العدالة يجب أن تُرى
من على الشرفة
طاهر المعتصم
taherelmuatsim@gmail.com
امتثل ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني، في حكومة الحرب، لقرار إحدى محاكم لندن، القاضية بمنع تحليق الطائرات العسكرية في محيط المحكمة أثناء ساعات عملها، الذي برره القاضي بتوفير أجواء حسن سير العدالة.
وافق رئيس الوزراء على تنفيذ قرار المحكمة، وعندما رأى تشرشل استغراب وزير الحرب، والدهشة ترتسم على وجهه، قال “خير لبريطانيا أن تخسر الحرب، من أن يهان القضاء فيها، لأن عدم الامتثال لقرار المحكمة، فيه استهانة بقضاء بريطانيا وإهانة له، وهو عار يلحق ببريطانيا، لن يمحوه الزمن أبد الدهر، أما الحرب فإن خسرتها بريطانيا اليوم فسوف تكسبها غداً”.
وقد وضع القرآن الكريم أمرا ربانيا في ثامن آيات سورة المائدة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”.
كان من المأمول من الجيش السوداني، أن لا يجعل المليشيات المناصرة له، تسقطه في الأفعال الفظيعة التي تشابه خصمه بعد 15 أبريل 2023 مليشيا الدعم السريع، التي تسببت في أهوال لبعض من أهل السودان، لم يدركوا أحداث دارفور منذ العام 2003، التي تكررت مرة ثانية أكثر إيلاما، وأودت بقيادات الدعم السريع موارد العقوبات الأمريكية، ودعوات الضحايا في ربوع السودان.
تقدم الجيش بعد معركة (جبل مويه) في ولاية سنار، ثم مدينة الحلفايا بالخرطوم بحري، ظهرت مقاطع فيديو لقتل خارج القانون، ثم اجتياح مدينة ود مدني بعد 13 شهرا من الانسحاب منها، جعل هناك مساحات جغرافية أكبر، مع عدد من المليشيات المناصرة له، وتوثيق للتجاوزات من بعض الأفراد، تكاد تشيب من هولها الولدان، كأن اختفاء العدالة والخبرات والمهارات، جعل الوحشية تنطلق من هنا وهناك، ومقاطع فيديو توثق تلك الفظائع التي تنافي كل الأديان أو القوانين.
كأن من وثق تلك المقاطع يهدف للف حبل العقوبات على قيادات المؤسسة، ليلحقوا بحميدتي وعبدالرحيم وعلي كرتي وأحمد هارون وصلاح قوش ومحمد عطا وطه الحسين والقوني وعثمان عمليات، وخطورة هذه العقوبات والفظائع التي ارتكبت، إنها من الممكن أن تذهب لملفات المحكمة الجنائية.
في العادة تقوم الشرطة العسكرية بدور مهم يمنع وقوع الانتهاكات من الأفراد، تعاونها الاستخبارات العسكرية، لكن حال دون ذلك تعدد المليشيات وعدم تلقيها التدريبات اللازمة لقواعد الاشتباك أو قواعد معاملة الأسرى دع عنك حماية المدنيين، وقد انكشف وجه الدعم السريع عندما وسع مناطق انتشاره واستعان بمليشيات وافراد، فشاهدنا العنف الممنهج والمجازر في الجنينة غرب دارفور وود النورة ولاية الجزيرة، ورغم محاولته تحسين صورته، بتشكيل ما أطلق عليها لجنة مكافحة الظواهر السالبة، وأوكلوا قيادتها لأحد خريجي الكلية الحربية اللواء عصام فضيل، لكن لم تتوقف الانتهاكات حتى لحظة كتابة هذا المقال، بحسب مصادر في منطقة الخيران ريفي أبوقوته ولاية الجزيرة.
بالتوازي هناك حرب أخرى، حرب خطاب الكراهية، والعنصرية، التي لم يوفر طرف جهد في زيادتها، وحاملي الحطب، كأنهم لم يطالعوا ذهاب أرواح 800 ألف في راوندا، وكم ازدحمت المحكمة الجنائية، بمشعلي خطاب الكراهية يتقدمهم مدير إذاعة التلال، ليحاكموا في الدنيا، ويأتوا يوم القيامة حاملي وزر كل من تسببوا في أن يلقى مصرعه.
مع استمرار الحرب في السودان وقرب دخولها عامها الثاني، ما يحدث من استهداف لمحطات الكهرباء والمياه والسدود، ورفض وقفها على غرار وقف إطلاق النار في غزة وانسحاب الجيش الاسرائيلي، الذي دخل حيز التنفيذ صباح أول أمس الأحد، فحق لأهل فلسطين الفرح بآمال اندياح السلام، ووقف القصف المجنون، والنزوح واللجوء وجرائم الحرب.
التحدي الأكبر أمام العدالة، فلا يجب أن تختفي، فهي العاصم من أنهر الدماء والحرب القبلية والجهوية والعنصرية، فتشرشل رغم العدوان الخارجي والحرب العالمية، أنفذ قرارات المحكمة.