دولة البرهان..!
أفق جديد
تحت غبار المعركة بين الجيش والدعم السريع يخوض القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، معركته الخاصة التي تهدف إلى تكريس سلطته وحمايتها بتعديلات الوثيقة الدستورية التي لم يتبق منها إلا اسمها، بعد أن قام بتعديلها للمرة الثانية، وكانت الأولى عقب انقلابه الذي قاده في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، وحذف وقتها الفقرات التي تنص على الشراكة مع قوى الحرية والتغيير باعتبارها تمثل قوى الثورة، وبينما جاءت التعديلات هذه المرة مكرسة سلطة الرجل بشكل مطلق، يرى خبراء في القانون الدستوري أن كل التعديلات التي تمت على الوثيقة الدستورية باطلة قانونًا ولا تكسب سلطة ما بعد انقلاب 25 أكتوبر أي شرعية دستورية.
دمغ الأمين العام للجنة التسيرية لنقابة المحامين، الطيب العباسي من أعدّوها بها بـ”الغباء” والجهل القانوني. وقال العباسي وهو يطالع الوثيقة المعدلة: “هذه لا تحتاج إلى كثير جهد لوصفها بالباطلة وذلك من أول نص فيها الذي نسف كل ما جاء بعده”، وأضاف: “أول نص في الوثيقة المعدلة يقول “عملًا بأحكام الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية 2019 أصدر مجلسا السيادة والوزراء في الاجتماع المشترك ووقع مجلس السيادة على الوثيقة الدستورية الآتي نصها”. وطبقًا للعباسي إن اعتماد التعديل على وثيقة 2019 يجعل هذه التعديلات باطلة وغير ذات حجية قانونية لأن وثيقة 2019 نصت في المادة 25 البند 3 على كيفية تعديل أو إلغاء الوثيقة، وهذا ما لم يتم الالتزام به. وأشار العباسي إلى أن الوثيقة الدستورية يتم التعديل فيها بناء على اتفاق الطرفين، وهما المكونان المدني والعسكري، ووفقًا للتعديلات التي أجراها البرهان وألغى بموجبها المكون المدني، وهو جزء أصيل في الوثيقة الدستورية، أفقد الوثيقة الدستورية مشروعيتها التي استمدتها من ثورة ديسمبر.
من ناحيته يرى الصحافي والمحلل السياسي، وائل محجوب، أن التعديلات تهدف إلى الاستفادة من الدعم الشعبي الذي تحقق للقوات المسلحة في الحرب، وتحويله إلى رصيد سياسي ما بعدها، ويعتبر وائل في حديثه لـ”أفق جديد” ذلك تحليلًا خاطئًا، يتجاوز أصل الأزمة، وهي في طبيعتها أزمة سيطرة الجيش على مقاليد السلطة والسير في طريق معاكس لإرادة الشعب، الذي أسقط حكم الإنقاذ سلميًا، وقدم الشهداء رفضًا للحكم العسكري، بعد انقلاب أكتوبر.
استحقاق واجب:
وطبقًا لوائل إن الالتفاف الراهن حول الجيش مبعثه نهوض الجيش للقيام بواجباته الدستورية في الدفاع عن الشعب، وهو استحقاق واجب فهذه هي مهام الجيش، كما أن الشعب يتحمل أخطاء هذه المؤسسة التي رعت قوات الدعم السريع ومكنتها من كافة القدرات العسكرية والاقتصادية، وساندتها واستندت عليها في مواجهة الشعب وتطلعاته، وبالتالي فإن ما تقوم به القوات المسلحة حاليًا لا يمنحها تفويضًا مفتوحًا لحكم البلاد.
ومنح التعديل مجلس السيادة تعيين وإعفاء قائد الجيش بناءً على ترشيح وتوصية من هيئة قيادة القوات المسلحة، علاوة على تعيين وإعفاء رئيس جهاز المخابرات العامة ونوابه، فضلاً عن تعيين وإعفاء مدير عام الشرطة وهيئة قيادة الشرطة بناءً على توصية وزير الداخلية، ومنح تعديل الوثيقة مجلس السيادة سلطة وضع السياسة الخارجية والإشراف على تنفيذها، إضافة إلى سلطة إصدار مرسوم مؤقت تكون له قوة القانون النافذ.
ونص التعديل على تولي الجيش إدارة الصناعات الدفاعية والمؤسسات العسكرية التابعة له، فضلاً عن دمج أي قوات مسلحة داخل القوات المسلحة قبل 6 أشهر من انقضاء أجل الفترة الانتقالية، على أن تتحول الحركات الموقعة على اتفاق السلام إلى كيانات سياسية.
تكريس سلطة
وحذف التعديل البند الـ 16 في المادة الثامنة، الذي نص على تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في الانتهاكات التي جرت في 3 يونيو 2019، إذ تم استبداله بـ”العمل على إنهاء الحرب وتقديم كل من ارتكب جرائم في حق الشعب السوداني إلى العدالة وفقًا للقانون”.
ويقول العباسي لـ”أفق جديد” إن تلك التعديلات تكرس بشكل كامل لسلطة البرهان، وسمى في ورقة بعث بها للمجلة ما يجري بـ”اغتصاب سلطة” لا سلطة أمر واقع. ويتفق وائل مع العباسي في التوصيف بقوله “إن ما يتم من إجراءات لن يفضي إلا لتكريس خطوات تقسيم وتفكيك البلاد، وهو بالتأكيد سيسهم في دفع خطوات الحكومة الموازية إلى الأمام، حيث تزيد من خطوات عزل السودان إقليميًا ودوليًا، وإرسال رسالة واضحة للعالم، أن هذه السلطة فاقدة الشرعية ماضية في سياساتها وإجراءاتها، وما من دعم ستجده الحكومة الموازية أفضل من هذا”.
وشملت التعديلات هذه المرة حذف قوات الدعم السريع، كما عدلت بنودها لتكريس السلطة العسكرية بشكل مطلق، ومددت فترة حكمها الانتقالي من جديد ٣٩ شهرًا. وتم تعديل الوثيقة لتزيد عدد ممثلي القوات المسلحة في مجلس السيادة لتصبح لها الأغلبية العددية.
ويرى وائل أن هذه التعديلات هي جوهر أسباب هذه الحرب، وهي مقصدها بالهيمنة على السلطة، وحمايتها بتعديلات دستورية تكرس استمرار البرهان ومجموعته في سدة السلطة، برعاية وسند عناصر المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وقفل أي باب لمحاسبتهم على ما تم من جرائم وانتهاكات بحق الشعب، ليس في فض اعتصام القيادة وحسب، إنما عن كل الشهداء الذين سقطوا في مواجهة انقلابه.
ويضيف: “يعلم البرهان ومن يساندونه أن هذه التعديلات لن تفلح في إكساب سلطته الاعتراف الذي يسعون للحصول عليه إقليميًا ودوليا، ويعني إقدامهم على هذه الخطوة أنهم سيواصلون في حربهم بلا أي حساب، وهدفهم المعلن بهذه التعديلات هو البقاء في الحكم مهما كانت الخسائر”.
يذكر أنه في 3 يونيو 2019، فضّت تشكيلات عسكرية اعتصامًا سلميًا أمام مقر قيادة الجيش، حيث ارتُكبت خلاله فظائع مثل القتل الجماعي، ورمي الجثث في النيل، والاغتصاب، وألغى التعديل أي ذكر لقوى الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع.
التشريع
وحذف التعديل البند الثالث من المادة العاشرة، التي تنص على أن المجلس التشريعي يعتبر سلطة التشريع والرقابة على أداء الجهاز التنفيذي، واستُبدل ذلك بـ”السلطة التشريعية الانتقالية” المكونة من مجلس السيادة ومجلس الوزراء، ومنحها حق التشريع والرقابة على الجهاز التنفيذي إلى حين تشكيل المجلس التشريعي، وحظر التعديل على حملة الجوازات الأجنبية تقلد أي منصب في الحكومة.
وألغى التعديل المادة 11 من الوثيقة الدستورية، واستُبدلت ببنود جديدة تنص على أن مجلس السيادة هو رأس الدولة ورمز سيادتها، ويتكون من 11 عضوًا، منهم 6 أعضاء يعينهم الجيش، وثلاثة ترشحهم القوى الموقعة على اتفاق السلام، على أن يرأسه قائد الجيش.
ومنح التعديل مجلس السيادة سلطات واسعة، منها تعيين وإعفاء رئيس الوزراء بتوصية من السلطة التشريعية الانتقالية، وهي مجلس السيادة ومجلس الوزراء، إضافة إلى تعيين وإعفاء حكام الأقاليم وولاة الولايات.
ومنح تعديل الوثيقة مجلس السيادة سلطة وضع السياسة الخارجية والإشراف على تنفيذها، إضافة إلى سلطة إصدار مرسوم مؤقت تكون له قوة القانون النافذ.
ونص التعديل على تولي الجيش إدارة الصناعات الدفاعية والمؤسسات العسكرية التابعة له، فضلاً عن دمج أي قوات مسلحة داخل القوات المسلحة قبل 6 أشهر من انقضاء أجل الفترة الانتقالية، وتتحول الحركات الموقعة على اتفاق السلام إلى كيانات سياسية.