وهي تكاد تفرض أجندتها على شعب بأكمله، وتوشك أن تبتلع في ثقبها الأسود ملامح ثورة استثنائية بحجم ثورة ديسمبر.

والمؤسي أن كثيراً ممن كنت أنشد فيهم الرشد، مازالوا يقاربون المحارق والمذابح التي تجري في حواضر وبوادي السودان، باعتبارها حرباً ضرورية، متماهين مع السردية المبتذلة عن “معركة الكرامة” كما تدّعي كذباً عسكرتاريا لجنة البشير الأمنية ناسين – أو متناسين -إن كرامة الشعب السوداني قد تمرغت في الوحل على يد أسلاف هؤلاء الجنرالات منذ ليلة الانقلاب المشؤوم في ٣٠ يونيو ١٩٨٩ وحتى يوم الناس هذا!!

والأشد ابتذالاً في المقابل هو نمط آخر من دعاة الدولة المدنية وسيادة حكم القانون يتوسلون استعادة الديمقراطية السليبة بالتحالف الضمني مع جذيمي الأصل من إنكشارية البشير الذين أحرقوا قرىً وبلداتٍ بما فيها ومن فيها في بوادي دارفور تحت إمرة جنرالات الجيش وجهاز الأمن قبل أن يستعين بهم السلطان المخلوع في قمع احتجاجات الشباب السلمية في ٢٠١٣، وفي حماية عرشه المتهالك حتى من إخوته من عسكرتاريا التنظيم، ثم تعميدهم رسميّاً وبإجماع تنابلة مجلسهِ “الوطني” كحُماة “للبيضة”، وقبل أن يشاركوا بوحشيتهم المعهودة في سحل المعتصمين أمام بوابات القيادة العامة وأن يلقوا بشباب ثورة ديسمبر مكبلين على الحجارة في قاع النهر القديم !!

المأساة الملهاة التي تجري في السودان لا يمكن توصيفها بغير أنّها حرب الجنرالات والكارتيلات والإنكشارية والمليشيات، التي تناسلت كالفطريّات من رحم المشروع الحضاري للحركة الإسلامية في صراعهم الشبقي على السلطة والثروة والنفوذ. هم ذات الجنرالات الذين اتفقوا قبل أشهر قليلة من اختلافهم على وأد التجربة المتعثرة للحكم المدني – على كل علّاتها – بتدبير انقلابهم المشترك، وهم الجنرالات أنفسهم الذين كانوا يصدرون الأوامر لجنودهم بإطلاق النيران على المتظاهرين من الشباب السوداني ممن كانوا يجوبون شوارع الخرطوم وغيرها من مدن السودان يطالبون بعودة العسكر إلى ثكناتهم وتطهير جسد السودان من دمامل الجنجويد. وهم الجنرالات أنفسهم الذين فتحوا الأبواب على مصارعها أمام قوى أجنبية كي تدخل السودان، وتحوّل الحرب إلى حرب بالوكالة، يقومون بها نيابة عن دول ومحاور لا تنظر إلى السودان إلا بوصفه ضيعةً سائبة وموارد وثروات بلا مالك ولا وجيع. وهم الجنرالات أنفسهم الذين يقودون السودان معصوب الأعين إلى هاوية التقسيم والتفتيت والذبح على الهوية عائدين به إلى عهود حروب القيمان!!

والأنكى من كل ذلك هو الخضوع لخطاب الابتزاز والتخوين المأخوذ عن قاموس “ساحات الفداء” وترهات صحفيي المظاريف عن الخيانة والعمالة والإرتزاق، وكأن هنالك خيانة للوطن أكثر من إشراف جنرالات جيشه على تهريب ثرواته لتصّدر إلى العالم بديباجات دول أخرى لا تعترف لهم حتى بأجر المناولة أو أن ثمة عمالة وارتزاق أكثر من إرسال الجنود السودانيين للقتال خارج حدود السودان بذريعة الدفاع عن الحرمين الشريفين، وكأن الحرب التي حصدت أرواح الآلاف من أطفال اليمن كانت تجري في سفح جبل أُحُد لا في هضاب تعز والحديدة وصنعاء!!

أُرسل هؤلاء الجند تحت إشراف المفتش العام – رئيس مجلس السيادة لاحقاً – مقابل حفنة من الريالات لا تكفي لشراء شئٍ أكثر قيمة من ذمة البشير وجنرالاته. والمذهل أن هؤلاء ومعهم – كتفاً بكتف – الآلاف من انكشارية الجنجويد مازالوا يواصلون مهمتهم المقدسة كحرس للحدود الجنوبية للمملكة حتى بعد أن وضعت عاصفة الصحراء أوزارها وبعد أن توافق العقلاء على وقفها مُغَلبين مصالح شعوبهم وأوطانهم!!

سيقول التاريخ كلمته في نهاية الأمر مهما تواظبت النكبات وتوالت المآسي. وقد قالها مراراً وتكراراً من قبل “إن في مقدور المستبدين والطغاة أن يُحققوا الكثير بأًسِنةِ الرماح، إلا شيئاً واحداً.. الجلوس عليها”!!

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى