كلمة العدد.. طريق لا يزال طويلًا
موحشة تلك المناطق التي طالما ضجت بالحياة..
مدمرة تلك البنايات التي كانت عبارة عن خلايا نحل تصل ليلها بنهارها أملًا في وطن ناهض.. والنصر لكلا الطرفين بعيد إن لم يكن مستحيلًا، والسير خلف الأماني السراب كلفته عالية، وثمنه أشلاء ودماء خراب، وقديمًا قيل “من فش غبينته خرب مدينته”، ومدننا شبعت خرابًا.
احتشدت السوشيال ميديا خلال الساعات الماضيات، بمحاولات إثبات النصر ونفيه، وانخرطت أطراف الحرب في حرب المعلومات، وإثبات المواقف بالفيديوهات، كل يقول ما يراه من الحرب ولا يرى ما نراه منها، وهو في نظرنا ونظرتنا الحقيقة الوحيدة في هذه الحرب اللعينة: الدمار، الذي حاق بالبلد وإنسانها، وصدق آلة إعلامها الكذوبة، كل فيديو يبثه هذا الطرف أو ذاك ليس فيه نصر أو إثبات، خراب طال كل شيء، فالعاصمة مقطوعة الأوصال، مقطعة الأطراف، لا رابط بين شرقها وغربها ولا شمالها وجنوبها، تعيش في جزر معزولة، ولا حياة فيها ولا أحياء، يلف منازلها الخواء ويسكنها البوم، ومن بقي من أهلها مثابرًا في انتظار السلام خفتت في نفسه كوة الأمل، وبات مجرد رقم متحرك لا يعلم لماذا هو موجود وماذا ينتظر، والقادة مشغولون بنصر لن يأتي مهما حاولت آلة الإعلام الكذوب أن تصور عكس ذلك.
فالتقاء الجيوش لا يعد نصرًا ولن يجلب أمانًا، وهذه حقيقة كما العلقم لا يتجرعها إلا من أراد العلاج، ولنا في أم درمان صورة شاخصة عندما صور الإعلام الذي لا يرى إلا بعين واحدة في مارس من العام 2024، أن المدينة الحبيبة لنفوس كل أهل السودان تحررت، وأن أحياء العباسية وأبو روف والملازمين يمكن لأهلها أن يعودوا إليها بأمان، وما إن عاد الناس المغلوبون على أمرهم إلى تلك المناطق، يحملهم شوقهم وتوقهم للاستقرار حتى بدأوا في رحلة عكسية ولسان حالهم يقول: “البندقية لا تحل لنا قضية”.
الحرب لا يزال طريقها طويلًا، وتحقيق نصر حاسم فيها يحتاج إلى سنوات وسنوات، وإن هو حدث بهذا التحالف المتناقض الأهداف والدوافع والغايات، فإن حروبًا أخرى فيما بينه واجبة الاندلاع، وأصغر ضابط في القوات المسلحة يعلم ذلك، غير إن القيادة فيها مكبلة بالتزامات تعيق جنوحها للسلم والسلام، الذي لم يعد الآن واجبًا عسكريًا فقط وإنما فرض أخلاقي وديني، إن لم تؤديه الآن فسينفخ في الصور وسترفع الأعمال، وحينها لن ينفع البكاء على ما فات.