بصمة مودة.. جذوة إلهام في ظلام الحرب

وكالات – أفق جديد
رغم أنها لم تتجاوز العشرين عامًا، إلا أن مودة بابكر علي حامد عاشت تجارب قد تكسر عظام الكثيرين. فقد ولدت مكفوفة البصر، لكنها تغلبت على حواجز لا حصر لها لتصبح واحدة من أفضل طلاب المدارس الثانوية في السودان.
ولكن عندما اندلعت الحرب في السودان عام 2023، تغيرت حياتها بشكل غير متوقع. فقد اضطرت هي وعائلتها إلى الفرار من وطنها، ووجدت ملاذًا في الإمارات العربية المتحدة، حيث اكتشفت منذ ذلك الحين أملًا جديدًا وأحلامًا جديدة ومستقبلًا واعدًا.
واليوم تدرس مودة علم النفس في جامعة عجمان، حيث لم تجد بيئة أكاديمية داعمة فحسب، بل وأيضًا الأدوات اللازمة للنجاح. وفي مقابلة مع صحيفة (غولف نيوز)، تذكرت مودة: “كان الفرار من السودان تجربة مريرة ومؤلمة وقاسية”، مشيرة إلى أن قرارها بترك كل ما تألفه خلف ظهرها أحد أصعب الأشياء التي واجهتها على الإطلاق، “ولكن في النهاية، غير ذلك حياتي تماما”، كما تقول.
مقاتلة منذ البداية
كانت عائلة مودة في وقت سابق في المملكة العربية السعودية، حيث أكملت تعليمها المبكر قبل أن تعود إلى السودان للالتحاق بالمدرسة الثانوية. ومع ذلك، لم يكن الحصول على القبول في المدرسة أمرًا سهلاً. تتذكر مودة: “رفضتني أكثر من 12 مدرسة بسبب إعاقتي البصرية”.
تحدت مودة الصعاب وأخيرًا التحقت بمدرسة. ومع ذلك، لم تتوقف التحديات أبدًا. تقول: “واجهت صعوبة في العثور على شخص يكتب لي في الامتحانات، وكانت الكتب المدرسية المخصصة للمكفوفين نادرة”، مشيرة إلى عنت وصعوبة واجهتها أيضاً في دروس الرياضيات بشكل خاص.
لكن بفضل مرونتها وإصرارها ودعم عائلتها المستمر، الذي كان أكبر ركيزة من ركائز قوتها، واصلت مودة المضي قدمًا، وتخرجت في نهاية المطاف كواحدة من ألمع الطلاب في السودان، حيث احتلت المرتبة 25 في البلاد بنسبة 96.3 في المائة. وبعدها اندلعت الحرب.
بداية جديدة
تقول مودة: “حاولت عائلتي دائمًا تسهيل كل شيء بالنسبة لي. لقد كانت طفولتي رائعة، وقد وفروا لي كل ما أحتاجه. ولكن عندما اندلعت الحرب، انقلبت حياتنا رأسًا على عقب”. وتسترسل: “تم تدمير كل شيء من حولنا، كان الأمر لا يطاق. كان كل شيء ينهار. لذلك، في يونيو 2023، كان علينا الانتقال إلى دولة الإمارات”.
سرعان ما التحقت مودة بجامعة عجمان، حيث وجدت شعورًا بالانتماء. تقول: “رحبت بي الجامعة بأذرع مفتوحة. تعرفت على أصدقاء جدد ووجدت الدعم الذي أحتاجه لمواصلة تعليمي”، مشيرة إلى أنّ التزام الجامعة تجاه الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة لعب دورًا حاسمًا في انتقالها. فقد وفر لها مركز التعلم الشامل الأدوات التكنولوجية الأساسية، مما سمح لها بالتنقل في دراستها باستقلالية أكبر، بحيث باتت تستطيع معالجة وقراءة الملفات بتنسيقات مختلفة، وباستخدام القارئ الفني تستطيع تقديم عرض في الفصل، ويتيح لها تطبيق آخر تسجيل محاضراتها؛ “حتى مسح المستندات والصور أصبح ممكنًا الآن باستخدام أكواد كيو آر والتعرف الضوئي على الحروف”، كما تقول. “لقد جعلت هذه الأدوات تجربة التعلم أسهل كثيراً”.
وفي حفل تكريم أقيم مؤخرا في الجامعة، كانت مودة من بين 750 طالبا تم تكريمهم لتميزهم الأكاديمي. وفي معرض تعبيرها عن امتنانها، بذلت شكرها لجامعة عجمان على تزويدها بالدعم اللازم لتحقيق أحلامها؛ قائلة: “لم أتخيل أبدا أنني سأحظى بكل هذه الفرص”.
الحلم الكبير وإلهام الآخرين
وتتجاوز طموحات مودة حدود الدراسة الأكاديمية. تقول: “أريد أن أكون شخصية مؤثرة في علم النفس وأن أترك بصمة في المجتمع”. لكنها لا تتوقف عند هذا الحد. ومع حبها العميق للعطور، تحلم بإطلاق علامتها التجارية الخاصة للعطور يومًا ما. “العطور هي شغفي، وأريد تحويل هذا الشغف إلى شيء ذي معنى”. كما تحب الموسيقى وتعزف على لوحة المفاتيح.
ورغم التحديات التي واجهتها، تظل مودة متفائلة بشدة. “علمتني الحياة أن السقوط مجرد حادث، لكن البقاء في الأسفل هو اختيار. فالله لا يغلق بابًا إلا ويفتح ألف باب آخر”.
وتأمل مودة أن تلهم رحلتها الآخرين، وخاصة الأشخاص ذوي الإعاقة، للإيمان بأنفسهم. وتقول: “يمكن للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أن يفعلوا أي شيء إذا أتيحت لهم الفرص المناسبة. ما عليك سوى أن تسألهم عما يحتاجون إليه، وأن تدعمهم. هذا كل ما يتطلبه الأمر.