الشمالية تتحسّس تحدياتها المناخية

الشمالية – ابتهاج متوكل

شتاء مبكر، درجة حرارة مرتفعة، أمطار وسيول وفيضانات، زحف صحراوي، ظهور آفات وحشرات، تلف للزرع. هذه أبرز ملامح التغيرات المناخية في الولاية الشمالية.

وفق خبراء ومختصون، فإن المسألة أصبحت واقعًا مُزعجًا، وانعكست آثارها على حياة المواطنين، موجهين بضرورة التكيف مع التغيرات المناخية، في الزراعة والمنشآت والطرق والمساكن وسبل كسب العيش، وطالبوا بتحديد تركيبة محصولية تتوافق مع الموسم الصيفي بالولاية.

الموقف العام، يظهر أن التغيرات المناخية في الولاية الشمالية، شكّلت تحديًا كبيرًا يواجه الإنسان والحيوان والزرع، ويستوجب ضرورة توعية المواطنين بهذه المشكلة، وأن الولاية تشهد تدخلات في كل القطاعات المتأثرة بالتغيرات المناخية، عبر مشاريع وبرامج متعددة، تستهدف قطاعات في مقدمتها الزراعة، الرعي، مياه الشرب، بناء القدرات، بغرض مساعدة المواطنين على إدارة التنمية في مناطقهم بطريقة تُراعي التغيرات المناخية وتنظم إدارة الموارد بالمحافظة عليها ومنع التدهور البيئي .

ودعا منتدى إعلامي، عُقد مؤخرًا حول التغيرات المناخية وتأثير الأمطار والسيول على الولاية، للمُضي في الجهود الاستراتيجية لتفادي السلبيات والتأكيد على الإيجابيات، وإعداد استراتيجية خمسية (2025 – 2030) لمجابهة تحديات التغيرات المناخية بالولاية.

وقال الخبير في مجال البيئة بروفيسور سعد الدين إبراهيم، إن “التغيرات المناخية تسببت في انهيار رصيد كل المعلومات الأرصادية في البلاد، وأن الرصيد المعلوماتي لفترة 50 عامًا أصبح لا يعتمد عليه، وفي الوضع الراهن لا يمكن توقع أي شيء، وحاليًا التوقعات تكون لفترة قصيرة جدًا، لذلك نجد أن التغيرات المناخية تعد مسألة مُزعجة جدًا، فهي صارت واقعًا يجب التكيف معه، في الزراعة والمنشآت والطرق والمساكن وسبل كسب العيش للمواطنين.”

وأبان إبراهيم، خلال حديثه في منتدى بعنوان: “التغيرات المناخية، وتأثير الأمطار والسيول على الولاية الشمالية”، رصدته “أفق جديد”، أن “الولاية الشمالية أُدرجت ضمن الولايات السودانية الخمس المتأثرة بهذه التغيرات.”

وأوضح أن “المرحلة تتطلب مراجعة المواقيت الزراعية للمحاصيل، لأن فترة التغير المناخي للفصول صارت شهرًا كاملًا بمعنى أنها تقدمت شهرًا ، ومحصول القمح يُفضّل زراعته في مطلع ديسمبر.” مؤكدًا أن “أشجار النخيل تأثرت وتضررت؛ لذلك فالخطوة المطلوبة هي تنويع المحاصيل الحقلية والبستانية.”

وأشار إلى أن “السودان ضمن الدول المتأثرة بهذه التغيرات، متطلعًا إلى أن يحقق برنامج التغيرات المناخية نتائج، لتدخل البلاد مرحلة العمل التنفيذي.”

عامل الصدمة

وأكد وزير الإنتاج والموارد الاقتصادية بالولاية الشمالية، المهندس عثمان أحمد عثمان، أن “الولاية تقع من ضمن الولايات السودانية المتأثرة بالتغيرات المناخية، وفي هذا العام تأثرت بنسبة كبيرة وحدثت صدمة، نتيجة هطول الأمطار بمعدلات عالية أدت إلى سيول جارفة.”

وقال عثمان في حديثه لـ”أفق جديد”، إن “القطاع الزراعي تأثر وتضرر كثيرًا، نتيجة السيول وانجراف وتلف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والمحاصيل، وكذلك تلف جُزئي وكُلي لأراضي المحاور خاصة في التروس العليا، إلى جانب خسائر فادحة في الأشجار المُثمرة من النخيل والموالح والمانجو، وتضررت كثيرًا المناطق الجنوبية في محليتي مروي والدبة، كما تأثرت محطات الري الرئيسة بالانجراف والغرق لاندفاع السيول نحو مجرى النيل.”

وأوضح أن المنطقة شهدت معالجات وتدخلات عاجلة من قبل حكومة الولاية بالصرف المباشر وتعاون بعض الشركات الوطنية الكبرى لدرء هذه الآثار التي طرأت بسبب التغيرات المناخية، ورأى أنها برزت في العام 2024، وتوقع استمرارها بشكل أعنف وأقوى في موسم الخريف القادم، لذلك وضُعت خطة وبرنامج للحد من انعكاساتها مستقبلًا.

وأشار أن الخطوة تحتاج لتمويل وأموال ضخمة، وتم رفع الأمر للجهات المختصة وإدخال الشركاء، وطرحه على منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، بغرض الاستفادة من نتائج التغيرات المناخية وارتفاع معدلات الأمطار في برامج حصاد المياه وإنشاء السدود.

ونوَّه إلى أن حكومة الولاية شرعت فعليًا بتحديد عدد من الوديان والخيران لمجاري السيول، ووضعت لها دراسات لتنفيذ مشاريع حصاد المياه، حتى نستطيع تقليل نسبة كبيرة من الاثار المتوقعة في الأعوام القادمة، وأكد أن هذه المشاريع يتم تنفيذها بتمويل من قبل جهات الحكومتين الاتحادية والولاية ومنظمة “الفاو”.

واعتبر عثمان، أن التغيرات المناخية سلاح ذو حدين له سلبيات وإيجابيات، متطلعًا للاستفادة من الإيجابيات في تغذية المياه الجوفية، وزيادة رطوبة التربة والاستفادة من الأمطار في الري .

وكشف عثمان عن استهداف الزراعة المطرية لأول مرة في الولاية الشمالية وزراعة محاصيل الذرة والفول السوداني، والسمسم وزهرة الشمس، وتوقع أن تحدث هذه الخطوة فتحًا للولاية باستغلال هذه التغيرات المناخية إيجابًا.

وأبان أن الخطة استهدفت الاستفادة والحد من انعكاسات التغيرات المناخية، بإقامة السدود وتجديد للتركيبة المحصولية، كما أن هذه الخطوة تُبنى عليها خطة أخرى لقيام صناعات تحويلية للمنتجات الزراعية، حتى تستمر الفائدة في دعم العملية الإنتاجية بالولاية الشمالية.

وأفاد عثمان، أن الوزارة شرعت في إدخال أصناف جديدة من النخيل بنحو 96 صنفًا في البلاد، تتوافق مع التغيرات المناخية، ويمكنها الإنتاج قبل موسم الخريف، وأوصى المواطنين بتبني هذه الأصناف العالمية الجديدة، التي لديها سوق وقدرة تنافسية.

آثار سلبية

من جهته قال مدير مشروع بناء المرونة مع التغيرات المناخية في القطاعين الزراعي والرعوي بالسودان، مسؤول قطاع الشمالية، د. الرشيد عبد الله فقيري، لـ”أفق جديد”، إن “المشروع يعمل في 9 من ولايات السودان، وبعد اندلاع الحرب خرجت 6 ولايات من هذا المشروع، وهي ولايات دارفور وكردفان، وتبقت البحر الأحمر، وكسلا، والشمالية.”

وأوضح فقيري، أن “الفكرة الأساسية للمشروع تستهدف تعزيز قدرة المجتمعات على الصمود أمام التغيرات المناخية، المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة، الرطوبة النسبية، تغير معدلات هطول وتوزيع الأمطار خلال العام، زيادة الزحف الصحراوي، التصحر الهدّام، الفيضانات، الأمراض والآفات الجديدة التي تظهر، مع ارتفاع معدلات الرطوبة والأمطار، وأيضًا الحشرات التي تصيب الإنسان والحيوان والزرع وتتغير أشكالها وتركيباتها وأنواعها.”

 وذكر فقيري، أن “هذه التغيرات لديها آثار سلبية مترتبة على قطاعات الصحة والتعليم والتعدين وغيرها، ولكن هذا المشروع خاص بالتدخل في القطاعين الزراعي والرعوي، وأن المشروع مُصمم على أربع مكونات، تسعى لتعزيز قدرة المجتمعات لإنتاج الغذاء في ظل المتغيرات المناخية، لأن كل هذه المتغيرات المناخية، أدت إلى إشكالية في جعل المجتمعات لا تنتج نفس كميات الغذاء ما قبل حدوث هذه المتغيرات.”

وأضاف: “المشروع يستهدف توزيع تقاوى محسنة تتحمل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة والإصابة بالآفات، وكافة الإجهادات المناخية، ومكون خاص بتدخلات المياه، فيما يخص الشرب للإنسان والحيوان، والزرع بإدخال انظمة الري بالطاقات البديلة وتحديدًا الطاقة الشمسية، كما يعمل لتوفير مياه الشرب في بعض القرى المستهدفة وهي أكثر من 20 قرية في الولاية الشمالية، وأيضًا تحسين مرافق ومنشآت المياه بها، وذلك من خلال تأهيل محطات المياه، وتدريب المجتمعات على إدارة مرافق المياه بطريقة جيدة، من أجل زيادة كميات المياه التي يحصل عليها الإنسان.”

 وتابع، “إن قطاع الحيوان لديه تدخلات باستخدام الطاقة الشمسية، واستبدال الري التقليدي بالاعتماد على الجازولين إلى استغلال الطاقة الشمسية للري، ومثال على ذلك منطقة (أم جواسير)، إضافة إلى نشر مضخات المياه بالطاقة الشمسية في مسارات الرعاة، حيث يوجد مسار مُحدد بالولاية الشمالية، ويتم تسجيل أراضي المسار لصالح الرعاة رسميًا في الدولة، إلى جانب المساعدة على قيام (مسورات رعوية)، تقدم فيها الخدمات البيطرية وتوفير مصدر مياه وإنشاء مدارس رعاة حقلية للتدريب وتحسين مستوى جودة القطيع، واستخدام منتجات الثروة الحيوانية.”

ومضى قائلًا: “أما فيما يخص قطاع الغابات يتم العمل بالتنسيق مع المجتمعات، لزراعة أشجار غابية وأحزمة شجرية وعمل مصدات رياح للحد من التصحر، وإنشاء مشاتل بإشراك المجتمع المحلي، مثل الجمعيات النسوية، والقيام بالتدريب وتوفير التمويل في المناطق المعرضة للزحف الصحراوي.” لافتًا إلى أن “هناك مكون بناء القدرات في المجتمع لإدارة التنمية في مناطقهم بطريقة تراعي التغيرات المناخية، وذلك عبر لجان فعّالة تخطط وتنظم إدارة الموارد، بغرض المحافظة عليها ومنع التدهور البيئي، وزراعة أشجار جديدة باستخدام الطاقات البديلة، وأيضًا تدريب النساء على الزراعة المنزلية.”

وشدد فقيري على أن “هذه الجهود تسعى لتلافي الآثار السلبية للتغيرات المناخية، التي تأثرت بها الولاية الشمالية كثيرًا”.

 ونوّه إلى تأثر شجرة النخيل بمعدلات هطول الأمطار في أوقات غير مناسبة للشجرة، وأدى ذلك لتراجع معدلات الإنتاج مؤخرًا، إلى جانب تأثر محاصيل الفول المصري وبعض البقوليات بظهور آفات وحشرات تسببت في تراجع الإنتاج.”

 وأفاد فقيري أن “البحوث الزراعية عملت كثيرًا على توصيف المحاصيل الزراعية، حسب المؤشرات المناخية ودرجات الحرارة ومعدلات الأمطار، من أجل زراعة محاصيل محددة تتوافق مع درجات الحرارة ومعدلات الأمطار.”

واعتبر أن هناك أصنافًا جيدة من المحاصيل تمت إجازتها، ومضى قائلًا: “إن التقنيات الزراعية صارت موجودة، ولكن يظل المحك في نشرها وسط المزارعين، كما يجب الاستمرار في عمليات البحث العلمي لمواكبة مستجدات المتغيرات المناخية لمقابلة تحديات فترة شتاء أطول، وارتفاع درجات الحرارة، والجفاف، وسرعة الرياح، وأمطار عالية وغرق، مشيرًا إلى أن الولاية الشمالية وفق المؤشرات المناخية الموجودة، تحتاج إلى تركيبة محصولية صيفية.

ارتفاع درجات الحرارة

من جانبه أوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، المهندس يعقوب إبراهيم محمد، أن “أبرز التغيرات المناخية في الولاية الشمالية هو الارتفاع العالي لدرجات الحرارة، وزيادة معدلات الأمطار بصورة غير متوقعة، لأن الشمالية تقع في المناخ الصحراوي، وظهرت هذه المعدلات العالية للأمطار في محليات دنقلا ومروي وحلفا.”

وقال يعقوب في حديثه لـ”أفق جديد”، إن “ارتفاع درجات الحرارة في العامين الأخيرين، أثر على محصول الفول المصري، وأدى إلى نمو خضري دون ثمار، كذلك لحرق نباتات ومحاصيل حقلية.”

وأكد أن “ظاهرة الاحتباس الحراري صارت واقعًا مؤثرًا على المواطنين، وأضاف: “اتخذت عدد من التحوطات والمعالجات في مجال القطاع الزراعي بتوجيه المزارعين نحو المحاصيل التي تتحمل الحرارة، خلال فترة موسم تتراوح ما بين 75 إلى 80 يومًا.”

وأضاف، “أيضًا للتكيف مع المناخ لتقليل الأضرار وبناء قدرات المزارعين، أُدخلت مشاريع بالتنسيق مع المنظمات الدولية، في زراعة الحزام الواقي من الزحف الصحراوي، وتوفير تقاوى محسنة للمزارعين، واستخدام الطاقات البديلة، الشمسية والرياح لدعم العملية الإنتاجية.”

 وأبان يعقوب، أن “التغيرات المناخية برزت في الموسم الشتوي الحالي بحلول الشتاء مُبكرًا وانخفاض درجات الحرارة، مما شجع على زراعة المحصولات الشتوية مُبكرًا، وسط توقعات بإنتاجية عالية.”

 وذكر أن “الخطط المستقبلية تستهدف نشر استخدام الطاقة الشمسية لإقامة غطاء نباتي أخضر (أحزمة شجرية) لحماية الأراضي الزراعية التي تُفقد سنويًا نتيجة الزحف الصحراوي.”  لافتًا إلى أن “المهدد البيئي الكبير للولاية الشمالية هو الزحف الصحراوي، ويتطلب تكاتف الجهود المحلية والعالمية معًا لاحتياجها لأموال كثيرة.”

 وأشار يعقوب إلى أن “انعكاسات التغيرات المناخية تؤثر على طبيعة الحياة للإنسان والحيوان والزرع، وكل قطاعات العمل في الصناعة والتجارة، ودومًا تصاحبها أضرارًا بالغة .”

يذكر أن السودان شارك في نوفمبر 2024، في انطلاقة فعاليات الدورة 29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP 29)، بالعاصمة الأذربيجانية باكو، تحت شعار: “تضامنًا من أجل عالم أخضر”.

 وقدّم السودان أوراق عمل متخصصة أعدها خبراء سودانيون، في البيئة وتغير المناخ، إضافة إلى المشاركة في المائدة المستديرة رفيعة المستوى حول تحويل الطموح إلى عمل وتوسيع نطاق تمويل التكيف، لتحقيق الهدف العالمي بشأن التدابير اللازمة لمواجهة ظاهرة تغير المناخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى