الجبهة المدنية او حكاية الغول والعنقاء
السودان إلى أين؟ 2- 3
أفق جديد
عقبات عديدة تواجه محاولات تشكيل جبهة مدنية عريضة لإيقاف الحرب في السودان، أبرزها الانقسامات الحادة بين القوى المدنية نفسها، فقد أدى اختلاف التوجهات السياسية والأيديولوجية بين الفصائل المدنية إلى غياب رؤية موحدة، إذ تحتفظ بعض القوى بمواقف متباينة تجاه طرفي الصراع (الجيش والدعم السريع)، مما يعوق التوافق على استراتيجية موحدة لإنهاء الحرب. كما أن غياب الرؤية المركزية الفعّالة يعقّد جهود التنسيق، حيث تتعدد المبادرات والكيانات دون إطار جامع، مما يؤدي إلى تشتت الجهود. إضافة إلى ذلك، فإن التجارب السابقة، لا سيما خلال الفترة الانتقالية، عمّقت حالة عدم الثقة بين القوى المدنية، خاصة بعد انقسامات قوى الحرية والتغيير وتباين مواقفها من التحالف مع الجيش أو الاصطفاف ضده.
أيضًا من العقبات الكبرى التضييق الأمني والانتهاكات المستمرة ضد الناشطين والسياسيين، حيث تواجه القوى المدنية قيودًا صارمة تمنعها من التحرك بحرية داخل السودان، ما يحدّ من قدرتها على تنظيم جهود موحدة. كما أن البيئة الإقليمية والدولية لا تبدو داعمة بقوة لمشروع جبهة مدنية موحدة، إذ تفضّل بعض القوى الخارجية التعامل مع الفاعلين العسكريين مباشرة، متجاهلة دور المدنيين في حل الأزمة، ويلعب كذلك النزوح الواسع وتدمير البنية التحتية دورًا سلبيًا في تنظيم العمل المدني، حيث تفتقد القوى المدنية مقومات اللوجستيات والتواصل الفعال مع القواعد الجماهيرية، ما يجعل أي مشروع لجبهة موحدة أمرًا صعب التحقيق في ظل الظروف الحالية، غير أن الجهود لا تزال مستمرة على عدة مستويات، تتقدم حينًا وتتاخر أحيانًا.
خلص المتحدثون في المحور الثاني من حلقة نقاش (الراهن السياسي والعسكري ومستقبل السودان) التي نظمتها “أفق جديد”، وجاءت تحت عنوان “بناء الجبهة المدنية العريضة ولقاء نيروبي”، إلى ضرورة تقييم التجارب السابقة في محاولات توحيد القوى المدنية، والاستفادة من الأخطاء التي صحابتها، مشيرين إلى ضرورة بلورة مشروع سياسي واضح بمشاركة الجميع.
وأبرز النقاش الحاجة الملحة إلى بناء تحالف مدني عريض يشعر الشعب السوداني بأنه سيقدم تجربة مختلفة، محذرين من أن استمرار تشرذم وتشتت القوى المدنية سيؤدي في النهاية إلى إيجاد حلول قد لا تكون في مصلحتها.وابتدر النقاش في المحور الصحافي شوقي عبدالعظيم قائلًا: إن الجبهة العريضة نشأت متزامنة مع بدايات قيام الحرب من القوى التي كانت داعمة للاتفاق الإطاري وهو الاتفاق الذي كان يمكن أن يكون مخرجًا بعد انقلاب 25 أكتوبر، لكنه لم يكن محل إجماع من قوى الثورة وهو ما أسهم في إضعافه حيث تعارض بين القوى الثورية، فمنها من رأى الاستمرار في مقاومة الانقلاب عبر العمل المدني السلمي لحين إسقاطه، وهذه كان قوامها الحزب الشيوعي ومعظم لجان المقاومة، بينما رأت المجموعة التي ساندت الاتفاق الإطاري أن تدخل في تفاوض لإنهاء الانقلاب مما جعل المجموعة الأولى ترى أن السياسيين قفزوا على مطالبها بالإسقاط.
ويضيف شوقي: بعد الحرب تم تكوين جبهة (لا للحرب) التي دخلت فيها نقابات ولجان مقاومة لكن خلاف ما قبل الحرب انتقل إلى ما بعدها وحدثت حالة من التوهان للقوى المدينة خاصة بعد أن طال أمد الحرب وتمترست العديد من الأطراف في مواقف ما قبل 15 أبريل، كل ذلك جعل تحالف (لا للحرب) لا يقدم عملًا مؤثرًا.
وأضاف شوقي: مشروع إنهاء الحرب لم يكن واضحًا ولم يلتف حوله الناس بالقدر المطلوب، مما جعل هذا التحالف يبدو وكأنه مرتبطًا بمصالح ما بعد الحرب، وانحصرت عضويته في الموقعبن على الاتفاق الإطاري لذا في تأسيس تقدم اتفقوا على ضرورة إنتاج مشروع سياسي، وهيكل رأسي حتى لا تترحل المشاكل من تحالف للآخر.
ورأى عبدالعظيم أن مكونات الجبهة المدينة العريضة مثل لجان المقاومة مثلًا حصلت فيها مشاكل وانقسامات مع عدم وجود مشروع للمعالجة. وقال: هذه الأطراف اختلفت ما بعد وقبل الثورة والحرب، الأحزاب والتنظيمات خلافاتها انعكست على تنسيقية تقدم بشكل كبير لذا لم تجد الأجسام من غير القوى السياسية الاهتمام الكافي ومحاولة حلحلة خلافاتها.

توقيت مثالي
وأشار شوقي عبدالعظيم إلى أن الحركات المسلحة داخل تقدم أثرت انقساماتها في الكتلة. واستدرك بالقول: لكن هنالك جانب إيجابي في تحسين الأداء وكانت هنالك مشاورات، في كمبالا أقيم اجتماع الهيئة القيادية لتقدم وشارك فيه عبدالواحد محمد نور، هذا اللقاء كان مهمًا وظهر فيه الخلاف بشكل علني وحدثت نقاشات ومشاورات بين مجموعتي الموافقين على الحكومة الموازية والرافضين لها، ثم تطرق اللقاء إلى مناقشة نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، بالإضافة إلى مناقشة فكرة الجبهة المدينة العريضة التي تبناها عبدالواحد.
وتطرق شوقي إلى لقاء نيروبي وقال: تجلت ووضحت فيه أزمة الهيئة القيادية لتقدم وظهرت فيه مشاكل افتقاد التنوع مثل افتقاره إلى مشاركة الفئات مثل المرأة وغيرها. وفي هذا اللقاء وضع عبدالعزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور مسألة الدولة العلمانية على المحك وأصرا عليها ورفضا التنازل فنشأ الصراع ولم يصل الاجتماع إلى نتيجة إيجابية، حينئذ ظهر اعتراف وقتها بأن تقدم لم تقدم شيئًا كبيرًا، وبرزت أصوات لبناء جديد وبرز انفتاح نحو جبهة مدينة عريضة.
ورأى عبدالعظيم أن التوقيت الآن مثالي وجيد لمناقشة أساب فشل المشروع، وتساءل حول كيفية وقت الحرب والترتيبات والرؤية لما بعد الحرب، ثم بعدها الدستور والعلمانية ووضع العلمانيين نفسهم. وحول العلاقات مع لجان المقاومة والاجسام خارج تقدم قال شوقي: لماذا فشلوا في ضم الحزب الشيوعي مثلًا ولجان المقاومة، مثلما فعل ياسر العطا مع اللجان وكذلك الشيوعي، لاستعادة المسار.
وحول مسألة فك الارتباط يعتقد عبدالعظيم أنه لم يجد قبولًا، وقال: في الاجتماع الثاني الخاص بمناقشة الحكومة الموازية أرادت مجموعتها أن تأخذ اسم تقدم وتشارك به في الحكومة الموازية المقترحة، بالإضافة إلى مسألة نزع شرعية حكومة بورتسودان.
وذكر شوقي عبدالعظيم ن تقدم لا تدعم أي طرف. وقال: لكنها انقسمت بين فئتين إحداهما داعمة للحكومة الموازية والأخرى معارضة ورافضة وبدا فك الارتباط وتكونت له لجان.
وأضاف: الأزمة الحالية تتمثل في كيفية تستخدم لافتة تقدم هل ستكون مع الحكومة الموزاية أم المعسكر الآخر، هنالك رغبة في تذويب تقدم باسم الجبهة المدينة العريضة مع أن الطرف الآخر يصر على استخدام اسم تقدم في الحكومة الموازية – هذا ما حدث لاحقًا – .
وفي مداخلته في المحور الثاني تساءل رئيس التحرير عثمان فضل الله: كيف تستطيع القوى المدنية الصمود داخل جبهة مدنية عريضة، مشيرًا إلى أن جزءًا كبيرًا من تقدم انحازت إلى الحكومة الموازية، مع وجود نفس الأشخاص والعقليات، وأضاف: طبيعة الحراك في الجبهة به إشكال في ظل وجود قوى مدينة متحالفة مع قوى حاملة للسلاح وهذا تناقض يحتاج إجابات وتفكير.
حلول تفوضية:
عقبت دكتورة مريم الصادق على حديث شوقي بالقول: نحن نعول على حل سياسي تفاوضي وتكوين حكومة مدينة، في فبراير 2024 حصل تفاوض واختراقات في اجتماعات المنامة مثلًا، وأضافت: ما هي النتائج المرجوة من الضغط الدولي على طرفي النزاع مثل العقوبات الأمريكية التي فرضت.
وتساءلت: هل حقيقة لدينا قدرة لنكون موضوعيين للنظر إلى دروس الماضي لنبني ونتطلع لمستقبل أفضل، الثمن دفعه المواطن السوداني خلال هذه الحرب، خيار وحدة السودان يجب أن نعترف فيه في إطار التنوع، مثلًا في العلمانية نعترف بأهمية وجود بلد متنوع، نتخوف من أن يكون السودان بؤرة إرهاب دولي، وعلينا أن نبحث عن كيفية سد ثغرة مشاكل المواطن لتكون هي الأولوية بالنسبة لنا قبل قضايا العلمانية وغيرها.
وتابعت: أولويتنا الأولى هي وقف الحرب لكن ما هي المطلوبات والآليات؟ مشكلة المجموعات المدينة هي غياب الثقة بيننا مع بعضنا البعض، المجموعات العسكرية نفسها تتبادل الاتهامات أحيانًا وحتى الشعب، يجب بناء الثقة وإنهاء الإقصاء والإجابة على التساؤل العريض: ما هو دور المدنيين؟ يجب أن نعرف كيف نتعامل مع هؤلاء الإسلاميين، وقبل ذلك يجب أن نتوحد ونفرض رؤيتنا على المجتمع الدولي وليس العكس.
وفي تعقيبه قال كبير مستشاري رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، الشيخ خضر، إن المكونات المقترحة لتكوين الجبهة المدنية كبيرة وتشمل الأحزاب داخل وخارج تقدم، وكذلك المجتمع المدني بأطرافه من لجان المقاومة وغيرهم، وتساءل: كيف تضم اللجان للجبهة العريضة، وكذلك النقابات بالإضافة إلى عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور، كيف نجمع كل هذه المكونات مع التفكير في كيفية النظر للكتلة الديمقراطية الداعمة للجيش، وكذلك مجموعة المؤتمر الشعبي الرافضة للحرب.

وقال الشيخ: الهدف هو إيقاف الحرب والسعي لقيام دولة مدينة ديموقراطية في المستقبل، تقدم كان همها الشمول وإصلاح التنظيم ومحاربة الاختطاف، لكنها لا تستطيع القيام بهذا الدور لوحدها لذا لابد ما إعداد وثيقة ابتدائية يتم تداولها والنقاش حولها وصولًا إلى صيغة نهائية تقوم عليها الجبهة المدنية العريضة.
من ناحيته تحدث عضو حزب الأمة القومي، محمد الأمين عبد النبي قائلًا إن اجتماعات نيروبي كانت تشير إلى أن هنالك أكثر من تصور للجبهة، مشيرًا إلى أن قضية العلمانية هي أصل المشكلة بالإضافة إلى قضايا الأخرى. وقال: مجموعة عبدالعزيز الحلو ترى ضرورة فصل الدين عن الدولة، ورفض رئيس الوزراء الانتقالي عبدالله حمدوك الأمر، وفضل إرجاء القضية لتناقش في برلمان، وأضاف محمد الأمين: هنالك تصور للجبهة المدينة بإنشاء جسم وتحالف جديد كما قال الحلو بتجاوز الماثل من أجسام، وهنالك تصور آخر ينادي بعدم التنسيق مع المجموعات خارج تقدم من مكونات وليس تحالفات مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهنالك تصور آخر بأن تقوم الجبهة المدنية كناتج لمؤتمر المائدة المستديرة، أي أن الجبهة هي مرحلة من مراحل وقف الحرب والعملية السياسية وهي مفتوحة لكل شخص مؤمن بوقف الحرب.
وختم محمد الأمين بالقول: حول التصور الأخير بشأن حكومة الدعم السريع الموازية، البعض يمررون ميثاقًا سياسيًا للجبهة المدينة لتشكل حكومة موازية في شهر فبراير الحالي، حزب الأمة لديه تصور لمائدة مستديرة ثم الوصول إلى إعلان مبدئي لطرفي الحرب وإعلان مفاوضات برعاية القوى المدينة ثم تكوين حكومة تصريف أعمال، الحزب الشيوعي أيضًا طرح تصورًا، والسؤال الآن: ما هو التصور الأمثل؟
من جهته عقب مدني عباس مدني بالقول إنه ومنذ إنشاء الحرب كان الهدف خلق الكتلة الحرجة لتمثل كل الناس، في ديسمبر خلقت هذه الكتلة ولكن كان لدينا تداخلات في مسألة التكوين الأفقي والرأسي، نحتاج صيغة تنسيق أو ترتيب تكون أوسع، يجب جمع القيادات الدينية والأهلية، مثلًا نحتاج إلى جسم جامع يمثل كل قطاعات المجتمع في صيغة أخرى للم السودانيين ليكونوا شركاء في إعادة البناء مع وجود مشروع وطني، المجتمع المدني تضرر من التحالفات السياسية أكثر مما استفاد منها، المهم العمل بطريقة مختلفة من الطريقة القديمة، أتوقع أن يكون هنالك حالة استقطاب كبير ومن ثم تحصل الاتهامات بأننا (نيليون) وضد تشكيل الحكومة الموازية واتهامات أخرى من الجيش والموالين له حال الموافقة على الحكومة الموازية من جانب أي طرف سيتهم حينئذ بالاتهامات ذاتها التي اعتدنا عليها.
القيادي السابق في الحزب الشيوعي السوداني، كمال خالد، طالب بضرورة توفر الثقل الجماهيري للكيانات التي يجب أن تضمها الجبهة المدينة العريضة، وقال: يجب أن يكون المتحالفون أشخاصًا وكيانات لهم وزنهمـ ويجب أن يكونوا موجودين وسط جماهيرهم في أرض الواقع ولهم قاعدة.

من جانبه رأى د. صلاح عمر أن الرؤية الحالية تأتي في ظل منعطف سياسي حاد يتمثل في قضايا مهمة مثل قضية تأسيس حكومة موازية وتكوين تحالف جديد وتحديد طبيعة الدولة، وقال: لكن في رأيي من حق أي جهة سياسية أن تصدر أجندتها، مفتاح التوحد الوطني هو تحديد طبيعة الدولة وعدم التعامل بردود الأفعال. وأضاف: عندما ننظر إلى الفشل والأخطاء نجد أن الأسباب واضحة وبسيطة ولا نحمل الفشل لأشخاص، الحركات المسلحة هي تنظيم سياسي في المقام الأول، هي لا تعقد العملية السياسية ولا يجب أن نتحرج منها، يجب أن نتوحد وطنيًا ولا يهم أن نتوحد في أي شكل سواء تقدم أو غيرها، يجب عمل نموذج حقيقي يتفق حوله الناس.
وختم مسير الجلسة النقاش بالقول: هنالك ضرورة قصوى للجبهة المدنية العريضة، يجب الاستفادة من التجارب السابقة، القوى المدنية لا تشرك معاشيي الجيش ولكن يجب الاستفادة منهم، كل المكونات لديها دور مدني ويجب أن تلعبه، هنالك صعوبات في تكوين الجبهة المدينة.