المقابر الجماعية.. هذا القاتل من ذاك السفاح
حيدر المكاشفي
من أنباء القتل الجماعي ما أعلنته مؤخرًا صحيفة الغارديان البريطانية، عن اكتشاف مقبرة جماعية سرية شمال الخرطوم، يُعتقد أنها تضم أكثر من 500 ضحية تعرضوا للتعذيب أو التجويع حتى الموت على يد قوات الدعم السريع، ويقع الموقع قرب قاعدة عسكرية سابقة استعادها الجيش السوداني مؤخرًا، حيث تم العثور على مركز احتجاز يحتوي على غرف تعذيب وقيود معلقة على الأبواب، مع بقع دماء على الأرض، وأفاد ناجون من المركز، الذي يقع على بعد 70 كيلومترًا شمال العاصمة، بأنهم تعرضوا للتعذيب المتكرر، في حين أظهرت الفحوصات الطبية التي أجريت لهم علامات تعذيب وسوء تغذية شديدين، وغير هذا الذي أعلنته الغارديان هنالك المئات الذين اغتالهم الدعم السريع في مختلف المناطق التي دخلها، وبدأ بعضها يتكشف بعد رجوع أهلها إليها بعد تحريرها من قبضة الدعم السريع، وكذلك ما أعلنته هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم عن جمع عدد (35) جثة متحللة بمحلية شرق النيل والعدد في الليمون كما يقال عن الشيء بلا حصر ولا عد. غير أن الأرقام الحقيقية لن تكتشف بدقة إلا بعد نهاية هذه الحرب القذرة اللعينة، سواء من قضوا بواسطة المليشيا، أو من قضوا بواسطة طيران الجيش أو المليشيات المتحالفة معه، وما فعله الدعم السريع في الحرب وهو الذي كان الابن المدلل لوالده النظام البائد، هو ذات ما كان يفعله والده النظام البائد طوال سنوات حكمه الدموية، ولهذا ليس غريبًا أن يكون هذا القاتل من ذاك السفاح.
يبدو أن أعداد المقابر الجماعية مرشحة للزيادة باستمرار، دعك من المقابر الفردية التي دفن فيها بعض من اغتالهم النظام البائد، فما أن يتم الإعلان عن اكتشاف مقبرة جماعية، إلا ويتردد حديث جديد عن مقبرة جماعية أخرى لم يعلن عنها ولم تكتشف بعد، فتاريخ النظام البائد القمعي ووحشيته الدموية مليء بمثل هذه الشواهد، وهو دليل على أن أسهل الطرق التي كان يستخدمها النظام للبقاء في الحكم هي التخلص من الخصوم بقتلهم خارج القانون وبلا محاكمات ودفنهم بليل جماعات وفرادى، هكذا كان النظام المباد يستسهل قتل الخصوم والمعارضين بلا ذرة من إنسانية ولا أخلاق ولا دين ودون إعلان ولا تحديد أين دفنوا، ولكن بعد الثورة وإزاحة النظام الفاشي الديكتاتوري بدأت تتكشف الكثير من المآسي المفجعة، ويتم اكتشاف بعض المقابر الجماعية بين الحين والآخر، وبدأ الأمر بإعلان السلطات عن اكتشافها للمقبرة الجماعية التي ضمت رفات ثمانية وعشرين ضابطًا من خيرة ضباط الجيش، تم إعدامهم في رمضان وبصورة وحشية بتهمة محاولة تنفيذ انقلاب فيما عرف بحركة ضباط رمضان ومجموعة الخلاص الوطني قبل نحو أكثر من ثلاثين عامًا، ثم تلا ذلك إعلان السلطات عن اكتشافها لمقبرة جماعية حوت بداخلها رفات العشرات من المجندين من الطلاب فيما عرف حينها بالخدمة الإلزامية الذين قتلوا أثناء محاولتهم الفرار من معسكر تدريب للجيش في ضاحية العيلفون جنوب شرقي الخرطوم عام 1998 لرفضهم الذهاب للحرب في جنوب السودان ولمنعهم من قضاء عطلة عيد الأضحى مع عائلاتهم.. واستمرت كشوفات المقابر الجماعية لتعلن السلطات أيضًا أنها عثرت على مقابر جماعية رجحت احتواءها جثامين لمفقودين تم قتلهم خلال وبعد عملية فض الاعتصام القذرة، ولكن بمجرد إذاعة ونشر هذا الخبر، أعلنت مجموعة ما يسمى (أنصار هيئة العمليات) وهي الهيئة القتالية التي تتبع لجهاز الأمن التي أعيدت للخدمة بعد الحرب (كانت تم حلها وتفكيكها سابقًا)، أن هذه المقبرة ليست كما أعلن تخص ضحايا من فض الاعتصام، وإنما هي لأفراد من هيئة العمليات سقطوا خلال المواجهات المسلحة مع حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم عند غزوها أم درمان في العام 2008، غير أن جهاز المخابرات العامة تصدى سريعًا لمزاعم (أنصار هيئة العمليات)، ونفى أن تكون المقبرة المعنية تخص أفرادًا من جهاز الأمن، وعلى كل حال وأيًا تكن هوية هذه المقبرة المكتشفة مؤخرًا، سواء أكانت تتبع لهؤلاء أو أولئك، تبقى الحقيقة أن مغامرة حركة العدل والمساواة (الذراع الطويل)، قد خلفت ضحايا من الطرفين من القوات الحكومية التي قاتلتها، ومن طرف مجندي العدل والمساواة، وتقول بعض المعلومات إن قتلى حركة العدل والمساواة في تلك المغامرة بلغ 450 قتيلًا دفنوا فى مقبرة جماعية واحدة، وبالضرورة يكون الضحايا من القوات الحكومية قد دفنوا أيضًا في مقبرة جماعية، وهناك أيضًا ما أعلنته هيئة محامي دارفور عن كشف والي ولاية وسط دارفور وقتها عن نبش مقابر جماعية حوت 76 جمجمة، وطبقًا لتعميم أصدرته الهيئة، فإن والي وسط دارفور حينها أديب يوسف الذي كان يتحدث في جلسة حوار نظمتها هيئة محامي دارفور بدار المحامين السودانيين بالخرطوم، أكد العثور على مقابر جماعية بالولاية.. وبهذا تتعدد وتتنوع المقابر الجماعية التي لم يعرف بعد عددها بالكامل، ولكن المؤكد أن الخرطوم استحقت أن يطلق عليها عاصمة المقابر الجماعية ما قبل الحرب وما بعدها.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.