قرى الجزيرة.. أيّ عودة؟

يتجاوز عدد سكان ولاية الجزيرة ملايين نسمة يمثلون 13 في المئة من سكان السودان 

أفق جديد

بعد أشهر طويلة من النزوح والمُعاناة عاد آلاف السودانيين بقلوب واجفة وعيون حاسرة إلى قراهم وبلداتهم المُدمرة والمنهوبة بولاية الجزيرة، في أعقاب هجوم نفذته قوات “الدعم السريع” بالأسلحة الثقيلة والخفيفة على المنطقة، أدى إلى نزوح جماعي وقسري إلى غياهب المجهول.

وفي 11 يناير الماضي، أعلن الجيش السوداني، أن قواته تمكنت من السيطرة على مدينة ود مدني واستعادتها من قوات الدعم السريع.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 سيطرت قوات الدعم السريع بقيادة أبو عاقلة كيكل على مدن عدة في الجزيرة، بينها ود مدني مركز الولاية.

يعود النازحون، وهم أشد رهقًا وفقرًا وحاجة إلى الغذاء والدواء وإعادة الإعمار لبيوتهم، ومرافقهم العامة من الكهرباء والمياه والاتصالات والمراكز الصحية.

ويتجاوز عدد سكان ولاية الجزيرة 5 ملايين نسمة يمثلون 13 في المئة من سكان السودان وفق إحصاء عام 2018، وتحتل المرتبة الثانية بعد ولاية الخرطوم من حيث الكثافة السكانية.

يقف سليمان مختار (40) عامًا، على أطلال منزله المُتصدع بقرية “الخيران” بمدينة “أبو قوتة”، محاولًا التفكير في ترميم البيت مرة أخرى، وشراء الأثاث، بعد عملية التدمير والتخريب والنهب. 

يقول مختار لـ”أفق جديد”: “وصلت إلى قريتي رفقة شباب آخرين، لتفقد الأحوال، وترتيب الأوضاع مرة أخرى لإعادة أسرتي إلى المنزل، لكن الصدمة كانت كبيرة”.

وأضاف: “الظروف صعبة، المنزل منهار، وكل شيء مدمر ، أطلال من الأنقاض على مد البصر، عودة الأسرة الكبيرة تحتاج إلى مجهودات كبيرة”.

من جهتها تقول آمال يوسف، (46) عامًا من قرية “صفيتة”: “بيوتنا فارغة من كل شيء، امتدت أيادي عناصر الدعم السريع إلى الحبوب الغذائية والأواني المنزلية وألواح الطاقة الشمسية”.

وأضافت آمال في حديثها لـ”أفق جديد”، “قررنا العودة رغم الدمار والخراب، لأن غلاء الإيجارات أثقل كاهلنا، ونفدت مدخراتنا من الأموال”.

وتابعت: “كل ما نرجوه أن تتدخل الحكومة لتوفير أبسط مقومات الحياة للعائدين من أجل الاستقرار بعد رحلة معاناة طويلة”.

من جانبه يقول المواطن، أنس حسن، (50) عامًا: “الحياة بدأت تعود تدريجيًا إلى مناطق “ود الحداد، والحاج عبد الله”، رغم الخراب والتدمير”.

وأوضح حسن في حديثه لـ”أفق جديد”: “توفرت المياه في الخطوط العامة، لكن الكهرباء ما زالت مقطوعة، بسبب سرقة زيوت محولات الكهرباء”.

بدورها تقول آمنة الهادي (36) عامًا: “رجعنا إلى قرية (الشبارقة) وتوفرت بعض السلع الغذائية والخضروات”.

وأشارت الهادي في حديثها لـ”أفق جديد”: “شبكة الاتصالات عادت إلى الخدمة وفي انتظار خدمات الكهرباء”.

وأضافت: “البيوت مدمرة ومنهوبة، لكننا سنبدأ من جديد. الخيارات معدومة، منزلنا رغم الخراب أفضل من معسكر النزوح”.

في مدينة “ود مدني” عاصمة ولاية الجزيرة، عادت أسرة نبيل عبد المطلب إلى منزلها بحي “مايو” بعد رحلة نزوح طويلة استمرت لأكثر من عام ونصف بمدينة كسلا شرقي السودان”.

يقول نبيل (54) عامًا، لـ”أفق جديد”: “وصلت مع أسرتي إلى منزلي بمدينة ود مدني. الحي السكني مدمر ومنهوب، لكن رغم ذلك قررنا العودة والبدء من جديد”.

وأضاف: “المدينة تعيش في الفوضى، آثار الحريق في كل شارع، وأسلاك الكهرباء مقطوعة، لكن رغم ذلك الآمال كبيرة بأن تعود الأوضاع إلى الأفضل”.

أما عبد الإله علي فيقول لـ”أفق جديد”: “أنا وأسرتي المكونة من 7 أبناء، كنا نعيش في مدينة عطبرة، وسط ظروف قاسية”، ويضيف: “نفدت مدخراتنا المالية، وقررنا العودة إلى منزلنا المهجور في قرية (تنوبة) بولاية الجزيرة”.

وأضاف: “بدأ أهل القرية في العودة إلى منازلهم. توفرت السلع الغذائية في الأسواق، لكن هناك مشكلة في الإمداد الدوائي”.

وتابع: “قرى الجزيرة عانت كثيرًا، مع انتشار الملاريا وحمى الضنك. أملنا في أن تنعم تلك المنطقة بالأمن والاستقرار”.

بالنسبة للناشط الإنساني، أحمد مدني فإن الظروف الإنسانية بالغة التعقيد، والمدن والقرى في ولاية الجزيرة تعيش أوضاعًا شديدة البؤس، بعد أن مارست عناصر قوات الدعم السريع، والعصابات المسلحة عمليات النهب والسلب.

وأوضح مدني في حديثه لـ”أفق جديد” أنهم يعملون على توفير الغذاء والدواء لآلاف المواطنين العائدين إلى قراهم بالتعاون مع المنظمات الإنسانية ورجال الأعمال والخيرين.

وأشار إلى أن المشكلة الأساسية تتمثل في صعوبة عودة الكهرباء بسبب تدمير الأعمدة والمحولات، والخيار المتاح حاليًا توفير منظومات الطاقة الشمسية لتشغيل آبار ومحطات المياه، حسب قوله.

وفي مدينة المناقل، أعلن رئيس لجنة الإسناد والدعم والإعمار بولاية الجزيرة، عبد المنعم أبوضريرة، عن مبادرة لعودة النازحين من الولايات كافة إلى مدينة ود مدني، وتكفل بتوفير وسائل النقل والمواد الغذائية ومياه الشرب على نفقته الخاصة.

ويقول عضو “مؤتمر الجزيرة”، محمد عبد الرحيم: “ناشدنا الحكومة والمنظمات الإنسانية لمساعدة العائدين إلى قراهم في ولاية الجزيرة”.

وأضاف عبد الرحيم في حديثه لـ”أفق جديد”: “المشكلة حاليًا تتمثل في إعادة إعمار القرى، وتواصلنا مع الحكومة ووالي ولاية الجزيرة، لأن الوضع سيئ جدًا”.

وتابع: “هناك قرى انهارت انهيارًا شاملًا، لكننا نسعى لحل المشكلة ومساعدة الناس للعودة الآمنة لبدء حياة طبيعية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى