مشروع الجزيرة.. في قبضة إعمار التفكيك وهندسة المؤامرات
مزارعون يدافعون عن أرضهم.. من يهدد الإرث الزراعي للمشروع عبر المخططات المشبوهة؟
بدأ مشروع الجزيرة بمنطقتي طيبة وكركوج في مساحة 250 فدانًا كمزرعة تجريبية لزراعة القطن
المساحة الكلية للمشروع 2,2 مليون فدان
أفق جديد
يتصاعد الغضب الشعبي بين أبناء المزارعين بسبب مخاوف تفكيك مشروع الجزيرة، بعد تحريره من قبضة الدعم السريع لصالح جهات مسلحة أخرى، ونزع أراضيه من الملاك ورهنها عبر صفقات وتجاوزات فاسدة سياسيًا وماليًا، وإعادة توزيع النفوذ والتركيبة السكانية في الجزيرة لصالح فئات اجتماعية جديدة.
واحتدمت المخاوف بعد أول اجتماع للجنة إعمار مشروع الجزيرة، بمشاركة واضحة من أعضاء حركة العدل والمساواة وعناصر من النظام البائد، قاطعه بعض ممثلي المشروع من المزارعين، رافضين تدخل الحركة في سياسات المشروع، وأن تكون إعادة الإعمار عملية مستقلة بعيدة عن التجاذبات السياسية، وأن تعمل اللجنة وفق رؤية وطنية شاملة تضع مصلحة المتضررين في المقدمة.
انتشر وسم “مشروع الجزيرة” بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأبدى ناشطون غاضبون رفضهم القاطع لفرض واقع جديد، قد يؤدي إلى مشكلات جمة في المستقبل، والنكوص بالعلاقات الاجتماعية القائمة على وسائل الإنتاج إلى صراعات قبلية ومناطقية حول الأرض، تجاوزتها الجزيرة بعد قرن كامل من الحداثة.
“نحن مزارعون، لسنا لحويون أو تاما أو فونج، ولا جهة لنا سوى الفلاحة، تنهض علاقتنا في المشروع على الإنتاج وعلاقات العمل”. يقول المزارع عادل فاروق في حديث مع “أفق جديد”. مضيفًا: ” لابد من قطع الطريق أمام من يحاولون تصدير مشكلات الجزيرة من منطلقات قبلية وعلى أسس رمزية الأرض والحواكير البالية. الجزيرة أكبر مشروع زراعي في العالم، والاجتماع البشري فيها اجتماع تأسس حول تحديث الأرض، لا حول حاكورات وبلدات تقليدية”.
وقالت لجان مقاومة مدني: “نرفض التدخل السافر لحركة العدل والمساواة وبقايا النظام السابق، ومحاولة تجيير مشروع الجزيرة ومكتسبات المزارعين لصالح التقاطعات الحزبية، ومصالح الحركة الضيقة ولعب دور السمسار”.
واتهمت اللجان حركة العدل والمساواة بالسعي للهيمنة على مشروع الجزيرة عبر “صفقات مشبوهة”، محذرة من محاولات رهن المشروع لجهات خارجية وإقصاء المزارعين لصالح “أجندات سياسية”.
وقالت في بيان طالعته “أفق جديد” إنها ترصد تحركات متسارعة من الحركات المسلحة ووزير المالية، جبريل إبراهيم، للاستحواذ على المشروع ومقدرات المزارعين تحت ذريعة إعادة الإعمار.
وحذرت اللجان من أن توقيع اتفاق بين محافظ مشروع الجزيرة وشركة “زبيدة”، بالتنسيق مع العدل والمساواة وعناصر من النظام البائد، يهدف إلى “استمرار مخطط تدمير المشروع وإفقار إنسانه”. حد وصف البيان الذي أضاف أن: “الجزيرة لا تزال مستهدفة بمخططات تسعى إلى تغيير ديمغرافيتها ورهنها للإمبريالية العالمية”.
ووقعت إدارة مشروع الجزيرة، بحسب وكالة السودان للأنباء، مذكرة تفاهم مع شركة زبيدة موتورز العالمية المحدودة، تنص على احتكار الشركة لمدخلات الإنتاج الزراعي والآليات والمدخلات، والطاقة المتجددة، وكل ما يخص مشروع الجزيرة. ويرى مراقبون تحدثوا لـ”أفق جديد” أن العقد مجحف بحق المزارعين وربما يورطهم بمشكلات كبيرة، فضلًا أن الخطوة متعجلة، بينما لا يزال أغلب المزارعين في النزوح.
وأضافت لجان مقاومة ود مدني، إن أهل الجزيرة لا يختزنون في عقولهم الباطنة سوى الأرض؛ ينامون على ذكراها ويصحون على تذكرها، لأنها تساوي عندهم الحياة كلها: “وهي الحقيقة الوجودية التي أدركها القادة التاريخيون في مشروع الجزيرة، وبناءً عليها وضعوا الأرض نصب أعينهم. ولذلك، حينما صاغوا تاريخ حركة المزارعين ورحلوا، لم يورثوا الأجيال الأرض وحدها، وإنما أورثوهم أيضًا قيمة الدفاع عنها والحفاظ عليها”.
ويرى الناشط المدني أسعد العباس، في حديث مع “أفق جديد” أن مشروع الجزيرة محمي بقوة القانون، وفقًا للملكية التاريخية، وأن الدولة لا تملك حق إعادة توزيع الأراضي بسبب تقييد بيعها وفق قانون الملكية الخاصة للعام 1911، وقانون تسوية وتسجيل الأراضي 1925، وقانون أرض الجزيرة 1927، وقانون المشروع 1950، والمعدل 1960، وقانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي 1995.
“ما أن تنفس الناس الصعداء بعد زلزال الدعم السريع المدمر، وبدأت بلدات الجزيرة تستعيد عافيتها وأمنها وأمانها بجهد شعبي خالص، كما هو ديدنها، وتستعيد عمرانها بالفعل دون تدخل الدولة أو أي جهة أخرى، جاء قرار توقيع محافظ المشروع مع شركة زبيدة المشتبهة بقضايا فساد في موسم 2021، صادمًا”. يقول العباس ويضيف “قضية المُلّاك والعمالة، قديمة متجددة، أثار فتنتها التدخل السافر للحركات المسلحة باسم المشروع والسكان، واستخدامها مواطني السكن العشوائي – إن جازت التسمية- ككرت ضغط لابتزاز المُلّاك بقبول لجنة الإعمار”. ويتساءل: كيف تكونت لجنة الأعمار من دون العودة إلى أصحاب الضرر؟”.
بدأ مشروع الجزيرة في العام 1911م، كمزرعة تجريبية لزراعة القطن في مساحة 250 فدانًا، بمنطقتي طيبة وكركوج، شمال مدينة ود مدني، تروى بالطلمبات، ومن ثم بدأت المساحات في الازدياد حتى بلغت 22 ألف فدان في العام 1924م. وبعد افتتاح خزان سنار والتحول للري الانسيابي، بلغت مساحة المشروع حوالي المليون فدان في عام 1943م. وتضاعفت في الفترة من 1958 وحتى 1962م إلى مليوني فدان بإضافة امتداد المناقل، لتصبح المساحة الكلية للمشروع اليوم 2,2 مليون فدان.
ويرى فاروق أن أبناء الجزيرة لم يتمردوا على الدولة ولم يحملوا السلاح إلا بعد أن هجرتهم “مليشيا الجنجويد”، حد وصفه، واستباحوا القرى. “حرر أبناء الجزيرة أرضهم، وستنتهي كل المحاولات لنزع الأرض بحيلة القومية المخاتلة أو بالقوة”. ويضيف: “السكان الذين جاورونا لسنوات طويلة، تقاسمنا معهم كل شيء، ولم يمنعوا من امتلاك الأراضي وبناء المنازل والسكن والتعليم”.
بدوره يرى المزارع الصادق عبد الله أن مؤسسات المشروع لديها إرث تاريخي في مقاومة شرعنة السيطرة عليه، ويمتلك المزارعون وعيًا متقدمًا لمناهضة وإيقاف مخططات اختطاف وتفكيك المشروع. “لجنة الإعمار ليست سوى غطاء لنهب ما تبقى من الموارد”. يقول الصادق في حديثه مع “أفق جديد”. ويضيف غاضبًا: ” لن تنجح أي مؤامرة ضد مشروع الجزيرة”.