مستقبل القوي السياسية المدنية في ظل تقدم الجيش وتسيد الإسلاميون المشهد

مع تغيرات الموقف العسكري للحرب في الأيام الأخيرة الفائثة ودوران الكفة لصالح الجيش وتقدمه في مواقع متعددة من البلاد علي حساب تراجع قوات الدعم السريع بدأت تلوح في الأفق لدي البعض إقتراب سيناريوهات إنتهاء الحرب بإنتصار الجيش السوداني وهو الأمر الذي تبعته مباشرة محاولات ترتيب المشهد ما بعد الحرب وطبيعة القوي التي سوف تتسيد المشهد وفق العديد من التكهنات والتصورات المبذولة من جانب القوي الحية علي الأرض التي يمثل الجيش والفصائل المسلحة المتحالفة معه في الحرب والقوي السياسية المدنية أهم الأقطاب الحاضرة علي الخارطة السياسية ويضاف إليها عودة التيار الإسلامي الذي شارك في الحرب بقوة عبر كتائبه القتالية المسلحة والنشاط السياسي عبر قادة التيار في التعاون مع قادة الجيش وهو التعاون الذي مر بتقلبات مدا وجزرا أدت لتقارب الرؤي وتباعدها بين الطرفين وإن إتفق كلاهما علي مسلمات واقعية في ضرورة إستمرار الحرب ودحر المليشيا وإقصاء القوي الثورية والمدنية عن المشهد بينما إختلفا في من سيتسيد المشهد بعد الحرب وكلاهما تفضحه رغباته في الإنفراد بالسلطة الذي يمثل حلم قادة الجيش باعتبارهم الوريث الأحق بالسلطة بسبب الإنتصار الذي حققته المؤسسة العسكرية في الحرب وقيادتها المرحلة الحرجة وهو الحلم الذي ظل يراودها منذ ابريل 2019 في الالتفاف علي الثورة والانفراد بالحكم وبذلت في سبيله أعمالا جسام لكنها لم توفق في مسعاها لذلك تعتبر الحرب الماثلة هي السبيل الأخير لتحقق أحلامها ، بينما يعتبر تيار الإسلاميين الذي بعث نفسه في المشهد وتمدد أثناء الحرب أنها الفرصة المواتية لعودته للسلطة بسبب إستحقاقه وفقا للحق الإلهي المتصور في مخيلاتهم كوريث للأرض من عباد الله الصالحين ولما حققوه في الحرب من مكاسب علي المستوي العسكري والسياسي أعاد بسط سيطرتهم علي الكثير من تفاصيل المشهد في الحكم ومؤسسات الدولة خاصة العسكرية ، وهذا الصراع بين قادة الجيش والإسلاميين سيحتل حيزا مقدرا ومتفجرا في تداعيات مرحلة ما بعد الحرب بشكل مؤكد .
بادر قادة الجيش في التعجل بالتصريح عن رغبتهم في الأحقية بورثة السلطة والحكم بعد الحرب حين صرح ياسر العطا بأن الجيش لن يسلم السلطة لأي قوي مدنية بإعتباره سيمثلرأس الدولة وقيادة الفترة التالية للحرب دون أي حاضنة سياسية مع محاسبة العملاء والمرتزقة وخونة الوطن ، مما أثار جدلا واسعا وسط القوي السياسية التي إعتبرت تصريحات العطا إعلانا مسبقا من قادة الجيش للإنفراد بالسلطة وتأسبس حكم عسكري بالكامل ، وهذا التصريح يزيح الستار عن أحد أهم النوايا الحقيقية لحرب أبريل التي لم تكن سوي لإقصاء حميدتي شريك العسكر وقواته والتخلص من القوي المدنية والتيار الثوري عموما من أجل إنفراد قادة الجيش بالحكم وهو المسعي الذي ظلوا يعملون لأجله منذ اليوم الأول لإنتصار الثورة حتي إنقلابهم عليها في إكتوبر 2021 ، وهو ذات المطمح الذي يسعي له الاسلاميون جراء مشاركتهم في الحرب وإلباسها صفات الكرامة والوطنية وهي ليست سوي شعارات تتخفي من وراءها مساعيهم الحثيثة للعودة للسلطة والحكم ، وقد صرح عدد من قادتهم بضرورة وجود حاضنة وقوة سياسية لإدارة المشهد السياسي داخليا وخارجيا وإدارة الدولة بعد الحرب وهو ما سيعجز عنه قادة الجيش بمفردهم ما يشئ بطموحاتهم في العودة للسلطة وجعل الخيار مفتوحا حتي وإن كان ذلك ببروز دعاوي متخفية لقيام تحالف بين قادة الجيش والإسلاميين في السلطة القادمة ، حيث يستشعر الإسلاميون رغبة قادة الجيش في إستغلالهم في مرحلة الحرب دون إستصحابهم في مرحلة الحكم اللاحقة . وهو ديدن الجنرالات الذين تنكروا للسلطة البائدة إبان الثورة وإنحازوا لرغاتهم الشخصية في الإنفراد بالحكم.
إن الدعاوي التي ظل يرددها قادة الجيش بأهمية بقاءهم في السلطة من أجل الحفاظ علي أمن الوطن والمواطن ومن ثم تأسبس حكومة مدنية ذات كفاءة ونقل السلطة عبر الإنتخابات هي محض دعاوي زائفة وذرا للرماد حيث أثبتت التجربة فشلهم في الحفاظ علي الأمن وفضحت رغبتهم السافرة في الإنفراد بالحكم وهو الأمر الذي لن يتنازلوا عنه مهما حدث سيما وأنهم تكبدوا في سبيله كثير من المشاق وتلطخت أيديهم في سبيله بدماء الاف الأبرياء والإنتهاكات المريعة في حق الشعب الذي لا زال ينتظر المحاسبة علي أفعالهم وستظل سيطرتهم علي السلطة وإنفرادهم بالحكم هو السبيل الوحيد لإفلاتهم من العقاب جراء ما إقترفوه من جرائم ، لذا فالخيار الوحيد للنجاة بالنسبة لهم هو البقاء في السلطة وإذا ما تنازلوا لاحقا بإشراك أي مكون مدني بالسلطة لا بد وأن يكون ذلك بشكل صوري وتكون الهيمنة علي مقاليد الحكم بأيديهم كاملة مثلما حدث في الفترة الإنتقالية وحكومة ما بعد الثورة .
علي ضؤ ذلك فإن مستقبل القوي السياسية المدنية وفصائل قوي الثورة التي تنادي بإبعاد المكون العسكري وقيام برنامج سياسي يعالج جذور الأزمة السودانية وتحقيق المحاسبة والعدالة ودولة المواطنة يعد محفوفا بالمخاطر وعدم إحتمالات تحققه في ظل المشهد الماثل وما بعد الحرب ، فوفقا لمعطيات الواقع ونوايا قادة الجيش فإن ما ينتظر هذه القوي هو الإقصاء الكامل وقد ظهرت بوادر هذا الموقف من خطابات قادة الجيش المعادية لهذه القوي والتصريح بإقصائهم عن أي مشاركة مستقبلية في المشهد السياسيي اللاحق للحرب وكيل الإتهام لها بالخيانة والعمالة ووصول الأمر بإستنفار أجهزتها الأمنية وأجهزة إنفاذ القانون في قيد البلاغات الجنائية والغيابية في مواجهة قادة ومنسوبي تلك القوي تحت تهم تصل عقوبتها للإعدام إضافة لمحاكمات شملت منسوبين وناشطين من قوي الثورة ، لذلك لا جدوي لأي قوي سياسية وثورية من قوي الثورة من الإنخراط في أي تفاهمات مع قادة الجيش لثبوت نواياهم الغادرة تجاه الثورة والقوي المدنية ولا سبيل سوي إستعادة الثورة وشعاراتها الراسخة بإبعاد المكون العسكري نهائيا من الحكم وعودته للثكنات وحل مليشيا الدعم السريع ومحاسبة كل المتورطين في جرائم ضد الشعب .