المسمارُ الثاني
غدًا يُدَقُّ المسمارُ الثاني في نَعْشِ هذه البلاد المنكوبة
**غدًا يُدَقُّ المسمارُ الثاني في نَعْشِ هذه البلادِ المنكوبةِ. غدًا يبدأُ تقسيمُ هذه البلادِ المقسمةِ قبلًا، وتهشيمُ هذه الرقعةِ الجغرافيةِ المهشمةِ أصلًا. غدًا يجتمعُ نفرٌ من ساسةٍ وقادةٍ هذا الوطنِ في قاعةِ “جومو كنياتا” بمركزِ المؤتمراتِ الدوليِّ في العاصمةِ الكينيةِ نيروبي، لإعلانِ حكومةٍ اختيرَ لها مسمى “حكومة السلام”، وبلا شكٍّ السلامُ بعيدٌ عن أجندتها لأن من يريدُ السلامَ لا يحتمي ببندقيةٍ من أوغلَ في دمِ هذا الشعبِ، وانتهكَ حرماته وسامه سوءَ العذابِ، ومن أرادَ السلامَ لن يعيهِ السيرُ حافيًا على جمرِ السلميةِ الذي رفعتهُ ثورةُ ديسمبرِ شعارًا وطبقتهُ عملًا، فينعي شهيدَها شهيدًا سبقه في هذا الطريق، ويخرجُ للموكبِ عارِ الصدرِ، شاهرًا هتافه “سلمية سلمية ضد العسكر والحرامية”، لم يفكرْ يومًا أن يحملَ سلاحًا غيرَ أغصانِ الأشجارِ لتحميهِ من غازِ السلطةِ المسيلِ للدموعِ، رغم الدعواتِ الخبيثةِ التي كانت تنادي بعسكرةِ الثورةِ. غدًا يكتملُ المخططُ وكلٌّ في غيّهِ سادرٌ، وفي رقصةِ هياجهِ مستمرٌ، لم يزحزحهُ صياحُ الثكالى ولا طوابيرُ اليتامى، وهم يتدافعونَ للحصولِ على “كَمشة” بليلةٍ تقيهم شرَّ الجوعِ، ولا ردعتهُ مشاهدُ الدمارِ التي تتناقلها فيديوهاتُ السوشالِ ميديا، ولا دمعتْ عيناهُ حسرةً على تبدلِ حالِ المدائنِ التي كانت بالحياةِ ضاجةً.
غدًا الثلاثاءُ 18 فبراير 2025 هو اليومُ الذي إنْ لم نتداركْ تداعياتهُ سيسجلُ في التاريخِ مرفقًا بتعريفِ “يومِ حنثِ كلِّ جنديٍ في الجيشِ السودانيِّ بقسمهِ، وخانَ كلُّ ضابطٍ عهدهُ للشعبِ والوطنِ بحمايةِ أرضهِ وصيانةِ وحدتهِ”، فدساتيرُ السودانِ المتعاقبةِ عرفتْ مهامَّ القواتِ المسلحةِ بالآتي: “تكونُ مهمةُ القواتِ المسلحةِ القوميةِ السودانيةِ حمايةَ سيادةِ البلادِ، وتأمينَ سلامةِ أراضيها، والمشاركةَ في تعميرها، والمساعدةَ في مواجهةِ الكوارثِ القوميةِ، وذلكَ وفقًا لهذا الدستورِ” والقسمُ الذي يؤديهُ كلُّ فردٍ فيها يومَ تخرجهِ والمسمى بقسمِ الولاءِ هو: (أقسمُ باللهِ العظيمِ أن أنذرَ حياتي للهِ والوطنِ وخدمةِ الشعبِ في صدقٍ وأمانةٍ، وأن أكرسَ وقتي وطاقتي طوالَ مدةِ خدمتي لتنفيذِ الواجباتِ الملقاةِ على عاتقي بموجبِ الدستورِ وقانونِ القواتِ المسلحةِ، أو أيِّ قانونٍ آخرَ أو أيِّ لوائحٍ ساريةٍ المفعولِ، وأن أنفذَ أيَّ أمرٍ مشروعٍ يصدرُ إليَّ من ضابطي الأعلى برًا وبحرًا أو جوًا، وأن أبذلَ قصارى جهدي لتنفيذهِ حتى لو أدى ذلكَ للتضحيةِ بحياتي). ومن بداهةِ القولِ إنّ أيَّ تقسيمٍ جديدٍ لهذه البلادِ تقعُ مسؤوليتهُ على القواتِ المسلحةِ ضباطًا وجنودًا، لأنها رهنتْ قرارها لتنظيمٍ شيطانيٍ قسمَ ليبيا وفتتَ اليمنَ وأدخلَ سوريا في حربٍ لأحدَ عشرَ عامًا وستستمرُ، وكادَ أن يرمي بالدولةِ المصريةِ إلى أتونِ الجحيمِ، ونجتْ منه تونسُ لأن في جيشها بقايا روحٍ قاومتْ فانتصرتْ.
وبداهةِ القولِ إنّ أيَّ تقسيمٍ لهذه البلادِ مسؤولٌ عنه البرهانُ لأنه مكنَ لمجموعةٍ مهاويسَ من مفاصلِ القرارِ فأشاروا عليه بعقدِ امتحاناتِ الشهادةِ السودانيةِ في مناطقِ سيطرةِ الجيشِ، وحرمَ من هم خارجها، وأشاروا عليه فقررَ في لحظةٍ أن يبدلَ العملةَ في ست ولاياتٍ ويمنعَ البقيةَ من تداولِ الجنيهِ ذاتهِ، مسؤولٌ عنه البرهانُ لأنه بجرةِ قلمٍ قررَ تجريدَ مكوناتٍ اجتماعيةٍ أصيلةٍ وعريقةٍ من مكوناتِ هذه البلادِ من وطنيتهمِ ومنعهمُ من استحقاقاتهمِ الدستوريةِ وأوراقهمِ الثبوتيةِ، مسؤولٌ عنه البرهانُ يومَ سمحَ لولاةِ الولاياتِ أن يحاكموا الناسَ بسحاناتهمِ وألوانهمِ بما عُرفَ بـ”قانونِ الوجوهِ الغريبةِ”. مسؤولٌ عنه البرهانُ لأنه سمحَ لمن يبقرونَ البطونَ ويجزونَ الرؤوسَ أن يرتدوا زيَّ القواتِ المسلحةِ، ويقاتلونَ ببندقيتها ويرفعونَ شعاراتها، وباسمها يريدونَ العودةَ إلى السلطةِ، ومسؤولٌ عنه البرهانُ يومَ قررَ الاستمرارَ في هذه الحربِ التي وصفها هو لا غيره بأنها حربٌ عبثيةٌ.