مراوغة الأوقات الحرجة..

هل تنجح محاولات الهيمنة على الساحة السياسية؟

أفق جديد

مطلع الأسبوع الجاري أعلن قائد عام الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان نيته تشكيل حكومة تصريف أعمال خلال الفترة القادمة. وقال خلال لقاء مع قوي سياسية في مدينة بورتسودان “إن الفترة القادمة ستشهد تكوين حكومة لاستكمال مهام الانتقال”، وفق بيان صادر عن إعلام مجلس السيادة، وذلك لإعانة الدولة لإنجاز ما تبقى من الأعمال العسكرية، مشيرا إلى أن الحكومة المقبلة ستكون من الكفاءات الوطنية المستقلة.

خطاب البرهان أكد خلاله أن المرحلة السياسية المقبلة لن تستوعب أي قوى سياسية ما تزال تساند قوات الدعم السريع، مرحباً في السياق بكل شخص “رفع يده من المعتدين وانحاز للصف الوطني”. وأكد كذلك أنه “لا تفاوض مع المتمردين، وإذا وضع المتمردون السلاح وخرجوا من منازل المواطنين والأعيان المدنية، بعد ذلك يمكننا الحديث معهم”.

وفي ختام مشاورات القوى السياسية الوطنية والمجتمعية حول خارطة الطريق للحوار السوداني وجه البرهان رسالة لحزب البشير بضرورة الإبتعاد من المزايدات السياسية وأن المؤتمر الوطني اذا أراد أن يحكم عليه أن يتنافس في المستقبل مع بقية القوى السياسية.

وأثارت الانتقادات التي صوّبها قائد الجيش لحزب المؤتمر الوطني وتحذيره له من العودة للحكم “على أشلاء السودانيين” ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية السودانية، وحملت معها نذر مواجهة وصدام، بحسب تحليلات البعض فيما رآها الآخرون ديدن ونهج قائد الجيش منذ أمد، في محاولاته التلاعب المستمر بأطياف الساحة السياسية، بتقريب البعيد وإبعاد القريب للوصول إلى نقطة توازن تجعله في قلب معادلات الحكم والسياسية، متكئاً على تحركات جيشه الأخيرة واستعادة السيطرة على العديد من المواقع التي فقدها العام الماضي. وثمة فريق ثالث يشير إلى أن خطاب برهان العلني لا يعني شيئاً لحلفائه الفعليين على الأرض ما دام التحالف معهم في الخفاء مستمر، ما يعني استبعاد أي مواجهة محتملة بين الطرفين.

وأصدر المؤتمر الوطني بياناً من فوره ردا على اتهام البرهان لقادته بـ”التشبث بالحكم مقابل دماء الشعب السوداني” قال خلاله إن “هذا الأمر يكذبه التاريخ القريب”.

وضمن ردود الأفعال المتباينة حول الخطاب وصفت بعض الفاعليات التوجه الجديد بوصفه خطوة في الاتجاه الصحيح لإعادة هندسة المشهد سياسيا، فيما خفف البعض من المسألة برمتها معتبراً أن الخطاب لم يحمل جديدا، بينما عده آخرون محاولات للالتفاف على الخناق الدولي الذي يضيق على حكومة بورتسودان وأن اللهجة مقصود بها بريد الخارج أكثر من كونها للتداول الداخلي.

وبالنسبة لمحللين فإن خطوة البرهان معني بها قطع الطريق أمام احتمالات تشكيل حكومة موازية تعد لها قوات الدعم السريع.

وكانت وزارة الخارجية السودانية كشفت النقاب مؤخرا عن خارطة طريق لما بعد الحرب نحو إجراء انتخابات ديمقراطية في البلاد داعية المجتمع الدولي إلى دعم خطط الانتقال.‏

وقالت الوزارة في ‏‏بيان الأسبوع الجاري إن خارطة الطريق تحدد “مرحلة ما بعد الحرب” في البلاد واستئناف “العملية السياسية الشاملة التي ستتوج بإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة”.، داعية المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، إلى دعم خارطة الطريق لأنها تمثل إجماعا وطنيا لاستعادة السلام والاستقرار في البلاد وتلبية متطلبات الانتقال الديمقراطي”، حسب وصفها، مضيفة أن خارطة الطريق طرحت بعد “مشاورات مكثفة مع المكونات الوطنية والمجتمعية”.‏

وطبقا لشريف محمد عثمان، الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، فإن خطاب البرهان وردود الفعل من الإسلاميين وهجومهم المكثف تكشف عن العلاقة الشائهة، و حقيقة دعم الإسلاميين للقوات المسلحة وموقفهم من الحرب المرهون بتحقيق مشروعهم السلطوي. وأشار شريف إلى أنّ إنهاء حرب 15 أبريل لها مسار طرحناه منذ يومها الأول برفضنا للحرب واعتزالنا الاصطفاف بجانب إي طرف فيها وحثنا للطرفين باتخاذ القرار الصحيح بوقف الحرب لارتباطنا بمصالح السودانيين والسودانيات. 

أما الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عثمان ميرغني فقد اعتبر حديث البرهان أصاب الإسلاميين بصدمة لعدة أسباب، ليس من بينها كلماته المباشرة حول “عدم حكم البلاد فوق أشلاء السودانيين”، بل أهمها أن الإسلاميين ظلوا طوال الفترة الماضية يراهنون على الانفراد بترسيم الملعب السوداني لما بعد الحرب، أو ما يطلق عليه “اليوم التالي”. كانت دائمًا الأصوات التي تحاول استنطاق رؤى المستقبل ومناقشة المسار السياسي المفضي لترسيم الدولة وهياكلها بعد الخروج من النفق، تواجه بقوة لإسكاتها تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت البندقية”، رغم أن المسارين متوازيان: مسار العمل العسكري ومسار العمل السياسي، بحسبه.

ويقول عثمان في مقال منشور مؤخرا إن ما يؤكد ذلك أن الحملات الإعلامية الموجهة ضد القوى السياسية المضادة للإسلاميين كانت أكبر من تلك الموجهة للتمرد نفسه، بما أثقل كاهل الخطاب العام بحمولات سياسية تضعف الإجماع القومي وتطيل عمر الأزمة. ويسترسل: ومع ذلك، لا أعتقد أن البرهان كان يقصد كل كلمة قالها حرفيًا، بل هي موازنات اعتادها منذ تولى السلطة قبل ست سنوات. أن يرجح كفة الميزان السياسي تارة لهذا الفصيل وأخرى لفصيل آخر فيعلق الجميع في حبل “العشم” والانتظار المفتوح.

ويعلق القيادي بتنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم)، ياسر عرمان على خطاب القائد العام للجيش مشيراً إلى أهمية هذا الخطاب الذي انتقل من خطاب النصر المطلق إلى رحابة حديث السياسة الذي يقود للبحث عن الحلول، بقل أن يؤكد أن الخطاب و حده غير كاف لوقف الحرب، ولكنه يفتح كوه من ضوء الحوار وطرح الاسئلة الفعلية والمعقدة، إذا تركنا جوانبه المتعلقة باستتابة الآخرين وعلى رأسهم القوى الرافضة للحرب، مشيراً إلى أن هنالك ثلاث قوى على المسرح السياسي اليوم، هي قوى الثورة والتغيير وحركات الكفاح المسلح غير الموقعة، والقوات المسلحة وحلفائها، والدعم السريع وحلفائه، والقوى التي تحتاج ان ترفع يدها عن القطاع الأمني هي قوى الفلول والحركة الاسلامية وعلاقتها ملتبسة بالجيش وتحتاج ان تنهي زواج المصلحة حتى تتحول القوات المسلحة لقوات غير مسيسة وتعكس التنوع السوداني ولا تعادي الحكم المدني الديمقراطي ولا تخوض حروب الريف وتكون مهنية، وبعدها تقطع اي يدٍ سياسية تمتد اليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى