من على الشرفة

المساومة التاريخية.. شراء المستقبل

طاهر المعتصم
طاهر المعتصم

taherelmuatsim@gmail.com

قرابة سبعة وستين سنة منذ خرج المستعمر من بلادنا، ما بين حروب وانقسامات وانقلابات عسكرية، وأحزاب تصل السلطة عبر رافعة ضباط في الجيش، وتقصي خصومها السياسيين بقوة الدولة، حتى الفترات الانتقالية والديمقراطية على قلتها –أكثر قليلًا من عشرة أعوام – تكون فترة التقاط أنفاس للانقلاب على الديمقراطية.

وسنن التاريخ السياسي بعد الاستعمار، جعلت الفصيل السياسي الذي يأتي صاعدًا فوق دبابة، أول الضحايا عندما يثبت الانقلاب أركانه، عُلق عبدالخالق محجوب في مشانق جعفر نميري، وقضم الفأر أصابع قدم حسن الترابي في معتقلات عمر البشير، قسمت البلاد وانفصل ثلثها، دارفور لم تهدأ منذ العام 2003، جنوب كردفان جزء منها خارج سيطرة الدولة السودانية، يحكم بواسطة مليشيا الحركة الشعبية قطاع الشمال قيادة عبدالعزيز الحلو، جبل مرة تحت سيطرة مليشيا جيش تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور.

صراع السلطة بين اليمين واليسار- تجاوزًا – أضحت تمظهراته الهامش والمركز، حتى وصلنا إلى سقوط نظام البشير والإخوان المسلمين في 2019، ليحدث انقلاب 25 أكتوبر 2021، ويعودوا من الشباك، حاولت القوة السياسية التي تضررت من الانقلاب العودة عبر مسار سياسي، فاختلف قادة 25 أكتوبر، واشتعلت حرب الخرطوم في 15 أبريل 2023، كانت الأبشع في تاريخنا الحديث، أضحت بلادنا ساحة للتدخل الدولي والخبث الإقليمي، أكثر من 15 مليون شخص نزحوا من مدنهم، أزيد من 3 ملايين لجأوا إلى دول الجوار، البنية التحتية دمرت.

كثيرون حاولوا إيجاد مخرج للبلاد من الدورات الخبيثة، أبرزهم الدكتور الشفيع خضر الكاتب والمفكر السوداني، إذ طرح فكرة المساومة التاريخية خلال السنوات الماضية، ووجد من الهجوم ما وجد، في تقديري إن الواقع اليوم يفرض أن تتوقف رقصات الجنون بين الخصوم، وأن يدركوا أن خلافاتهم هي المدخل لطموح الجنرالات منذ 1959، والأخطر أنها أضحت بابًا للتدخل الخارجي بأجندته، وعنوانًا للفشل المزمن.

حان الوقت لإجابة الأسئلة الصعبة، وتقديم التنازلات الكبرى، والوقوف قبل أن تسقط البلاد في حافة الهاوية، الشجاعة في التعاطي مع القضايا الإستراتيجية وبناء الأمة السودانية، وإقامة أسس الدولة الرشيدة ذات القدرة على الولوج للمستقبل، ليس الأيادي المرتجفة، ولا الغبائن التنظيمية والمواجد الشخصية، هذا الوطن يستحق.

يتبادر إلى الذهن مباشرة هل تقبل القوى المدنية الحركة الإسلامية بعد انقلابها وحربها ووجودها داخل الأجهزة العسكرية والأمنية، وهل تقبل هي التحول لحزب مدني سياسي دون أذرع، نعم يمكن فالرهان على العسكر سيكونوا ضحيته الأولى بقرائن التاريخ الحديث، وما حديث الجنرال البرهان أول أمس ببعيد، ولنا في نيلسون مانديلا قدوة حسنة، الرفض المتبادل سبب في تدمير البلاد وتشريد العباد.

أوجب الواجبات أن يتواضع الجميع ويعتذر من أجرم، ويتفقوا على الالتزام بعدم الانقلابات، وأن تكون هناك خطة بناء الأمة السودانية، وتنمية متوازنة لأقاليمه المختلفة، وتبادل سلمي للسلطة، ودستور دائم لا يخرق، وقيم وطنية ومبادئ عليا فوق دستورية، وجيش وطني قومي محترف واحد.

السودان الذي يدعي الجميع محبته، لا يترجمون أقوالهم إلى أفعال، ولا يدفعون بين يديه ما يؤيد ذلك، بل يتنافسون في حكمه دون صندوق انتخابات، وأخشى ما أخشى أن لا يجدوا رقعة جغرافية وسكانًا ليحكموهم ويستولوا على مواردهم، أدمنوا التكتيك وتجاهلوا الإستراتيجي، هل هناك من الرشد ما يسمح بالتقاط الأنفاس وإجراء مساومة تاريخية وشراء المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى