دلالة شندي.. حتي آخر كرسي

أفق جديد

“في كل يوم كنت أدخل على منصات التواصل الاجتماعي، لأتابع الأوضاع في منطقة قري الحرة، وأحيانًا عبر الوسطاء، أرصد الأخبار عن قرب دخول الجيش إلى المنطقة، لم يكن في خيالنا الذي جرى. وفي لحظة دخول الجيش إلى منطقة المصفاة غمرتنا سعادة بالغة، فالمخازن لم تكسر وشقاء عمرنا حتى تلك اللحظة كان بأمان، ولكنا فجعنا بعد ذلك حين علمنا أن كل ذلك تبدد، كُسرت المخازن بواسطة أفراد القوات المسلحة والكتائب المتحالفة معها، وتبخر كل شيء! لم تنهبنا قوات الدعم السريع، بل الجيش هو المسؤول عن ضياع شقى عمرنا.. ولا نقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل”.

وفي نفس اتجاه رجل الأعمال الذي تحدث إلى “أفق جديد”، يقول أحد سكان منطقة قري: “ما شهدناه من نهب حدث في المنطقة الحرة ومصفاة الجيلي مخزٍ ومشين. أن يقوم من يظن الناس أنه الحامي بنهب وسرقة عرق الناس فذاك ما لم نكن نتوقعه. عندما سمعنا في بداية الحرب بما يجري في بعض أحياء أم درمان كنا نظنها دعاية رخيصة تطلقها غرف الدعم السريع لإشانة سمعة القوات المسلحة حتى رأينا ما جرى في بحري، السرقات كانت تتم أمام نظر الضباط ومن بينهم رتب عليا”.

غنائم المصفاة

السبت 25 يناير وما تلاه من أيام اختلطت فيها مشاعر الناس ما بين الحزن والفرح والدهشة والحسرة، لم تكن أيامًا كباقي الأيام، عاد خلالها يحيى، وهو مستنفر في كتيبة البراء التي تقاتل إلى جانب الجيش، إلى البيت في مدينة شندي برفقة 3 أفراد من زملائه في الكتيبة على متن “دفار” محمل بأغراض منهوبة من مصفاة الجيلي، يقتسمونها في ما بينهم كغنائم سلبوها بعد استرداد المصفاة وانسحاب الدعم السريع منها. 

أفرغ يحيى نصيبه من الغنائم التي تتألف من ثلاجات ومكيفات وأغراض منزلية أخرى، علاوة على أزياء عسكرية لعناصر الدعم السريع، وعاد أدراجه مرة أخرى لجلب المزيد من الغنائم، تاركًا حوله جدلًا في الحي الذي يسكنه بين مؤيدين لحقه في سلب “المليشيا الإرهابية” كما يصفونها، وبين مستنكرين يرون أن ما نهبه يحيى ومئات المستنفرين هو مال عام وحق خاص نهبه الدعم السريع يجب أن يعود إلى أصحابه.

فور دخول الجيش للمصفاة، عاد المئات من عناصره والمجموعات التي تقاتل معه إلى مدينة شندي يقودون عشرات الناقلات الصغيرة والكبيرة صوب دلالة المدينة في السوق الشعبي ليعرضوا ما غنموه من المصفاة التي ظلت تحت سيطرة الدعم السريع منذ نشوب الحرب، يحاولون تبرير ما فعلوه بأن تلك منهوبات تركها الدعم السريع في المصفاة، أكد شهود عيان لـ” أفق جديد” أن الكتائب إلى جانب استيلائها على ما تركه عناصر الدعم السريع نهبت وسرقت محلات وأملاك المواطنين في المنطقة.

أثمان زهيدة

 وبحسب شهود عيان تحدثوا لـ”أفق جديد” فإن عناصر من الجيش والمستنفرين باعوا للتجار عشرات المستلزمات والأغراض المنزلية والأثات، جلبوها من المصفاة بأقل من أثمانها في السوق، في مشاهد أعادت إلى الأذهان ما حدث في بداية الحرب من نهب لممتلكات المواطنين وبيعها بأثمان زهيدة.

امرأة من حي “شندي فوق” ذكرت أنها اشترت ثلاجة ماركة “إل جي” بمبلغ 200 ألف جنيه فقط في حين أن سعرها في السوق يبلغ مليار و300 ألف جنيه. بدورها قالت نازحة من منطقة “دردوق” لـ”أفق جديد” إنها تعرفت على غرفة الجلوس خاصتها معروضة في السوق الشعبي.

تمددت دلالة شندي في السوق الشعبي تدريجيًا بعد نزوح مئات الآلاف للمدينة، وتعمل الدلالة كسوق للأغراض المستعملة، وتوسعت خلال الأيام الماضية بعد أن نشطت حركة البيع والشراء مع انتشار ملحوظ لجنود الجيش والمستنفرين وهم يكملون صفقات البيع والشراء لما يعتقدون أنها غنائم، حيث هبطت أسعار المشتروات إلى أقل من النصف.

تقع مصفاة الجيلي على مساحة تبلغ 27 كيلو مترًا مربعًا، وتضم إلى جانب المنشآت المعنية بتكرير وتصفية النفط، مبانٍ إدارية ومرافق سكنية وخدمية ومدارس ومتنزهًا ترفيهيًا وسوقًا حرة.

وبحسب شهود عيان فإن مدينة بحري تشهد عمليات نهب واسعة لممتلكات المواطنين من أثاث وثلاجات وغسالات وكافة الأغراض المنزلية، بعد دخول عناصر الجيش إلى المدينة وإخلائها من السكان.

ووقفت لجنة تنسيق شؤون أمن ولاية الخرطوم في اجتماع لها على ضبط مسروقات ضخمة في تفتيش البوابة الشمالية للولاية مع ولاية نهر النيل، وشملت المسروقات اسبيرات سيارات وركشات ومعادن تمت سرقتها من محولات وكوابل الكهرباء.

ويقول أحد سكان مدينة بحري الذين صمدوا فيها طيلة فترة الحرب لـ”أفق جديد”: “نعم حدثت أعمال نهب واسعة في بداية الحرب من قبل أفراد في الدعم السريع ولصوص من المناطق المجاورة، ولكن بعد مضي فترة من الزمن توقف النهب بصورة شبه كاملة وكثير من المنازل لم تنهب، فمن الواضح أن أفراد الدعم السريع كانوا مهتمين بنهب العربات والذهب والمال إن وجد لكنهم في غالبهم لا يميلون إلى سرقة الأثاث المنزلي، ولكن بعد دخول الجيش إلى أحياء بحري بدت موجة النهب من جديد، وهولاء لا يوفرون شيئًا ويحملون أحيانًا حتى عدة المطبخ.. ما شهدناه أمر مخزٍ جدًا ولا يصدقه أحد”.

نهب على مرتين

تقع منطقة قري الحرة شمال العاصمة الخرطوم على بعد 70 كيلومترًا غرب مصفاة الخرطوم لتكرير البترول، في المنطقة الواقعة بين خط السكة حديد وطريق التحدي (الجيلي – عطبرة )، وتقدر مساحتها الكلية بحوالي 26 مليون متر مربع، وبلغ حجم الاستثمار فيها في العام 2016  3 مليارات دولار. 

ويقول شهود عيان استنطقتهم “أفق جديد” إن المنطقة تعرضت للنهب في الفترة التي كان يسيطر عليها الدعم السريع ولكنه كان بحجم أقل من الذي حدث بعد دخول الجيش إليها، ويؤكد رجل أعمل مستأجر لمخازن في المنطقة إنه كان يتابع مخازنه عبر التطبيقات الذكية إلى جانب بعض الوسطاء الذين تمكنوا من الوصول إلى المنطقة خلال فترة سيطرة الدعم السريع، ويضيف إن المخازن لم تتعرض للنهب إلا بعد دخول الجيش. 

وطالب رجل الأعمال قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، بتشكيل لجان تحقيق للتقصى وتحديد المسؤولين عن ما جرى في المنطقة الحرة من نهب وسلب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى